"أيوب قرا" الغائب الحاضر، الذي يريد الظهور في عناوين الصحف، هو وزير حديث العهد في حكومة "نتنياهو"، وقد زعم أن "نتنياهو" والرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، بحثا أثناء قمتهما في واشنطن، خطة لإقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، وليس في الضفة الغربية، هذا ما كتبه "قرا" عبر صفحته على التوتير، ونقلته جريدة "التايمز الإسرائيلية 14-2-2017"، ويدعي "قرا" أن كلا من "ترامب" و"نتنياهو" يدعمان الخطة، مدعياً أن الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، تقدم بهذا الاقتراح، وأن "ترامب" و"نتنياهو" سيتبنيان خطة السيسي، بإقامة دولة فلسطين في غزة وسيناء بدلاً من الضفة الغربية .
الدكتور "موسى أبو مرزوق"، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في لقاء تلفزيوني مع فضائية "الغد"، عزز صناعة وترويج الأخبار والشائعات، حين قال أنه في حال استمرار حالة الانقسام الفلسطيني، فإن الحل بإقامة حكومة فيدرالية بين غزة ورام الله، ستكون أحد الحلول الممكنة، وأن الفيدرالية أفضل من الانقسام، معترفاً أن فكرة الفيدرالية لم يتم تداولها مطلقاً في مؤسسات حركة حماس، مؤكدا أن وجود إدارة في غزة، وأخرى في الضفة، تشكل خطراً على مستقبل الشعب الفلسطيني، لكنه استشهد بأن الفيدرالية هي شكل من أشكال الحكم، التي وحدت دولاً كثيرة، مثل سويسرا والولايات المتحدة، ودولة الإمارات العربية، غير أن الناطق بلسان فتح "أسامة القواسمي"، رفض تصريحات "أبو مرزوق"، حول الفيدرالية بين غزة والضفة، معتبراً هذا الطرح هروباً من المصالحة، وتكريساً للانقسام، وأن مشروع الفيدرالية حسب "القواسمي"، اخطر من المشروع الإسرائيلي المتمثل بالدولة ذات الحدود المؤقتة، أو ما سبق أن عرض من قبل حماس، بهدنة طويلة الأجل، لمدة (10) إلى (20) عاماً.
هناك لغط كثير ، وحتى مخططات، لإقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، مع زيادة مساحتها على حساب أرض سيناء المصرية، ويجري بث أخبار كاذبة وحرب نفسية، عن موافقة مصرية على هذا التوسعة، إلا أن الرئاسة المصرية فعلت ما هو مطلوب منها، في بيان لها بتاريخ "23-2-2017"، بنفيها للطروحات المتداولة حول توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، واصفة إياها بأنها غير واقعية، وغير مقبولة، وتهدف إلى بث الفتنة والبلبلة، وأن أهمية بيان النفي، أنه جاء في أعقاب اجتماع بين الرئيس "السيسي"، وقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة والشرطة، وبحضور وزير الشرطة "مجدي عبد الغفار"، ومن ما جاء في البيان: بعد أن نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين، أن هناك طرحاً بتوطين الفلسطينيين في سيناء، نسب هذا الطرح تارة إلى الرئيس المصري، وتارة أخرى إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، فإن الخارجية المصرية تنفي بشكل قاطع بتاريخ "14-2-2017"، ما ورد على لسان "قرا"، كما أن الناطق بلسان رئاسة السلطة الفلسطينية، نفى أن يكون الرئيس "السيسي" قد عرض هذا الاقتراح، المرفوض فلسطينياً، على الرئيس الفلسطيني.
"قرا" الذي قال أنه تباحث مع "نتنياهو"، لدفع الخطة الوهمية بإقامة الدولة الفلسطينية في غزة، مع إضافة (1600) كيلومتر من سيناء إليها، بينما نفى مسؤولون مصريون وفلسطينيون، وبخاصة الرئيس الفلسطيني ذلك، فيما رحب مسؤولون إسرائيليون بها، وفي تعقيبه على بيان النفي المصري تراجع "قرا" عن ما سبق أن نشره على صفحته في تويتر، بأن هذه المبادرة طرحها الرئيس "السيسي"، وأن لا " السيسي"، ولا "نتنياهو" كانا شركاءه في هذه التقديرات، إذن هو كذاب ويسعى إلى إحداث الفتن.
غزة تعتبر عقدة إسرائيل وتريد التخلص منها، وحاولت نقل مسؤولية القطاع إلى مصر، التي رفضت ذلك، ففي تاريخ الخامس من شهر حزيران عام "2001"، عرض "شمعون بيرس" - بوصفه وزيراً للخارجية الإسرائيلية آنذاك- على الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات"، إقامة الدولة الفلسطينية في غزة أولاً، إلا أن "عرفات" رفض العرض، مصراً على إقامة الدولة في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فوزراء وسياسيون إسرائيليون يكثرون من تقديم المشاريع غير المقبولة فلسطينياً لحل القضية الفلسطينية، لكن لا وجود لمشروع إسرائيلي واحد عليه إجماع أو شبه إجماع إسرائيلي، لا من قبل الحكومة الإسرائيلية، ولا من قبل أحزابها أو سياسييها، فكل يغني على ليلاه.
الجنرال احتياط "غيورا آيلاند"، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً، عرض منذ عام "2000"- حين كان رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي- أن تنقل مصر إلى قطاع غزة "720" كم مربعاً، من رفح غرباً، حتى العريش، وبعرض "20" كم، إضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوباً، لمضاعفة مساحة قطاع غزة، وتم رسم خرائط التوسعة، تحضيراً لإقامة دولة فلسطين على هذه المساحات إضافة إلى القطاع، لزيادة مساحة القطاع بخمسة أضعاف، مقابل تنازل الفلسطينيين عن إقامة الدولة في الضفة الغربية، والمهندس الإسرائيلي "غادي غازيت"، طالب الحكومة الإسرائيلية الطلب من مصر بيعها أو أن تؤجر لها الثلث الشمالي الشرقي من سيناء لصالح إقامة الدولة الفلسطينية مع القطاع، مقابل أن يتم استثمار أموال ضخمة فلسطينية وإسرائيلية وإقليمية في مصر، لإنقاذها من الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه، وأصوات كثيرة تحدثت في هذا الموضوع.
يقال أن لا دخان بلا نار، فرئيس غرفة تجارة شمال سيناء في حينه "عبد الله قنديل"، كشف أنه كلف من قبل القيادي الإخواني "خيرت الشاطر"، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، وبتفويض رئاسي، بإدارة ملف إقامة المنطقة الحرة بين مصر وغزة، فيما رأى الناشط السياسي المصري "أشرف الحفني"، منسق الحركة الثورية الاشتراكية في سيناء، أن مشروع المنطقة الحرة، يعتبر تحايلاً لمشروع إسرائيلي لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، بتمدد قطاع غزة في سيناء عبر بوابة اقتصادية، وأن إسرائيل ترحب بهذا المشروع، أما السياسي "عبد الله الأشعل"، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق فقال: حماس وإسرائيل يريدان جزءا من أرض سيناء لأهالي غزة لتوسيع مساحة القطاع، وتخفيض كثافته السكانية، فمشروع المنطقة التجارية الحرة بين مصر وقطاع غزة، التي خطط لها في عهد الرئيس المعزول "محمد مرسي"، والتي وصفت بمشروع القرن، وضعت المسؤولين المصريين في حرج، ووجهت باستنكار سياسيين مصريين، متهمة حركة حماس في تحقيق حلمها القديم بتوطين أهالي غزة داخل سيناء، وتنازل مصر عن أرض مصرية محاذية لقطاع غزة، لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها، وتخليص إسرائيل من عقدة غزة بإقامة الدولة الفلسطينية في غزة وجزء من سيناء.
الرئيس المصري واجه هذه الأخبار بالنفي، وغالباً لا يكشف عن المصادر لهذه الأخبار بل تنسب إلى مصادر فلسطينية وإسرائيلية، أو عربية مجهولة، لدرجة الادعاء بان مصر تتعرض لضغوط مباشرة وغير مباشرة للقبول بهذه المخططات، فقد يكون صحيحاً أن مصر تتعرض لمثل هذه الضغوط لكنها صامدة برفضها الخضوع والقبول بها، والحقيقة بأن القضية الفلسطينية تمر بأزمة، وبخاصة الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي نأمل بأن لا يطول، لكن إسرائيل، التي تتبجح بقوتها وعظمتها، تعيش الأزمة أيضاً، وستستمر أزمتها طالما لم يتم إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
بقلم/ غازي السعدي