القضيه الفلسطينيه ليست "صفقه" بل حَقْ ثابت

بقلم: فراس ياغي

تنبؤات وأنباء وتحليلات في تتابع وتراكم، ويكاد يكون ذلك يومي، والهدف، معرفة السياسة القادمه للرئيس "ترامب" خاصة بعد تصريحاته المُتعَدّده فيما يتعلق بإعادة العظمة لأمريكا في العالم إقتصاديا وعسكريا وضمن مفهوم من يتحكم بالعالم هو الإقتصاد المدعوم بقوة عسكريه كبيره للتخويف وللتأجير ولبسط الحمايات كأداة إقتصاديه بالأساس وبعيداً عن الشعارات السابقه التي كان الأغلب من زعماء أمريكا يختبئون خلفها مثل مفاهيم الحريه والليبراليه وحقوق الإنسان ونشر الديمقراطيه.
منطقة الشرق الأوسط والصراع الإسرئيلي- العربي وجوهره المركزي القضيه الفلسطينيه كقضية شعب ووطن وحقوق ومقدسات، يُعتبر تقليديا جزء من السياسه الأمريكيه الخارجيه خاصة بعد الحرب العالميه الثانيه وما رافقها من ظهور دولة "إسرائيل" كأكبر "حاملة طائرات أمريكيه" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما تعدى ذلك بكثير بعد أن تحولت "إسرائيل" إلى مكون داخلي في السياسه الأمريكيه الداخليه من مجلس شيوخ إلى "كونغرس" إلى السيطره على الرأسمال والماكينات الإعلاميه الكبيره وصناعة السينما في "هوليويد"، وتطور لاحقا ليصبح الإرتباط بفكره دينيه "مسيحانيه-صهيونيه" تعتمد فكرة "المسيح المخلص" ومعركة "هرمجديون".
السياسه "الترامبيه" ومهما تناغمت في بعض مكوناتها مع بعض التصريحات العربيه هنا أو هناك لا تبتعد في جوهرها عن المفهوم الأول بإعتبارها "صفقه" إقتصاديه ككل من جهة ومن الجهة الأخرى تكون الصفقه بما يتعلق ب "إسرائيل" في خدمة إسرائيل وبما لا يؤثر عليها من كافة النواحي وخاصة الأمنية والأيديولوجيه...وضمن هذا السياق تبدأ حكاية السياسه الجديده كما يعتقد البعض للإدارة الأمريكيه "سياسة الصفقات"، لذلك نرى أن طاقم الرئيس"ترامب" في مجمله نوعان، الأول له علاقه روحيه ب "إسرائيل" والثاني له علاقه "بالبزنس" وما يعني ذلك من ربط المفهومين بحيث تُصبح السياسه بعيده كل البعد عن مفاهيم القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحده وقراراتها، لتقترب وتتماهي مع مفهوم أل "DEAL".
بما يتعلق بالقضيه الفلسطينيه والصراع العربي- الإسرائيلي، المسأله ليست معقده او بحاجه لتحليلات عميقه لأن الوضوح فيها أكثر من وضوح الرئيس "ترامب" في العلاقه مع "روسيا" مثلا، والعناوين الأساسيه أصبحت جاهزه وتنتظر فقط الإعلان عنها، ومهما كانت حدود ومُحدّدات الخطه القادمه فهي ستأخذ بعين الإعتبار بشكل جوهري وفق مفهوم الحد الأدنى "إسرائيلياً"، حيث المستوطنات ستبقى ويستمر البناء فيها في منطقة القدس الكبرى (ثلث مساحة الضفه) وفي الكتل الإستيطانيه القائمه مع السماح بالتفاهم على إقامة مستوطنة جديده تكون بديله للمستوطنات العشوائيه، الحدود وما يسمى قضايا الحل الدائم غير مطروحه للنقاش أصلا وسوف يتم تأجيلها لما بعد "الصفقه" وضمن مفهوم إستمرار المفاوضات الثنائيه برعايه امريكيه من بعيد وشرق أوسطيه من دول "الصفقه" من قريب، أما حيثياتها فستكون ترتيبات لتشكيل حلف "عربي معتدل" يُنسق خطواته بشكل كامل مع دولة "إسرائيل" في مواجهة تعاظم قوة "إيران" وحلفها مع "روسيا"، ويبدأ أولا بإعادة سكة المفاوضات من خلال مفهوم "الدولة المؤقته" التي نصت عليها "خارطة الطريق" أو توسيع مناطق السيطره الفلسطينيه والذهاب بعدها لإنتخابات تشريعيه ورئاسيه لإعادة "غزة" والتي سيتم التركيز عليها بخطه إقتصاديه كبرى لإستيعابها ضمن الصفقه القادمه مع صياغة عباره تؤكد على مفهوم الدولتين ولكن بطريقه ترتبط بما يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، وكل ذلك شرطه من البدايه للنهايه أمني وتحت مفهوم محاربة "الإرهاب" السُني والشيعي وفي كافة المجالات من المنهاج المدرسي إلى كل التشكيلات العسكريه القائمه أو التي تُفكر بالظهور.
السؤال المركزي: ماذا نحن فاعلون؟ خاصة وأن معالم القادم "ترامبياً" سيكون تحت عنوان مفاهيم الصفقات الإقتصاديه "Take it or leave it"، وهل سننتظر ما سيطرحه أم سنعلن موقفا يستند ليس للحق فقط وإنما لقرارات الأمم المتحده وبالذات القرار بالإعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب عام 2012؟!!!!، إن الإنتظار لن يكون في صالح القضيه الفلسطينيه وإن إستباق ذلك بقرار من القمه العربيه يُعيد التأكيد ليس فقط على قرار الجمعية العموميه وإنما يضع شروط وآليات للتعاطي مع أي فكره أمريكيه بمدى إقترابها أو إبتعادها منه، ويؤكد أيضا على أن أي صفقه قادمه يجب أن تتماشى مع "المبادره العربيه للسلام"، يجب أن يكون جوهر السياسه العاجله للقياده الفلسطينيه إذا ما أرادت إبقاء هوامش لها للمناوره مع الذي يُخطط له عربيا وفلسطينيا في أروقة "النيك رد" في البيت الأبيض.
قال الكاتب عبد الرزاق جبران في كتابه الرائع "جمهورية النبي": "إقلب الكتاب في التاريخ تجد المعنى لأن التاريخ لم يكن سوى فَن الكَذب، وفي الدين إقلب المَعْبَد لتجد النبي"، والقياده الفلسطينيه عليها أن تسبق وتقلب المقلوب أصلا وتُعلن عربيا من خلال القمه العربيه القادمه موقفا قاطعا يتماشى بدون أي لبس مع قرار الجمعية العموميه رقم 19/67 لعام 2012، وبغير ذلك فإن الرد على الأزمه الصفقه القادمه ستكون لصالح "النص الترامبي" وعلى حساب "الحق الفلسطيني" وسَتُبعدنا عن عن مفهوم القرار لصالح مفهوم منطق "الصفقه". ونحن نقول كما قال مولانا جلال الدين الرومي "يا ايها المسافر لا تضع قلبك عند منزل من المنازل"، ضعها حيث يجب أن تكون لا وفق ما يعتقد البعض أين تكون، فالقضيه الفلسطينيه ليست "صفقه" بل حَق ثابت.

بقلم: فراس ياغي