يظن بعض المهتمين بالشأن بالفلسطيني أن قوة المقاومة الفلسطينية في غزة تكمن في الشعب الفلسطيني الذي يحتضن المقاومة، ويحميها بروحه وأولاده، حيث غدت المقاومة هي الممثل الشرعي والوحيد لحقوق الفلسطينيين التاريخية.
ويظن البعض أن قوة المقاومة تكمن في الأنفاق التي خصها تقرير مراقب الدولة بالاهتمام، وشكلت حالة من الإبداع العسكري الذي قهر أقوى جيوش الأرض، ولما تزل لغزاً، تتخبط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في كيفية التعامل معها، وفك شيفرتها السرية.
ويظن البعض أن قوة المقاومة في الصواريخ التي ضربت المدن الإسرائيلية الكبرى، وشلت الحياة في مطار بن غوريون الدولي، وأرعبت المستوطنين الذين فروا، وتركوا بيوتهم لأول مرة.
ويظن البعض أن قوة المقاومة تكمن في الضفادع البشرية، والقوى البحرية التي تحضر نفسها للعمل تحت أقسى الظروف، وستكون المفاجأة في الحرب القادمة، من حيث قدرتها على نقل المعركة إلى خلف خطوط العدو، وإرباك وحداته القتالية,.
ويظن البعض أن قوة المقاومة تكمن في الطائرات الشراعية التي طورتها المقاومة، حتى صارت قادرة على إفراغ حمولتها من القذائف والعبوات ناسفة وسط تجمعات الجنود الصهاينة.
ويظن البعض أن قوة المقاومة تكمن في وحدات النخبة القادرة على التسلل خلف خطوط العدو، والخروج من تحت الأرض، والسيطرة الكاملة على مناطق كاملة من الأراضي المحتلة سنة 48.
ويظن البعض أن قوة المقاومة تكمن في قدرتها على حماية أسرارها، وتنقية صفوفها من العملاء، حيث أمست المخابرات الإسرائيلية تجهل ما يجري تحت أعينها، وباتت حائرة في مواصفات هذا الجنين الذي يتكون في أحشاء غزة، ويوشك على الميلاد..
ونسي كل المهتمين بالوضع الفلسطيني أن قوة المقاومة التي تتمحور حول كل ما سبق ذكره، لها سر قوة يكمن في نقطتين مركزيتين:
أولاً: العدو الإسرائيلي واضح المعالم؛ الذي لا يختلف على مقاومته وطنيان، ولا يتشكك في عدائه إلا جاهل، ولا يفقد البوصلة في حتمية لقائه إلا غافل أو مأجور.
ثانياً: الإنسان العربي الفلسطيني الذي يرفض أن يموت قهراً، ويرفض المذلة، ويصر على النصر، الإنسان الذي آمن بحقوقه الكاملة، واقتنع بأنه يقوم بأدنى واجباته تجاه وطنه، الإنسان الذي آمن أن خلف هذا الجدار الأسود من الحصار بساط أخضر من الحرية، الإنسان الذي آمن بالله وباليوم الآخر، وقدره في مقاتلة هذا العدو الغازي الغاصب، الإنسان الذي يقبع تحت الأرض عدة أسابيع لا يمل، ولا يكل، ولا يخاف العتمة، ولا يجوع، ولا يظمأ، في يده سلاحه، وعينه تحدق في العدو، وينتظر ملاقاته بلهفة المشتاق، الإنسان الذي غاص في أعماق البحر ومكث لعدة ليالٍ تحت الماء وسط الأنواء والرياح والعواصف، وهو يتدرب على النصر أو لقاء ربه، الإنسان الذي يصوب قذائفه المعدة للتفجير بحذرٍ، ليرسل مع كل قذيفة قبلة حنين للأرض الفلسطينية المغتصبة، الإنسان الذي أقسم بالله العظيم أن يصون الأمانة، وأن يحمي الكرامة، وأن يحرس بنور عينيه مصالح شعبه وأمته..
حين بنى الصينيون السور العظيم حول بلادهم، ظنوا أنهم في مأمن من الأعداء، ولكن جيوش الأعداء احتلت الصين بعد إقامة السور العظيم ثلاث مرات، وذلك عن طريق العملاء؛ الذين باعوا أنفسهم للأعداء، وفتحوا بوابات سور الصين مقابل حفنة من المال المدنس.
غزة لا تقيم سوراً لحمايتها، غزة صارت سراً حين أقامت إنساناً يؤمن بوطنه، ويثق بعدالة قضيته ويخاف الله، وبين كفيه تتأرجح الجرأة والمفاجأة.
د. فايز أبو شمالة