علام جرار نموذج للفلسطيني المكافح

بقلم: مصطفى البرغوثي

تعرفت على علام جرار عندما وصل للدراسة في كلية الطب وكان عمره ثمانية عشر عاما، ومنذ ذلك اليوم الذي التقينا فيه صرنا رفاق نضال، وزملاء عمل، وإخوة وأصدقاء حتى يوم الخميس الماضي عندما اختطفه المرض والموت المبكر من بين صفوفنا.

يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد سنة عملنا معا، وكافحنا معا، وخاطرنا معا، وفرحنا بالنجاحات معا، وجابهنا الصعاب معا.

علام جرار كان منذ سنوات صباه شابا ذكيا مبدعا، مفكرا ومعطاء، أسر الناس بتواضعه وأسلوبه الهادئ وحسن تعامله حتى في أدق الظروف.

أحب شعبه وناضل من أجله وأحب الفقراء والمهمشين وضحى من أجلهم.

أحب عمله وأبدع فيه سواء كمناضل سياسي أو كطبيب وإنسان، وقبل كل شيء كمناضل صلب لا تلين له قناة.

شارك في قيادة الكفاح ضد الاحتلال قبل وخلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وكثير من صفحات ذلك الكفاح لم يحن وقت كتابتها بعد، وربى المئات من المناضلين جيلا وراء جيل.

كان من أوائل مؤسسي وقادة حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، وآمن بصدق بحاجة فلسطين إلى نمط شعبي جديد في العمل السياسي والنضالي، يتسم بالصلابة المبدئية والمرونة العملية والإبداع الفعال، ويرتكز على الانخراط الطوعي لا المصلحي في النضال.

ساهم في بناء حركة المقاطعة وفرض العقوبات ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وكمناضل إنساني يؤمن بالمجتمع المدني ودوره ويحرص على حقوق الإنسان شارك في تأسيس شبكة المنظمات الأهلية واللجنة الوطنية لتأهيل المعاقين ومركز تطوير المؤسسات، والعديد من المؤسسات المجتمعية الأخرى.

وكان من مؤسسي وقادة حركة الإغاثة الطبية الفلسطينية لأكثر من خمسة وثلاثين عاما متطوعا وقائدا ومنظما لدعم الصمود الوطني، وعمل من خلالها على بناء ما يعتبر عالميا أفضل نموذج للتأهيل المجتمعي لذوي الأعاقة، وخصوصاً بما حققه من أفضل نسبة لدمج الأطفال ذوي الإعاقة مع سائر الأطفال في المدارس الحكومية والأهلية.

ستبكية آلاف العائلات التي خدمها، ومئات العاملات اللواتي ساهم في تعليمهن وتدريبهن، وستتذكره عشرات البلديات والمجالس القروية التي أشركها في عمله.

كما سيذكره الكثيرون من المناضلين والمناضلات الذين شاركهم نضالاتهم، وعائلات الأسرى التي ساندها، وأسر الشهداء التي وقف إلى جانبها.

لم يترك زيارة أو فرصة دولية دون أن يستثمرها لرفع راية فلسطين ويقوي حركة التضامن معها.

لم يكل ولم يمل أبدا، حتى في أصعب لحظات مرضه كان يصر على مواصلة العطاء ويقسو على نفسه وعلى صحته المتداعية.

أما زوجته خديجة جرار، فصارت أيضا نموذجا للوفاء والإخلاص، بتفانيها المذهل في إسناده وهو يعاني النكسات الصحية المتتالية.

رحل د. علام جرار عنا جسدا وبقي فكرا وروحا وأخلاقا وعطاء.

وستبقى ذكراه نبراسا ليس فقط لعائلته التي أحبها بكل جوارحه، بل للأجيال الشابة الفلسطينية التي تبحث بعناء عن نماذج تقتدي بها.

كان علام نموذجا للإنسان الصادق الوطني المخلص الشريف، المتقن لعمله والمتفاني من أجل شعبه.

كان نموذجا للصدق في مواجهة النفاق والكذب ونموذجا للوطنية الصادقة ونكران الذات.

علام جرار قدم نموذجا للنزاهة في عصر تكاثرت فيه الأنانية والذاتية.

تعلم بشرف، وحصل على علاماته بشرف، وعمل بشرف، وساعد الناس بشرف، وناضل من أجلهم بشرف، ورحل عنا بشرف.

وبرحيله اليوم فقدت رفيق كفاح، وأخا عزيزا، وصديقا لا يعوض.

بقلم/ د. مصطفى البرغوثي