ينشدون الحرية في كل درب، ويبحثون عن العدالة ورفع الظلم، و,يحملون لواء النضال وأسس الصراع، متشبثين بهويتهم الفلسطينية العربية البدوية الاصيلة فخرا واعتزازا، رافضين التسول والمساومة على حقوقهم، ومطالبين بنصرتهم وتعزيز الحراك الوطني انتصارا لقضيتهم ،التي تجسد قضية فلسطين، فهل من نصير!؟.
أهالي تجمع جبل البابا احدى التجمعات الفلسطينية البدوية المتواجدة على ارض بلدة العيزرية شرق العاصمة القدس المحتلة، ولا تبتعد عنها سوى 5 كيلومتر، يقطنها ما يقارب 56عائلة مكونة من 300فردا، هجرو في العام 1948 من مسقط رأسهم النقب ويعودون الى عائلة الجهالين العريقة.
جاءت التسمية بتجمع جبل البابا لان جزء من المنطقة التي شيد عليها التجمع تعود ملكيتها لدولة الفاتيكان وتقدر مساحتها بستة وثلاثين دونما، حصلت عليها الفاتيكان كهدية من الحكومة الاردنية ابان الحكم الاردني للضفة الغربية، في العام 1964 بعد ان زار البابا بولس السادس مدينة القدس، وسمحت الفاتيكان للمواطنين المهجرين بتشييد تجمعهم على هذه الارض والاستفادة منها، وقدمت لهم الدعم لتعزيز صمودهم الى ان يعودوا الى ديارهم التي شردوا منها سالمين.
يتكون التجمع من منشئات سكنية ( كونتينرات) بسبب منع الاحتلال لتشييد المنازل بالحجر والطوب، ويفتقر لادنى متطلبات المعيشة الكريمة بفعل افتقاره التجمع للكهرباء والمياه، وتعبيد الطرق، او تواجد مركز صحي او مدرسة خاصة توفر جهد ومشقة ابنائها الذين يسلكون طريقا وعرة وطويلة للوصول الى مدارسهم في بلدة العيزرية.
يعتمد اهالي التجمع في معيشتهم بشكل اساسي على الثروة الحيوانية وتسويق منتجاتها في منطقة شرق القدس، وتتميز طبيعة المنطقة بخصوبة تربتها، وببرودتها صيفا وشتاءا بصفتها منطقة حرجية ومكشوفة، وتتوافر فيها نبعة مياه تعرف بمسمى الحوض او( واد الحوض)، التي قام الاحتلال بتجفيفها وتحويلها الى بئر ارتوازي يغذي مستوطنة معالي ادوميم.
يحافظ اهالي التجمع على الاصول الفلسطينية البدوية في حياتهم اليومية من خلال صلة التكاتف والتلاحم والشهامة والكرم، وإتباع العادات العربية الاصيلة والاهتمام بالإرث التاريخي البدوي العربي الفلسطيني في حياتهم اليومية، يحيون افراحهم بالأهازيج الفلسطينية البدوية القديمة، ويندمجون مع سكان المناطق المجاورة بكل سلاسة دون تخليهم عن اصولهم التي يعتزون بها.
يتعرض التجمع لحملات صهيونية متكررة تشمل هدم منازل ومنشئات، تشريد واقتلاع للذكريات الجميلة لسكان التجمع، ورقابة صهيونية مشددة تترجم من خلال الزيارات المتكررة للمنطقة من أجل مشاهدة أي تغييرات تطرأ على التجمع، وقد تعرض التجمع لأكثر من 43عملية هدم، وفي كل مرة يهدم فيها مبنى يباشر سكان التجمع بإعادة بناءه غير مكترثين بحقد الاحتلال متسلحين بعزيمتهم الفولاذية الصلبة المؤمنة بحتمية الانتصار والعودة لديارهم الاصلية.
وعن المرافق المتوافرة بالتجمع فقد شيد اهالي التجمع مسجدا اطلقو عليه اسم مسجد عبادة ابن صامت، ولا يزال مهددا بالهدم من قبل الاحتلال، وبئر لتجميع مياه الامطار لكي يصبح البديل الممكن لتعذية التجمع بالمياه، هذا وتعارض سلطات الاحتلال امكانية بناء مدرسة خاصة لأبناء التجمع الذين يقدر عددهم بحوالي 120 طالب وطالبة، او مركز طبي او حتى عيادة يلجأ اليها الساكنين.
وتتبع سلطات الاحتلال الصهيونية سياسة التهجير القصري من خلال تضييق الخناق على سكان التجمع من خلال بناء جدار الضم والتوسع العنصري الذي يلتهم الارض الفلسطينية، ما يحد ويقلص من الاستفادة من الثروة الحيوانية بفعل اضعاف المراعي، عدا عن ملاحقة سكان التجمع بلقمة عيشهم من خلال قطعهم عن مدينتهم القدس، وعدم اصدار تصاريح عمل خاصة بهم، وتنغيص حياتهم اليومية من خلال اغلاق الطرق وعدم السماح للمؤسسات الوطنية بتنفيذ مشاريع تنموية من شأنها توفير ادنى متطلبات الحياة الكريمة للمواطنين.
كل هذا يندرج في بوتقة قهر السكان لإخراجهم من تجمعهم، وتنفيذ مشروع الفكر الصهيوني المعرف بالقدس الكبرى E1والذي يهدف لربط مستوطنات القدس المحتلة، وفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها ومنع التواصل والقضاء على حلم حل الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي المحتلة عام 1967م.
ومع تزايد شراسة الاحتلال وهمجيته وبطشه ضد الحجر والبشر والنبات والحيوان، تتعالى الاصوات الصامدة من داخل التجمع ويطلقون رسالة واحدة مفادها اننا اصحاب حق ولا نبحث عن منفعة شخصية او مال، وهدفنا واحد موحد الصمود على أرضنا الى أن يأتي الموعد الحتمي لعودتنا الى بلداتنا التي شردنا منها بفعل الاحتلال.
ويطالبون شعبنا بكل شرائحه على ضرورة الانخراط في حمل قضية التجمع، بصفته هما وطنيا ، يستدعي ضرورة وضع استراتيجية نضالية متكاملة، تحمل في طياتها المحافظة على الطابع الفلسطيني البدوي للتجمع، وفي نفس الوقت ترفع الظلم الواقع على كاهل ساكنيه، من خلال الشروع في حملات اعلامية تفضح سياسات الاحتلال وتجرم بطشه بحق مواطني التجمع، يرافق ذلك تشكيل لجان شعبية تتصدى لاقتحامات الاحتلال المستمرة، وتعرقل سيره، مع ضرورة تنظيم لقاءات ثقافية وترفيهية يدعا لها وفود رسمية وشعبية لزيارة الموقع والتعرف عليه عن قرب، والاستفادة من جمالية المكان لاستقطاب السياحة الداخلية لتلك المنطقة، والشروع في استصلاح الاراضي المحيطة بالتجمع من خلال زراعتها، والخروج عن المألوف بالتعامل مع الاحتلال من خلال تنفيذ مشاريع خاصة بالتجمع تشمل تعبيد الطرقات ومد شبكات المياه والكهرباء، وتنظيم دورات تثقيفية وترفيهية ورياضية على أرض التجمع لأهالي المنطقة، والتعامل بنفس سياسات الامر الواقع التي تتبعها حكومة الاحتلال، مع ضرورة إضفاء الطابع الرسمي على الزيارات، وتسليط عدسة الاعلام على التجمع بساكنيه، واستغلال المناسبات الوطنية الفلسطينية وتركيز حشد المواطنين الى تلك المناطق، لكسر قرارات الاحتلال وشحذ همم مواطني التجمع، مع عدم تغييب اهالي التجمع عن تلك الفعالية، وهذا كله يترجم من خلال تعاون ومشاركة فعلية بين القوى والأحزاب الفلسطينية النشطة في منطقة شرق القدس، والمؤسسات الوطنية وأهالي التجمع، لخلق ارضية نضالية تنموية تسلك كل الطرق التي تحمي مواطني التجمع، وتضمن الأمن والحماية والحياة الكريمة لهم، ففلسطين بقراها ومخيماتها جسم كامل متكامل وأي معضلة تستدعي الاستنفار الكلي لباقي الاجزاء للانتصار من اجل الحفاظ على استمرارية النضال وكسر شوكة الاحتلال وتراكم النضالات حتى زواله عن سماء وارض وبحر فلسطين.
بقلم: نايف جفال/القدس