يبدو أن حركة المقاومة الإسلامية حماس عقدت النية والعزم على المضي قدماً بإجراءات الطلاق مع السلطة الفلسطينية في رام الله, بدا ذالك واضحاً في الآونة الأخيرة من خلال بعض المؤشرات كان آخرها الحديث المتصاعد عن نيتها تسمية لجنة لإدارة شؤون القطاع مما يعني أن هذه اللجنة هي البديل المباشر لحكومة الوفاق الوطني التي مثلت منذ تسليمها توافقا مبتوراً منقوصاً بين حماس والرئيس عباس وسلطته في رام الله, ولم تحقق الأهداف التي شكلت لأجلها وفي مقدمتها تهيئة الأجواء الحقيقية لإنهاء الانقسام وإعادة اللحمة إلى مكونات الشعب الفلسطيني السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والواضح أن حماس عقدت عزمها على التخلي بصورة كاملة عن خيار عباس والتوجه إلى الطرف النقيض وهو محمد دحلان وداعمة الرئيسي مصر، وعلى ما يبدو فإن اللقاءات المكثفة التي عقدها إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي للحركة في القاهرة قبل شهور قليلة مع السلطات المصرية وخصوصاً مع قيادة المخابرات المصرية الممسكة بتلابيب الملف الفلسطيني وما قيل آنذاك أن المخابرات المصرية رتبت لقاء سرياً ناجحاً بين هنية ودحلان المنافس الشرس والخصم العنيد للرئيس عباس, وأن هذا اللقاء تمخض عن تفاهمات معينة بين الرجلين, هذا بالإضافة إلى اتصالات مستمرة تدور رحاها حالياً بين حماس ومصر على المستويين الأمني والسياسي تمخضت عن إعلان أكثر من مسئول في حماس أو مصري بأن العلاقات بين الطرفين ستشهد تحسناً وتطوراً إلى أقصى درجة ممكنة خلال الفترة المقبلة.
إن المتابع للمشهد السياسي يجد أن مصر تساند دحلان بصورة لافته وليس أدل على هذا الدعم تواجد الثقل السياسي لدحلان وأعوانه وقيادته في القاهرة, وتبني مصر لجميع اللقاءات والمؤتمرات التي عقدها دحلان مع أتباعه ومع شرائح المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة من إعلاميين واقتصاديين وقيادات مجتمعية متنوعة, فلم يكن بالإمكان السماح لدحلان باستقدام أتباعه من القطاع وعقد هذه الاجتماعات دون موافقة مصر ودعمها لهذه الخطوات التي هي في الأصل خطوات مناوئة للرئيس عباس ولسلطته برمتها، وهو ما يعني أن كفة مصر بدأت تميل فعلياً إلى جانب دحلان على حساب الرئيس عباس. وعلى الرغم أن الطلاق لم يقع فعلياً بين مصر والسلطة الفلسطينية لاعتبارات عديدة أهمها أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا زالتا تأملان بإبرام اتفاق سلام نهائي تاريخي مع الفلسطينيين قبل مغادرة الرئيس عباس الحلبة السياسية وهو الذي شارف على 85 من عمره وهما يعلمان أن دحلان غير قادر على فعل ذالك على الأقل في السنوات المقبلة نظراً للإشكاليات المتعلقة بسيرته ونواياه؛ إلا أن مصر بدأت فعلياً بإضعاف علاقتها مع سلطة رام الله من خلال بعض الإجراءات كان أخرها منع جبريل الرجوب الرجل القوى في حركة فتح وأمين سر لجنتها المركزية وترحيله على نفس الطائرة التي وصل على متنها مباشرة, وكذالك إصدار قائمة تضم مجموعة من قيادات حركة فتح والسلطة ممنوعين من دخول
مصر, بالإضافة إلى تبني مصر لمؤتمرات ونشاطات دحلان واحتضانه بشكل لافت وهو المناوئ للسلطة عموماً وللرئيس عباس عللى وجه الخصوص.
عودٌ على بدء يبدو أن حماس قررت السير قدماً والمضي يعيداً نحو تطوير علاقتها مع مصر, وهذا يعني أن ذالك سيتم وفق محددات معينة وواضحة في مقدمتها: أن هذا التقارب لن يتم إلا من خلال التقارب مع دحلان (خيار مصر الواضح في الوقت الراهن) ومما يؤكد على هذا التوجه أن حماس آخذة بالتعاطي بإيجابية مع طلبات دحلان فتسمح لأتباعه في القطاع بالسفر إلى مصر للمشاركة بمؤتمرات ولقاءات سياسية وإعلامية واقتصادية ومجتمعية دون أية عراقيل, وعلى ما يبدو فإن هذه التسهيلات تأتي في إطار رزمة متكاملة نصت عليها التفاهمات بين الأطراف الثلاثة مصر وحماس ودحلان.
الشاهد في الموضوع ان حماس بدأت تخوض غمار التحالف أو فلنقل على وجه الدقة تحالف المصلحة مع دحلان سعياً منها لتحقيق مجموعة من الأهداف في مقدمتها تطوير التعاون والعلاقات مع مصر في مسعىً منها لكسر الحصار وتخفيف الأعباء الشديدة الملقاة على عاتقها نتيجة استمراره وتواصله, وأيضاً ضمان استمرار حكمها لغزة لان غضبة مصر عليها واتهامات مصر المتكررة لها بالتدخل في شئونها خصوصاً في سيناء أثقل كاهلها وجعلها منبوذة عربياً باستثناء قطر وإسلامياً باستثناء تركيا .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل دخول حماس في هذا المعترك الجديد والتوجه الجديد محمود العواقب السياسية؟! وهل ستتمكن الحركة من الولوج إليه دون دفع ضريبة باهظة الثمن على حساب ثوابتها ومبادئها وخططها الإستراتيجية ؟! والسؤال أيضاً: هل حركة حماس ترتكب خطأ استراتجيا فادحاً بالتحالف مع دحلان على حساب الرئيس عباس؟! وهل سقوط عباس والسلطة في رام الله وتولى دحلان رئاستها سيحقق لحماس ظروفا سياسية واقتصادية أفضل من الظروف الراهنة؟! مما لاشك فيه أن حماس تعي تماماً أنها ستضطر إلى دفع ثمن باهظ جراء تحول مواقفها 180 درجة كاملة من النقيض إلى النقيض من عباس الى دحلان! لأن لدحلان خطة واضحة بالاستيلاء على مقدرات السلطة الفلسطينية والتربع على عرشها وأن يكون رئيسها القادم, وهذا إن تم فحتماً سيتم بدعم أو بموافقة حماس على اقل التقديرات، ولكنه دون ريب أو مواربة سيشكل مشكلة كبيرة جداً للحركة لأن دحلان متمرس جيد في التعامل مع حماس وهو صاحب الضربة الشهيرة للحركة 1996م، عندما كان قائداً لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة, كما انه يتمتع بكاريزما سياسية قائمة على المراوغة والتحالف مع القوى المؤثرة الأمر الذي أبقاه حتى الآن على الساحة قوياً متماسكاً على الرغم من بذل الرئيس عباس وجميع خصومه السياسيين كل الجهود الممكنة للقضاء عليه سياسياً ولكنهم لم يفلحوا.
مما لاشك فيه أن حماس عندما تتخلى عن خيار التواصل مع السلطة الفلسطينية وتتوجه الى دحلان ومصر ربما ستتمتع بامتيازات معينة وتسهيلات محددة لكن عليها ألا تنسى أنها دخلت طواعية إلى بطن الحوت وإنها مجبرة على تبني مواقف واستراتيجيات جديدة داخل هذا البطن الكبير لتتمكن من العيش بالحد الأدنى من الأكسجين اللازم لبقائها، وعلى حماس ألا تنسى أو تنكر أن التعامل مع عباس وسلطته أسهل ألف مرة من التعامل مع دحلان وهذا ليس تعاطفاً مع الأول وعداءً للثاني بل لأن الأول خياراته محدودة وزمنه محدود والضغوطات عليه هائلة من كل صوب وحدب؛ أما الثاني فخيارته مفتوحة وإمكانياته لا محدودة والداعمين له
كثر وكثر جداً، ختاماً دعونا نقول أن حماس دخلت بقدميها وطواعيةً إلى بطن الحوت فهل ستستطيع الخروج بسلام وأمان دون أن تدفع ثمناً باهظاً أو إنها لن تتمكن من الخروج من بطن الحوت أبداً.؟!
بقلم/ د. ناصر الصوير