"حروب إسرائيل الجديدة" كتاب عن ملابسات "الخروج" من خيار التسوية

صدرت عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" ترجمة كتاب إسرائيلي جديد يقدّم تحليلاً اجتماعياً- تاريخياً، لجملة عوامل تؤدي إلى اندلاع ما يسميها المؤلف "حروب إسرائيل الجديدة" من خلال تقييم أداء ثالوث السياسة والجيش والمجتمع.
والكتاب بعنوان "حروب إسرائيل الجديدة: تفسير سوسيولوجي- تاريخي" لمؤلفه أوري بن إليعازر، يسلط الضوءَ على ما يسميه "الدور السياسي" لكبار الضباط في جيش الاحتلال، الذين يظهرون خضوعهم لإمرة الحكومة.
ويُعرب المؤلف عن اعتقاده بأن حصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في "المقاطعة" في السنوات الأولى لانتفاضة القدس والأقصى شكَّل جزءاً من حرب واسعة. وكانت هذه الحرب دموية، وحشية وطويلة وعنيفة من جهة، لكنها لم تكن متسقةً مع "الشرعية" التي تم الاعتياد عليها في حروب الماضي التقليدية، من جهة أُخرى.
وعن ذلك الحصار يستذكر دور الجيش، والتذرع بالمطلوبين قائلا"فأولئك المطلوبون الذين وجدوا في "المقاطعة "لم يكونوا مطلوبين حقاً، بدليل أن إسرائيل واجهت، أثناء الحصار الثالث للمقاطعة، صعوبةً في تسليم أسماء "المطلوبين" للأمريكيين بناء على طلبهم. وحول ذلك يقول المؤلف "في نهاية المطاف، وبعدما فكت إسرائيل الحصار، لاذ هؤلاء المطلوبون بالفرار. من هنا يبدو أن كبار ضباط وقادة الجيش الإسرائيلي مارسوا أيضاً سياسةً رمزية من خلال استخدام وسائل عسكرية ".وحسب بيان "مدار" يطرح المؤلف مجموعة تساؤلاتٍ حول تأثير مجموعات ومنظمات وقطاعات معينة في المجتمع على الحرب، ودورها في التقدم نحو السلام أو الإحجام عنه لأسباب تتعلق بمصالحها. ويلفت المؤلف إلى أنه ظهرت في المجتمع الإسرائيلي، في عهد ما بعد الحرب الباردة، في العصر الحديث النيو- ليبرالي، عصر العولمة، خلافات جديدة، لا يمكن بدونها فهم طابع حروب إسرائيل الجديدة. ويتناول بتوسع وإسهاب علامتين فارقتين في الصراع:
الأولى، اتفاقيات أوسلو التي أشارت إلى إمكانية التوصل إلى تسوية بين الشعبين، وإلى حل لصراع قديم جدًا، غير أن هذه الاتفاقيات أثارت في الوقت ذاته نزاعًا شديدًا داخل الجانب الإسرائيلي ذاته. الثانية، انتفاضة الأقصى، التي حولت مجرى هذا النزاع الداخلي الإسرائيلي نحو الخارج. وقد شكلت الانتفاضة، بحكم سماتها الخاصة، وما تخللها ونجم عنها من عنف شديد وخسائر جسيمة في صفوف الطرفين، الأرضية التي انبثقت عنها وخطط بموجبها لـ "الحرب الجديدة" والنمط الذي تكرر لاحقًا في حرب لبنان الثانية (2006) والحرب على غزة في نهاية 2008 .ويشير المؤلف، على نحو خاص، إلى أنه في بداية سنوات العقد الثاني من الألفية الثالثة بدا أن إسرائيل، في ظل بنيامين نتنياهو كرئيس للحكومة، وإيهود باراك كوزير للجيش، سلمت بـ"الوضع السياسي القائم"، وبأن الفرصة التي نشأت عقب توقيع اتفاقيات أوسلو في مطلع التسعينيات (1993) للتوصل إلى تسوية سلمية على أساس حل الدولتين، قد تلاشت كليًا. كما تلاشى في الوقت ذاته أيضًا حلم محافل واسعة في الجانب الإسرائيلي بفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتُلت في حرب يونيو/ حزيران 1967. ورأى أنه كبديل لهاتين الإمكانيتين، مضت الزعامات الإسرائيلية في ما أسماه بـ"طريق ثالث" أتى مصحوبًا بمحاولة من جانب واحد لوقف "العنف" عن طريق الإكراه والفصل، وبواسطة انتهاج سياسة تفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، وبين الفلسطينيين أنفسهم داخل الضفة الغربية، وبين الفلسطينيين والمستوطنين، وبين إسرائيل وبين أجزاء من الضفة. وفي الوقت عينه فإن هذه السياسة تربط أيضًا بين إسرائيل وبين المناطق التي جرى ضمها (واقعيًا) في الضفة الغربية المحتلة وبين إسرائيل والمستوطنين الذين يعتبرون جزءًا لا يتجزأ من مواطني إسرائيل ذاتها. وأكد أن هذا النظام، الذي يستند إلى إنكار الواقع وتجاهل الفلسطينيين الذين يمكن أن يصبحوا في المستقبل القريب أغلبيةَ السكان القاطنين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، يتناقض مع الفكرة الأساسية التي وقفت خلف اتفاقيات أوسلو، وهي فكرة "الربط بواسطة الفصل" على أساس من التبادلية والتسوية والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الشعبين، وهو طريق بدا في حينه للكثير من الإسرائيليين والفلسطينيين حلًا ملائمًا.
ويُعرب مؤلف الكتاب أيضًا عن اعتقاده بأن هذا النهج الجديد الذي فرضته إسرائيل يحظى، إلى حدّ كبير، بالقبول لدى الولايات المتحدة، وإلى حدّ معين لدى أوروبا، خاصةً في أعقاب التعريف الموسع لمصطلح "الإرهاب" الذي جرى في نطاقه تجاهل حقيقة أن الفلسطينيين يكافحون من أجل تجسيد تطلعاتهم الوطنية وإنهاء الاحتلال. كما ساهم هذا النهج في إخماد النزاعات والخلافات الداخلية في إسرائيل، أو بالأصح وجهها نحو مواضيعَ وقضايا أُخرى، اقتصادية واجتماعية، كما اتضح في الحراك الاحتجاجي الواسع في صيف عام 2011، الذي طالب المشاركون فيه بتحقيق "العدالة الاجتماعية". ويمكن القول إن هذا النهج كان مُرضيًا للكثير من الإسرائيليين، بل ولغالبية منهم تتخوف بالقدر ذاته تقريبًا، من طريق الحرب الشاملة، ومن طريق السلام الحقيقي، الشامل والدائم، المرتبط بتقديم تنازلات إقليمية (جغرافية) على حدٍّ سواء.
بن إليعازر الذي عمل محاضرًا في قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة حيفا، وتنصبُّ أبحاثُه ومؤلفاتُه على سوسيولوجيا الحرب، وعلى العلاقات بين ثالوث السياسة والجيش والمجتمع، وعلى المجتمع المدني في إسرائيل يخلص للاستنتاج أنه حتى وإن ساهم "الطريق الثالث" في تخفيف حدة التناقضات الداخلية الإسرائيلية، فهو أيضًا يؤدي دورًا في إضفاء الشرعية على استمرار الاحتلال والعنف والحرب.

المصدر: القدس المحتلة - وكالة قدس نت للأنباء -