دولة فلسطينية فى غزة.. كارثة يجب مواجهتها

بقلم: اللواء. محمد إبراهيم

لا يمكن لأي متابع موضوعي لتطورات الوضع الإسرائيلي والفلسطيني ألا يتوقف طويلاً عند الأفكار الإسرائيلية التي تثار في الفترة الراهنة بشأن منح قطاع غزة بعض المزايا الاقتصادية والأمنية وأعني بذلك تصريحات بعض الوزراء الإسرائيليين كان آخرهم منذ أيام تصريح وزير النقل والمواصلات إسرائيل كاتس الذي طالب نيتانياهو بدراسة ما أسماه مستقبل القطاع وضرورة إقامة ميناء أمام سواحل غزة بدعوي تجنب الوصول بالسكان الفلسطينيين إلي حالة الانفجار الاقتصادي مما يؤثر علي الأمن القومي الإسرائيلي , إضافة إلي الحديث المتكرر حول هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس مقابل رفع الحصار عن القطاع .
بداية من الضروري أن نحدد الوضعية السياسية والقانونية لقطاع غزة حتي تكون الصورة أكثر وضوحاً. فطبقاً لاتفاق أوسلو عام 1993 (الذي أدي إلي عودة السلطة الفلسطينية إلي الداخل) فإن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يؤكدان أن كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة يشكلان وحدة جغرافية واحدة. كما أن كافة القرارات الدولية والمبادرات السياسية المختلفة التي عالجت مسألة إقامة دولة فلسطينية مستقلة كانت تعني إقامة الدولة في كل من الضفة وغزة وليس في منطقة منهما دون الأخري. وأهم الوثائق الدولية التي نصت علي مبدأ حل الدولتين (وثيقة الرباعية الدولية عام 2003) إستهدفت إقامة الدولة الفلسطينية في كل من الضفة وغزة
إذن فمن الواضح أن جميع القوي الإقليمية والدولية والأممية أجمعت علي إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة ولم تغير موقفها في أي مرحلة , إلا أنه تلاحظ مؤخراً أن إسرائيل بدأت في التركيز علي وضعية ما أسمته مستقبل قطاع غزة وضروة منحه ميناء علي سبيل المثال كمبرر من وجهة نظرها لمعالجة الوضع الاقتصادي السيئ في القطاع. ولاشك أن إسرائيل تستهدف من هذا التوجه تعميق الانقسام القائم حالياً بين كل من الضفة الغربية وغزة, مع تثبيت وضع السلطة المسيطرة فعلياً علي القطاع وهي حركة حماس لاسيما وأن هذا الإنقسام يصب في النهاية لصالح إسرائيل. ووضع مزيد من العراقيل أمام إمكانية إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة بإعتبار أن القطاع بظروف انفصاله عن الضفة وبالمزايا الاقتصادية التي سوف يحصل عليها يمكن أن يكون هو الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها حتي دون إعلان رسمي بذلك .
ويتماشي التوجه الإسرائيلي مع الأفكار المتطرفة التي بدأت تروجها عناصر إسرائيلية رسمية بأن حل الدولتين قد انتهي خاصة بعد لقاء ناتانياهو / ترامب في منتصف فبراير الماضي , وأن أقصي ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون هو حكم ذاتي في الوقت التي تتردد فيه من وقت لآخر نفس النغمة القديمة بأن الأردن هي الدولة الفلسطينية . لذلك نحن أمام توجه إسرائيلي قوي ومدروس وممنهج يمهد بشكل تدريجي لإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة في مرحلة قادمة لا يتعجلها الآن ولكن يبني لها أسسها ودعائمها , والسؤال الذي لابد أن يطرح نفسه هنا هو مع من سوف يتفاوض الإسرائيليون عندما يتحدثون عن ميناء في غزة أو دولة مؤقتة أو هدنة طويلة الأجل وهم يعلمون أن هناك انقساماً واقعاً بين الضفة وغزة , كما يعلمون أيضاً أن السلطة الفلسطينية لم ولن تقبل في أي وقت من الأوقات أقل من دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية علي حدود 67 مع الاستعداد لبحث بعض الحلول الوسط التي تساعد علي إنجاز هذا المطلب الفلسطيني والعربي والدولي دون التفريط في الثوابت . بالتالي تفرض هذه المعادلة الجديدة مسئوليات أمام بعض القوي الرئيسية حتي نتجنب تنفيذ هذا التوجه الإسرائيلي. فمن الضروري قيام السلطة الفلسطينية بإعادة تأكيد رفض أي توجهات إسرائيلية تتناول هذا الطرح تجاه غزة ليس ذلك فقط بل لابد لها من التحرك بشكل سريع علي محورين الأول استئناف جهود المصالحة الفلسطينية والثاني عدم ترك عملية السلام لإسرائيل تسيرها كما تشاء حتي تدمرها في النهاية. واستمرار التحرك المصري المميز والفعال لإحياء القضية الفلسطينية علي المستوي الدولي , وقد كان الموقف إيجابياً للغاية ومتوقعاً عندما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع سيادته مؤخراً مع العاهل الأردني علي مبدأ حل الدولتين باعتباره خياراً عربياً , ومن المؤكد أن الرئيس السيسي سوف يطرح هذا المبدأ مرة أخري خلال لقاء سيادته مع الرئيس الأمريكي في الزيارة المرتقبة والناجحة بإذن الله , كما يبدو من الأهمية استمرار التوجه الإيجابي المصري تجاه القطاع الذي يستهدف بشكل رئيسي التخفيف عن أعباء السكان (فتح معبر رفح علي فترات متقاربة - إدخال بعض السلع والبضائع) وفي نفس الوقت من المهم أيضاً أن تبدأ مصر بالتوازي استكشاف فرص استئناف جهود إنهاء الإنقسام الفلسطيني على أساس وثيقة المصالحة الشاملة التي نجحت مصر في التوصل إليها بعد سنوات مضنية من التفاوض .
أهمية قيام حركة حماس (في ظل قيادتها الجديدة) وكذا جميع الفصائل الفلسطينية بإعلان رفضها الواضح لأي محاولات إسرائيلية للتنصل من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أو حصر هذه الدولة في القطاع فقط وهو ما يستلزم بالضرورة إعلان رفض أي أفكار حول الهدنة طويلة الأمد أو التفاوض بديلاً عن السلطة حول أي مزايا اقتصادية أو غيرها تطرحها إسرائيل هي عبارة عن حق يراد به باطل. ومن المهم أن تركز القمة العربية المقبلة بعمان في نهاية شهر مارس الجاري علي مبدأ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية, مع إعادة التأكيد علي المبادرة العربية للسلام.
وعلينا ألا ننتظر حتي ينتهي تماماً حلم إقامة الدولة الفلسطينية وتنقل واشنطن (ودول أخري) سفاراتها للقدس, بل أن مسئوليتنا جميعاً أن نشرح للعالم إن العرب وافقوا في النهاية علي أن يقيم الفلسطينيون دولتهم علي مساحة 22بالمائة فقط من مساحة فلسطين التاريخية, وأن استمرار الوضع الراهن أصبح أمراً مستحيلاً وسوف يؤثر حتماً علي استقرار المنطقة.

اللواء ـ محمد إبراهيم