لا يتخيل الكثير حجم الدور الذي لعبه ومازال الفلسطينيين يلعبوه حتى اليوم في اقتصاد لبنان وإن كان ذلك عليه تعتيم شديد، فالفلسطيني في لبنان كل ما يحتاجه هو الإرادة الصادقة ، بعيداً عن الأحكام المسبقة والذرائع المصطنعة، فالشعب الفلسطيني في لبنان بمختلف أطيافه السياسية والمجتمعية هو الأكثر حرصاً على لبنان وأمنه وإستقراره، والأكثر تمسكاً بحقه في العودة ومواجهة مشاريع التوطين والتهجير، وهو يتطلع الى تعزيز الثقة المتبادلة، لصون المصلحة المشتركة وبناء جسور الأخوة والمحبة، من أجل أن يبقى لبنان داعماً حقيقياً للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل حقه بالعودة، وهذا لا يتم الا من خلال تعزيز صمود اللاجئين لتمكينهم من القدرة على مواصة نضالهم ومواجهة التحديات التي تعصف بقضيتهم.
من هنا كان لليد العاملة الفلسطينية حضور مميزا في الاقتصاد والزراعة والطب والصحافة ، وهل يعلمون من يحملون اليوم مسؤولية الحرب الاهلية للفلسطينين ان أول من وصل إلى القطب الجنوبي في بعثة علمية ورفع العلم اللبناني هناك هو الفلسطيني اللاجئ إلى لبنان جورج دوماني.
لذلك نقول منذ بداية اللجوء الفلسطيني إلى لبنان ، يعيش الشعب الفلسطيني بشكل عام، حالة قلق داخلي يدفعه إلى الشك بكل شيء والشك بأي كان من حوله، معتبراً أن التحركات المحيطة به هي تحركات تآمرية تسعى إلى إلغائه أو إنهائه ليس فقط كقضية إنما كجسد وكوجود مادي.
ونحن نلاحظ أنه بعد أن علّق الفلسطيني بشكل خاص، والعربي بشكل عام، آماله الى دعم ومساندة الدول العربية من اجل السير بمسيرته النضالية من اجل تحرير أرضه أو العودة إليها، وهنا لا بد ان نقدر دور الشعوب العربية وقواها التقدمية والقومية وعلى وجه الخصوص الشعب اللبناني الذي استقبل وساند ودعم الثورة الفلسطينية ، وخاصة اننا لم ننسى الإمام موسى الصدر الذي أسس أفواج المقاومة اللبنانية " امل " التي أرادها رديفاً وحليفاً وسنداً للمقاومة الفلسطينية، وأطلق فتاواه الشهيرة التي ألزمت كل من يلتزم به بأن “إسرائيل” شرّ مطلق، وأنه مستعد لحماية المقاومة بجبته وعمامته ومحرابه، وأن تحرير القدس يحتاج إلى ثلة تؤمن بها لأن شرفها يأبى غير ذلك.
لا شكّ أن العلاقة اللبنانية الفلسطينية علاقة متجذّرة منذُ ما قبل النكبة وحتى اللحظة السياسية الراهنة، إلا أن المرحلة الاهم كانت في مرحلة الثورة حيث تحوّل اللبنانيون لشركاء فعليين في معركة تحرير فلسطين، وهذا الإرث في العلاقة من مرحلة النكبة والثورة شكّل قاعدةً في العلاقة اللبنانية الفلسطينية.
وبالنسبة للعلاقة على المستوى الشعبي، نلاحظ من انتشار المخيمات أنها كلها مُحاطَة بقرى ومدن لبنانية، مما يعني وجود احتكاكٍ يومي في مجالات الحياة كافة، اضافة الى العلاقات بين اللجان الشعبية والبلديات، وبين الأندية الرياضية في المخيمات والاندية الرياضية في القرى والمدن، وكل أشكال النشاط النسوي والشبابي والطلابي والثقافي وغيره، لأن هذا الاحتكاك الدائم يضمن برنامج ومشروع هادفٍ فإنه يمكن ان يخفف الكثير من التشنُّجات، ويوفر رصيداً
إيجابيّاً في العلاقات التي تعمّدت بالدم وشكّلت نموذجاً في عُمق العلاقات العربية لثورتنا الفلسطينية المعاصرة.
ومن موقعنا نقول ان هذه العلاقات رسخت ايضا بعد معركة الكرامة، فاندفع اللبنانيون للانخراط في صفوف الثورة الفلسطينية، وكان أول شهدائهم ابن بيروت الشهيد خليل عزالدين الجمل، حيث كان الموقف الشعبي اللبناني مؤيّد وحاضن للثورة الفلسطينية ،فكان هذا الانخراط في صفوف الثورة الفلسطينية باكراً والمشاركة في عمليات قتاليّة ونضاليّة بحيث أنكِ لو زرتِ اليوم أي قرية من قرى الجنوب لوجدتِ في كل قرية كوكبة من الشهداء اللّبنانيين الذين ارتقوا في صفوف الثورة الفلسطينية، واستمرّت المشاركة اللبنانية بأعداد كبيرة أغنَت التجربة الفلسطينية، وكانوا جسر تواصل فصائل الثورة وبين جماهير الشعب اللبناني، وبقي هذا الدور قوياً وفاعلاً ومؤثّراً حتى أثناء الحرب الاهلية في لبنان، إذ ان الكثيرين ساندوا الثورة الفلسطينية ودافعوا عنها أمام ما تعرّضت له من مؤامرة في تلك المرحلة، لذلك نسأل من وراء الحرب الاهلية اللبنانية ، لأن هذه الحرب لم تأت من نقطة فراغ ، فهي اتت في سياق مؤامرة امبريالية هدفها الاساسي اشعال نار الفتنة ، واذا اردنا الوقوف امام ما جرى في اسباب هذه الحرب ننظر الى مجزرة الباص في عين الرمانة ضد الفلسطينيين في 13/4/1975 بعد ان أطلقت عناصر تنتمي إلى حزب الوطنيين الأحرار النار على الباص العائد من احتفال في الذكرى السنوية الاولى لعملية الخالصة البطولية حيث استشهد داخله عدد كبير من الفلسطينيين واللبنانيين، وهنا حتى نعطي شهادة حق للرئيس الشهيد ياسر عرفات بأنه كان يخشى انفجار التناقضات اللبنانية في وجه الشعب الفلسطيني اللاجئ في لبنان وثورته ، وفي خضم التعقيدات السياسية والعسكرية التي خلقتها الحرب الأهلية، وهو الأمر الذي كان الشهيد ياسر عرفات وقادة الفصائل لم يريدونه ،بل وجدوا انفسهم مضطرين للدفاع عن شعبهم ،وفي معمعان هذه الحرب سقط العديد من المخيمات الفلسطينية وجرى تدميرها والتمثيل بساكنيها مثل تل الزعتر وجسر الباشا وضبيه، وتشابكت خيوط هذه الحرب حتى صار من غير الممكن الخروج منها بتاتا، بل إن حماية منظمة التحرير الفلسطينية باتت تستوجب الانخراط في الحرب نفسها، وفي ظل هذه الحرب كان الكيان الصهيوني يحتل جزءاً من جنوب لبنان، وينشئ ما أسماه "الحزام الأمني" ، وهنا نقول بعد المساعي الحثيثة لوقف هذه الحرب المؤلمة تهتكت الأوضاع اللبنانية كثيراً، وأُنهك المجتمع اللبناني والمقاومة الفلسطينية معا.
لهذا نقول للجميع ان تشابك الايدي اللبنانية والفلسطينية التي تصدت في العام 1982، للغزو الصهيوني للبنان من معركة الصمود والبطولة في الجنوب الى صيدا والدامور وخلدة والجبل وصمود بيروت ، وتلاحم الدم اللبناني الفلسطيني شكلت صفحات مضيئة ، ولكن بعد بخروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان، وقعت مجازر صبرا وشاتيلا، اضافة الى ما لحق بهم بعد ذلك ، وما زال الفلسطينيون يشكلون عاملاً مهماً في الاقتصاد اللبناني، وهذا يتطلب تطوير العلاقة ، لأن الفلسطيني يهمه استقرار لبنان ، كما هو حاجة له، في الوقت نفسه، إلى الأمان.
وامام كل ذلك نجد العلاقة المميزة مع الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية خاصةً مع الرفاق في الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الاتحاد والمرابطون وتجمع اللجان والروابط الشعبية والتنظيم الشعبي الناصري والاخوة في حزب الله وحركة أمل، اضافة الى المرجعيّات المسيحيّة والاسلامية ، رغم ان الفلسطيني غادر منذ زمن طويل مرحلة الفتنة
أو الحرب التي اندلعت العام 1975اي ما سميت بالحرب الاهلية، ، خاصةً أن العلاقة والمواقف تطوّرت بما يسمح بالمزيد من التواصل والانفتاح خاصةً ونحن نخوض الآن على ارض فلسطين معركة القدس، وعندما نقول القدس نقول المسجد الاقصى وكنيسة القيامة، وفي هذه المعركة ليس المسلمون وحدهم معنيين بالمساندة وإنما المسيحيون ايضاً، وقد عبّروا في اكثر من مناسبة عن احتضانهم ودعمهم وتأييدهم للمقاومة والانتفاضة.
واليوم على المستوى الرسمي، استطاعت العلاقة الفلسطينية اللبنانية أن تنتظم كعلاقة شرعيتَين، وتوِّجت باعتراف الدولة اللبنانية بدولة فلسطين وتحويل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية الى سفارة لدولة فلسطين، وأصبحت العلاقات مميزة، والشعب الفلسطيني يتطلع الى اقرار الدولة اللبنانية الحقوق المدنية والانسانية للشعب الفلسطيني في لبنان، ، إذ ما زال الفلسطينيون يعانون من قضية حرمانهم من حق التملُّك وحقّهم في العملية، ولا يخفى على احد أن الواقع الفلسطيني واقع صعب حيثُ أن الاكتظاظ السكاني في المخيّمات والبطالة والأزمات الاجتماعية كلها تقود الى حالة الفقر، ورغم ذلك تسعى كافة الفصائل والقوى الى تطوير العلاقات بين المخيم والجوار، من أجل حماية القضية الفلسطينية ومن أجل لبنان الذي احتضننا لاجئين ومناضلين، ومن اجل الاستقرار الذي هو مصلحة فلسطينية لبنانية مشتركة، وما يحدث من احداث في المخيمات او خارجها او محاولات هنا وهناك هي من ترتيب جهات خارجية تهدف الى ضرب العلاقات والعمل على تهجير الشعب الفلسطيني
وفي ظل هذه الظروف نقدر عاليا مواقف رئيس الجمهورية الرئيس المقاوم ميشال عون الذي يحمل ملف القضية الفلسطينية الى جانب دولة الرئيس نبيه بري، الذي يسعى من خلال لقاءاته مع كافة القوى الفلسطينية لمطالبتهم بالوحدة والتلاحم لمواجهة مخططات الاحتلال.
لقد اصيب الشعب الفلسطيني نتيجة ما اطلق عليه ما يسمى الربيع العربي بضربة قوية في مخيم اليرموك في سورية ، واليوم يحاولون نقل ذلك الى مخيم عين الحلوة ثلاثية النضال الفلسطيني الهادف لحفظ حقّ العودة، فإن مصير عين الحلوة وإمكانية إلحاقه بشقيقيه تبقى هدفاً للعدو وهاجساً مقلقاً لجمهور المقاومة المتطلع إلى التحرير والعودة، مما دفع بالفلسطينيين المحرومين من أرضهم إلى الاقتداء بالمحرومين في أرضهم من جيرانهم اللبنانيين، والعمل بشكل حثيث لمنع اي احداث تحصل ، ونحن نتطلع اليوم الى الأمل الذي يقوده شباب وشابات فلسطين عبر انتفاضتهم فهم أصحاب الحجارة والسكاكين والدهس بمواجهة الاحتلال من اجل التحرير والعودة.
فبدلا من تحميل الفلسطيني المسؤولية ، فالاجدى من الجميع العمل على حفظ الوجود الفلسطيني من خلال توفير فرص عمل ودعم الصمود، من خلال تكامل الجهود بين واللبنانيين والفلسطينيين لمواصلة النضال من اجل حق العودة ، وخاصة ان هذه العلاقات بين الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني اقترنت منذ امد طويل بعلاقة الاهل والقربى والنسب والمصاهرة.
ختاما : لا بد من القول بعد هذا كله نحن اليوم بحاجة الى تعزيز اواصر العلاقات اللبنانية الفلسطينية ، فعلينا ان نتخلص من الأفكار التي ﻻ محل لها ، وخاصة ان ما تتعرض له المنطقة اليوم من هجمة امبريالية استعمارية تنفذ مخططاتها جماعات ارهابية ، في الوقت الذي يواجه
الشعب الفلسطيني ارهاب وعدوان صهيوني تستدعي من الجميع استنهاض الطاقات ، فشعبنا في فلسطين ينتفض من اجل حقوقه المشروعة في العودة والحرية والاستقلال .
بقلم/ عباس الجمعة