من الضروري أن نتعرف علي الحقائق ونعيها جيدا قبل أن نتخذ أي قرار وليس أن نقرر دون دراسة كافية وشاملة ونعتمد علي انطباعات وأوهام ثم ندافع دون وعي علي القرار وفي النهاية نندم أونتهرب من المسئولية.
وكما أكد الفيلسوف برتراند راسل "عندما تبحث أي أمر اسأل ما هي الحقائق ودلائلها... ولا تنجر بما تتمني"
أجد نفسي مضطرا مرة اخري للحديث عن المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية بمصر وكيف أن البديل النووي خيار خاطيء ويحمل في طياته مخاطر كبري. هذا بالرغم من الدعاية المكثفة الاعلامية والرسمية التي تصور بناء المفاعلات وكأنه سيحقق آمالا عظيمة. لا أدري لماذا أصبح بناء مفاعلات نووية بمصر وكأنه حلم كبير رغم انه قد يكون كابوساً ونقمة كبيرة علي مصر. أكتب معارضا بشدة المشروع لعدة أسباب موضوعية متعلقة بمخاطره الأمنية و حوادثه المحتملة و باقتصادية المشروع واعتبارات أمن قومي خصوصا وأن هناك بدائل أفضل وأكثر أمانا.
ورغم أن موقفي يعرضني لاتهامات سخيفة وباطلة تهدف إلي إجهاض أي حوار موضوعي والتي تحرف الانظار عن الحقائق، إلا أن المسئولية الوطنية والامانة العلمية تضطرني للكتابة مرة أخري رغم كتابات عديدة سابقة. لا أريد أن أشعر وأنا قد تجاوزت إثنين وثمانين من العمر أنني قصرت في واجبي.
الأمان الكامل للمفاعلات النووية وهم
يتحدث البعض عن الأمان الكامل للمفاعلات النووية وكيف أن المفاعلات المزمع انشائها في الضبعة حديثة التصميم ومن ثم فإن درجة الأمان بها مائة في المائة دون أي دليل علمي.هذا رغم أن المسئولين في الصناعة نفسها واللجنة الأمريكية المنظمة للمفاعلات التي تنحاز عادة للصناعة النووية تؤكد أنه من المستحيل أن يكون هناك أمان كامل. ,ولا أنسي ما جاء بالأهرام منذ أكثر من 35 عاماً "مصر دخلت عصر الطاقة النووية في الساعة 11,18 دقيقة صباح الأثنين 29 يونيو1981 " و "نظم الأمان النووي تصل باحتمالات الخطر إلي درجة الاستحالة المطلقة" و"لا يمكن تسرب الإشعاع حتي في حالة وقوع حادث". كيف نصف كل هذا غير أنه يعبر عن تدني للمسئولية بشكل خطير. كذلك نلاحظ أن البعض يحاول دون أي دليل إقناعنا بأن المفاعلات الحديثة آمنة بالكامل. وبالتالي هناك خلط بين تحسين الأمان النووي وجعله آمن مائة في المائة وهذا مستحيل.
آلية صنع القرار تحدد نتائجه
في محاولة لدحض هذا الادعاء الغير المسئول والغير علمي أسوق بعض الحقائق حول الآمان النووي وتاريخ الحوادث التي أصابت المفاعلات النووية في العالم حتي يكتشف القاريء مدي الاستهتار التي تتصف الكثير من التصريحات التي لا تمت للواقع بصلة والتي تعكس عدم اكتراث خطير بمستقبل الوطن والمواطنين. يجب إذا تناول الموضوع بالتزام صارم بالحقائق العلمية دون تهويل أو مبالغة وأيضا دون استخفاف. إن اتخاذ القرارات دون دراسة معمقة وشاملة ودون حوار علمي مفتوح يعطي الفرصة كاملة للآراء المعارضة هو أفضل الطرق لإتخاذ قرارات خاطئة نندم عليها لاحقا حيث لا يفيد الندم. كذلك فإن إخضاع القرارات الهامة لأسباب سياسية و إعطاءها أولوية تطغي علي مسائل غاية في الأهمية مثل الأمان وضرورة تجنب حوادث كارثية وأخري خطيرة هو أفضل الطرق لآتخاذ قرارات خاطئة بل هو وسيلة لتعظيم حدوث مصائب كبري.
تاريخ وحقائق
تؤكد مصادر متعددة حتي تلك المنحازة للصناعة النووية بانه لا يمكن ضمان الامان النووي رغم ان صناعة المفاعلات وامانها قد تحسن. كما تذكر الهيئة المنظمة للمفاعلات النووية بأمريكا NRC والمنحازة للصناعة النووية في تقاريرها بان
"احتمال وقوع حادث يؤدي الي انتشار اشعاع نووي صغير جدا.... وأن المفاعلات مصممة بحيث تكون آمنة ... ولكن ليس هناك نشاط صناعي خالي من المخاطر". إذاً فليس هناك أمان كامل باعتراف ال NRC والدليل القاطع علي ذلك هو وقوع ثلاثة كوارث أدت الي اتلاف قلب المفاعل أولها في ثري مايل آيلاند ببنسيلفانيا عام 1978 ثم في شرنوبل بالاتحاد السوفيتي (أوكرانيا) 1986 ثم مؤخرا في فوكوشيما باليابان عام 2011.
تتركز إمكانية الحوادث في الاخطاء البشرية والعوامل الخارجية الغير متوقعة فمصممي مفاعل فوكوشيما باليابان لم يتوقعوا أن سونامي نتيجة زلزال سيبطل الأنظمة الاحتياطية. وحسب المؤسسة السويسرية UBS AG فان"حادث فوكوشيما شكك في امكانية اقتصاد متقدم كاليابان للسيطرة والتحكم في الامان النووي"
الحوادث النووية تختلف نوعيا عن الحوادث الأخري ولا يمكن مقارنتها
هناك مغالطة كبري كامنة في مقولة الNRC عندما تذكر أنه ليست هناك صناعة دون مخاطر فرغم صحة المقولة فإنها تخفي نوعية ودرجة الخطورة التي تجعل الحوادث النووية مختلفة تماما عن الحوادث الأخري. فلا يمكن مساواة انفجار في مصنع يؤدي بموت مئات أو حتي آلاف بحادث نووي ينتج عنه تعرض آلاف من المواطنين للاشعاع النووي المؤدي للوفاة والمسبب لأمراض مثل السرطان والتشوه الخلقي لأجيال قادمة ويؤدي أيضا إلي تلوث بيئي هائل يستمر لآلاف السنين ويصعب إزالته أو احتواؤه. ولا ننسي أن التلوث الإشعاعي لأغذية عديدة بعد كارثة شرنوبل والذي امتد لعدة دول والتي عان منها المصريون نتيجة أغذية وألبان أطفال مستوردة وملوثة إشعاعيا. كتبنا في حينه حول هذا الموضوع وعرضنا نتائج التحاليل الاشعاعية للأغذية الملوثة التي أجريت بكلية العلوم بجامعة الاسكندرية.
يتناول حاليا الإعلام الأمريكي حادثة فوكوشيما وتداعياتها بنشر عدة تقارير هامة. نشرت صحيفة الواشنطن بوست في 8 فبراير 2017 تقريرا أعلنته الشركة المسئولة عن تشغيل مفاعل فوكوشيما والذي حدثت به حالة انصهار ثلاثي بعد زلزال 2011 والسونامي الذي تبعه. جاء بالمقال أن الارقام حول المستوي الاشعاعي فلكية ( حسب تعبير الصحيفة) وصلت الي 530 وحدة (سيفرت Sievert ) لكل ساعة والتي فاقت أرقام 11 مارس 2011 (73 سيفرت كل ساعة) علما بأن تعرض الانسان لواحد سيفرت تؤدي الي فقد الخصوبة والشعر والاصابة بالكتاراكت في العيون. أما التعرض لأربعة وحدات سيفرت اشعاعية فهي تؤدي الي موت نصف المتعرضين لها وذلك حسب المؤسسة القومية اليابانية للعلوم الاشعاعية. هذا المستوي الاشعاعي يشير إلي أن بعض الوقود المنصهر قد تسرب كما أن الكاميرا المتحكم فيها من بعد وجدت فجوة كبيرة عرضها متر في قلب المفاعل. نشرت الصحف أيضا عن مدي انتشار الاشعاع النووي في المحيط الهادي حتي أن مستوي الاشعاع في سمك التونة في الشواطيء الغربية من الولايات المتحدة قد تضاعف (الصورة توضح مدي انتشار الاشعاع النووي في المحيط الباسيفيكي بسبب حادث مفاعل فوكوشيما ).
نشرت النيويورك تايمز في 9 مارس الحالي صورا مؤلمة تعرض كيف ترك الآلاف من اليابانيين منازلهم وممتلكاتهم منذ ستة أعوام هربا من الاشعاعات التي انطلقت من المفاعل وكيف أن عددا من المدن أصبحت مدن أشباح. كذلك نشرت نفس الصحيفة يوم 8 مارس الحالي أن مئات من الحيوانات البرية المشعة تنتشر في شمال اليابان.
حوادث المفاعلات النووية ودرجاتها المختلفة