"تشغيل النساء من منظور جندري"

بقلم: سلامه ابو زعيتر

تشير العديد من الدراسات الاقتصادية الحديثة؛ بأن مستقبل الاقتصاد العالمي أصبح بشكل متزايد في يدِ النساء، وأصبحت المرأة المحرك الخفي للازدهار لأي دولة، فالمرأة والاقتصاد في تفاعل مستمر ومشاركة متواصلة، وقد أصبحت عنصر أساسي ومشارك رئيسي في منظومة تنمية الأعمال، وهي اليوم جزء من القوة العاملة ومستثمرة في جميع المجالات، وأصبحت قوة اقتصادية نامية في كل أنحاء العالم، وقد حققت نمواً حسب تقديرات البنك الدولي، بالرغم من مرور زمن طويل قد أهمل فيه الانتباه للمؤشرات الاقتصادية للنساء على مستوى الاقتصاد الدولي، فإن الموجة الثالثة من الحركات الاجتماعية العالمية التي حولت أوضاع النساء في العالم إلى كتلة اجتماعية واقتصادية لها سماتها وخصائصها ودورها الرئيسي في تعزيز رأس المال الاجتماعي.
حيث هناك توجهاً دولياً ومحلياً لزيادة توظيف النساء في سوق العمل، وإزالة كل فجوات التميز والمعيقات التي تواجه المرأة في بيئة العمل، وتحول دون مشاركتها بفعالية أكبر، لما تلعب المرأة العاملة دوراً فعالاً ومؤثراً في الحياة العملية والتنموية عبر أدوارها ومهامها ومساهماتها في ميادين العمل، سواء كانت مبرراتها اقتصادية أو اجتماعية أو ذاتية لتحقيق طموحاتها، فهي الإنسانة الطموحة التي تسعى لتحقيق ذاتها وهويتها، وإثبات دورها في المجتمع؛ كإنسان منتج لا ماكنة للعمل المنزلي أو الإنجاب، وخلال هذه الورقة سيتم استعراض المعايير الدولية والعربية والمحلية لعدم التمييز ضد المرأة العاملة، والمؤشرات حول البطالة، وواقع المرأة في سوق العمل، ومدى ارتباط ذلك بقانون العمل الفلسطيني، وتحليل الفجوات "الجندرية" في سوق العمل، والوقوف على الآثار الإيجابية لعملها وتقديم توصيات ومقترحات كرؤية للتدخل نحو تعزيز العدالة للنوع الاجتماعي في العمل اللائق والمشاركة في سوق العمل بشكل أكبر.
تنبع أهمية مشاركة المرأة في سوق العمل من قدراتها المذهلة وإمكانياتها، ولا يمكن إحداث التنمية ونصف المجتمع معطل، فالتنمية البشرية أداتها وهدفها الإنسان، ولتحقيقها يجب توظيف كل الطاقات الإنسانية في المجتمع، والمرأة مكون أساسي فيه لا يمكن إغفاله وتجاهله، وتمكينها اقتصادياً ومنحها الفرص يحسن ويطور المستوى الاقتصادي للأسرة والمجتمع، وهو أحد السبل التي تساهم بالحد من ظاهرة تأنيث الفقر؛ ومساندة المرأة الفقيرة في القطاع غير الرسمي، والمرأة الريفية وبالأخص المرأة المعيلة لأسرة....الخ.
أهداف ورقة العمل:
تهدف ورقة الحقائق هذه لتقديم رؤية شمولية للنساء، من خلال تحليل الواقع وتقديم مقترحات، الاندماج والانخراط للمرأة العاملة في سوق العمل مع الأخذ بعين الاعتبار كافة النواحي القانونية والاقتصادية والاجتماعية وصولاً للتالي:-
1- توضيح المفهوم والمعايير الدولية والقوانين الوطنية لمساواة النوع الاجتماعي في سوق العمل.
2- تسليط الضوء على واقع مشاركة المرأة في سوق العمل الفلسطيني وطبيعة التحديات، والمعيقات التي ساهمت في تدني نسبة المشاركة بسوق العمل.
3- تقديم المقترحات والتوصيات لتأسيس رؤية وتصور لحلِ المشكلة بشكل تدريجي ومرحلي.
أولا/ مفهوم العدالة "الجندرية" للنوع الاجتماعي في بيئة العمل.
يقوم المفهوم "العدالة الجندرية" على أساس أن أدوار الرجل والمرأة في بيئة العمل محددة من قبل عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية وليس عوامل بيولوجية، وتوزيع الأدوار بينهما على أساس مهني من منطلق الشراكة، وذلك بإتاحة الفرصة لهما لاكتشاف قدراتهما واكتساب مهارات، وتوظيف هذه القدرات في القيام بأدوار جديدة، بهدف دمج النوع الاجتماعي في العمل وتطوير العلاقة بين المرأة والرجل لتحقيق التكامل والمساواة والعدالة والإنصاف في تكافؤ الفرص بين الجنسين، تحقيقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية في بيئة العمل.
ثانيا/ المعايير الدولية والقوانين الوطنية للمساواة "الجندرية" في سوق العمل:
تتناول عدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية أحكام المادة (11) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، ومن بين الاتفاقيات المعتمدة حتى الآن والبالغ عددها (188)، التي أكدت على وقف كل أشكال التمييز ضد النساء العاملات، الاتفاقية رقم (100) التي تنص على تساوي الأجور، والاتفاقية رقم (111) حول عدم التمييز في التوظيف والمهن، والاتفاقية رقم (156) حول العاملين ذوي المسؤوليات العائلية، والاتفاقية رقم (183)حول حماية الأمومة، هذه الاتفاقيات الدولية لم توقع عليها أي دولة عربية ما عدا اليمن وقعت على اتفاقية (183) حول حماية الأمومة .(المصدر منظمة العمل الدولية).
بينما على الصعيد العربي فقد أصدرت منظمة العمل العربية الإتفاقية العربية رقم ( 5 ) لعام 1976 بشأن المرأة العاملة لتعزيز مساهمتها في عملية التنمية على أوسع نطاق ممكن، وعلى أساس المساواة التامة مع الرجل.(مصدر منظمة العمل العربية)، وهذه الاتفاقية ملزمة لكل الدول العربية الموقعة عليها.
أما على الصعيد الوطني فقد نص القانون الأساسي الفلسطيني في مواده (9،22، 25) على التوالي، بالمساواة أمام القانون والقضاء، وكفالة تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية، أخيراً على أن العمل حق لكل مواطن، كما أصدر الرئيس الفلسطيني، قراراً بعد توقيعه على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة "سيداو" بمطالبة الحكومة الفلسطينية مراجعة كل القوانين والتشريعات الفلسطينية وملاءمتها مع الاتفاقية، لمراعاة المساواة وعدم التمييز في الحقوق بجميع المجالات والجوانب الحياتية.
أما فيما يتعلق بقانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000، فهو ينظم علاقات العمل بين طرفي الانتاج، حفظاً للحقوق وتجنيباً للاستغلال، حيث أكد في مادة(2) العمل حق لكل مواطن، تعمل السلطة الوطنية على توفيره على أساس تكافؤ الفرص دون أي نوع من أنواع التمييز( المصدر: قانون العمل الفلسطيني)، وانفرد القانون بالإضافة للحقوق الأخرى في الباب السابع لينظم عمل النساء، وأبرز ما نص عليه القانون لتعزيز العدالة والمساواة في المادة (16) تحظر التمييز في ظروف وشروط العمل بين العاملين، المادة (21) أكدَت على مبدأ تكافؤ الفرص في التدريب والتوجيه بوضع نظام لذلك مع مراعاة حرية الاختيار والأولويات للأسر الشهداء، والمادة (100) حثت على تنظيم عمل النساء وحظر التمييز بين الرجل والمرأة حسب قانون العمل والأنظمة، المادة (101) أكدَت على حظر عمل النساء في أشغال شاقة وخطرة وساعات عمل إضافية أثناء الحمل والستة أشهر التالية للولادة وساعات العمل الليلي فيما عدا أعمال يحددها مجلس الوزراء، والمادة (102) دعت لتوفير وسائل راحة للعاملات، والمادة (103) أعطت الحق للمرأة العاملة في إجازة الولادة، ولا يجوز فصلها بسبب تلك الإجازة إلا إذا اشتغلت بعمل آخر بعد ثبوت ذلك، المادة (104) أكدَت على حق المرأة العاملة المرضع ساعة رضاعة لمدة سنة من الولادة، وتحتسب من ساعات العمل اليومية، والمادة (105) أعطت المرأة العاملة الحق في الحصول على إجازة بدون أجر لرعاية طفلها أو لمرافقة زوجها، المادة (106) تلزم كل منشأة بتعليق لائحة تتضمن الأحكام الخاصة بالنساء في مكان العمل.
برغم ما عالجته المعايير والقوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة والقضاء على التمييز ضدها، ومراعاة حقها بالعمل اللائق، وعدم التمييز بالعمل، بهدف تعزيز دورها ومساهمتها في العملية التنموية، ومشاركتها في البناء والتطوير الوطني، إلا أنها لاتزال هناك فجوات "جندرية "وتمييز واضح وانتهاكات صارخة للقوانين واستغلال للمرأة العاملة وحقوقها على جميع الاصعدة وخاصة في ميادين العمل، بالإضافة لغياب تشغيل النساء اللواتي يعانين من عاقة برغم نص القانون على تشغيل نسبة 5% في كل بيئة عمل.
ثالثا/ واقع المرأة الفلسطينية في سوق العمل:
تشير احصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني أن معدل البطالة بين المشاركين في القوى العاملة في فلسطين، قد بلغت نسبة 25.7% حتى نهاية 2016، وهناك فروق في معدلات البطالة تبعا لمتغير الجنس، حيث بلغت النسب 21.0% لصالح الذكور مقابل 43.9% للإناث، كما لا يزال التفاوت كبيراً بين شطري الوطن الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 40.6%، مقابل 16.9% في الضفة الغربية، ويقدر عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية 346,000 شخصاً، بواقع 206,900 في قطاع غزة و143,100 في الضفة الغربية.
أما بالنسبة لعدد المشاركين في سوق العمل من القوى العاملة 1348000 شخصا خلال الربع الاخير من عام 2016 منهم 847900 شخصا في الضفة الغربية، وعدد 500100 شخصا في قطاع غزة، وقد سجلت نسبة المشاركة في القوى العاملة بين الافراد 15 سنه فما فوق 45.5%، وما زالت الفجوة بمشاركة القوى العاملة بين الذكور والاناث كبيرة حيث بلغت 71.4% لصالح الذكور مقابل 18.9% لصالح مشاركة الاناث في سوق العمل، فبالرغم عن كل الجهود المبذولة سواء كانت الرسمية منها أو غير الرسمية، لاتزال مشاركتها متدنية جداً، حيث بلغت نسبتها ما يعادل 18.9% حتى نهاية 2016(مركز الإحصاء الفلسطيني)، وتكاد تكون النسبة الأدنى بين دول الإقليم والعالم، حيث يبلغ متوسط مشاركة المرأة العربية 28%، بينما يبلغ متوسط المشاركة العالمية 69%، وتأتي هذه النسبة المتدنية على الرغم من ارتفاع معدلات التعليم لصالح المرأة الفلسطينية.
في مقاربة لفهم أكبر للصورة حول برامج التشغيل التي تقوم عليها جهات رسمية مثل: وزارة العمل والصندوق التشغيل الفلسطيني نلاحظ وفق البيانات الصادرة عن وزارة العمل بتقريرها للمرحلة الاولي والثانية لمشروع تمكين الشباب والذي تم من خلاله تشغيل 4000 شاب وشابة؛ وفي ظل توفر بيانات ما يزيد عن220,000 باحث عن عمل لدى الوزارة، قد حدث بيانات للمشروع تقريبا 41000 شخصا منهم 53% اناث، مقابل 47% ذكور، وبلغت نسبة المستفيدات من المشروع تقريبا 38% (المصدر الادارة العامة للتشغيل- وزارة العمل).
بينما مشروع التشغيل المؤقت "بعث روح الأمل للشباب " الذي يشرف على تنفيذه صندوق التشغيل الفلسطيني، قد بلغ عدد المسجلين 61747 من كلا الجنسين 27367 ذكور أي ما نسبته 44%، 34380 إناث أي ما نسبته 56%، منهم خريجين المدارس المهنية والصناعية عدد 6110 خريج وخريجة، ما نسبته تقريبا 10% من المجموع الكلي موزعين بنسبة 17% إناث 83% ذكور( المصدر صندوق التشغيل والحماية الاجتماعية)، وحسب الإحصائيات لنسب المستفيدين من المرحلة الأولى للمشروع التشغيل، قد بلغت نسبة التشغيل 63% لصالح ذكور، مقابل 37% لصالح إناث.
وهذه النسب تؤكد أن السياسات الوطنية للتشغيل لم تحقق عدالة ومساواة في الفرص، مما يعمق فجوة الدمج والانخراط بالعمل للنوع الاجتماعي في سوق العمل الفلسطيني، وحتى اللحظة تظهر الإحصائيات أن القطاع الحكومي الرسمي هو أكبر مشغل للمرأة الفلسطينية، حيث بلغت نسبتها حوالي 41.8% مقابل 58.2% ذكور حسب بيانات ديوان الموظفين العام من المجموع العام 90540 موظفاً، وبالنسبة لتوزيع التشغيل في القطاع الخاص تشير الإحصائيات أن قطاع الخدمات هو المشغل الرئيسي للنساء العاملات بما نسبته 62.9%، ويليه قطاع الزراعة بما نسبته 13.1% من مجموع النساء العاملات في سوق العمل، وباقي قطاعات التشغيل الأخرى ما نسبته 24% وتتضمن العاملات في سوق العمل غير المنتظم مثل: التجارة والمطاعم والفنادق ونسبته 11.3%، والصناعات التحويلية 11.0%، البناء والتشييد 0.6%، النقل والمواصلات 1.1%، وهذه الإحصائيات تؤكد تدني نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل وارتفاع نسب البطالة بين النساء مما عمق مفهوم تأنيث الفقر، الذي انتج العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للمرأة وخاصة بين الخريجات، مما يدعو لدراسة معمقة لهذا الإشكالية وإحداث تدخل بشكل مدروس وفعال.
رابعا/ الفجوات والتحديات "الجندرية" لعمل المرأة:
هناك العديد من الفجوات "الجندرية" لعمل المرأة ارتباطاً بالبيئة والظروف، فمنها البعد الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو القانونية التي تقف خلف الأسباب الحقيقية لضعف مشاركتها في سوق العمل وهي:
فجوات في بيئة العمل:
- استمرار الصورة النمطية لدور المرأة والرجل في سوق العمل الفلسطيني، وربط المرأة بوظائف معينة دون غيرها مثل: سكرتيرة، مدرسة روضة، معلمة، عاملة نظافة...إلخ.
- سوق العمل المحلي ذكوري دائماً يميل في توسع الفرص بالتشغيل باتجاه الذكور.
- تخاذل ورفض بعض الشركات في القطاع الخاص تطبيق قانون العمل الفلسطيني، والحد الادنى بالأجر، وغياب الرقابة من قبل الحكومة، مما يمهد الطريق أمام المشغلين لاستغلال حاجة النساء.
- حرمان النساء العاملات اللواتي لم يقضين عام في مكان العمل من إجازة الامومة المنصوص عليها بالقانون.
- حرمان النساء اللواتي يعانين من إعاقة فرصة عمل برغم مقدرتها عليه.
- استثناء قانون العمل تنظيم عمل خدم المنازل من أحكامه وحتى اللحظة لم يصدر قرار من مجلس وزراء ينظم عملهم، وهذا القطاع تعمل فيه نساء يتعرض لانتهاكات في ظروف وشروط العمل، وايضا استثناء الاقارب من الدرجة الاولي وحسب الدراسات تعمل كثير من النساء في المشاريع العائلية.
- اتساع نطاق سوق العمل غير المنظم، حيث يعمل فيه أكثر من 60% من النساء ولا يخضع لأي شروط ومعايير وضوابط قانونية أو أي شكل للحماية من الاستغلال.
تحديات ومعيقات لمشاركة المرأة في سوق العمل:
- تردي الأوضاع الاقتصادية وعدم استقرار سوق العمل الفلسطيني وارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر، ومحدودية فرص العمل.
- العدوان الاسرائيلي المتكرر واستهدافه المنشآت الصناعية والورش وتجريف المزارع والراضي واستمرار الحصار.
- استمرار الانقسام وتداعياته على الاقتصاد المحلى وانعكاسه على السياسات الوطنية وما تبعها من تحديات وتشتت في الجهود والمتابعة خاصة بدمج المرأة وانخراطها بسوق العمل.
- عدم وجود ضوابط لحماية المنتوجات المحلية أمام ازدحام السوق بالمستورد، وبالمقابل عدم إمكانية تصدير المنتوجات المحلية إلى الخارج.
- النساء العاملات يتجنبن العمل في بعض المجالات، وهذا يتزامن مع محدودية المجالات التي يمكن أن تعمل بها حسب الفرص المتوفرة في سوق العمل الفلسطيني.
- الفرص المتوفرة في سوق العمل لا تتلاءم مع مهارات وقدرات النساء العاملات وتدريبهن المهني خاصة بعض المهن لا تستطيع العمل بها لمحدودية المهارات.
- التخصصات التي تتسم بها الخريجات الجامعيات معظمها مرتبط بالدراسات الإنسانية والاجتماعية ولا تتناسب أو تنسجم مع متطلبات سوق العمل .
- انخفاض الأجور وتدنيها يشكل عائق أمام المرأة العاملة .
- غياب العدالة في السياسات الوطنية للتشغيل والدمج للنوع الاجتماعي.
فجوات اجتماعية والاقتصادية :
- تشير بعض الدراسات أن خروج النساء العاملات للعمل كان لأسباب اقتصادية وللمساهمة في توفير دخل للأسرة، ورغم ذلك ما زال المجتمع ينظر للمرأة العاملة بدونية.
- بعض العلاقات الأسرية بين المرأة والرجل تلعب دوراً في تعطيل عمل المرأة من قبل الرجل، علماً بأن عمل المرأة لا يؤثر على الرجل.
- بعض النتائج للدراسات تشير أن النساء العاملات أصابهن الإحباط في العمل لأن البيئة الاجتماعية المحيطة غير منصفة، فهي لا تساعدها على التطور والإبداع والدافع للاستمرار بالعمل الحاجة المادية الملحة.
- أثبتت الدراسات تعاظم التحديات والصعوبات التي تواجهها يومياً والضغوطات التي تعيشها في وسط العمل وفي البيت تؤثر على العلاقة الأسرية وغالباً ما يتصدع البناء وتنهار العلاقة.
- عدم التوازن بتوزيع الأدوار في الاسرة خلق لدى بعضهن مشاكل أنتجت التفكك الأسري، وذلك نتيجة عدم الملاءمة بين التطورات الاجتماعية والثقافية لعمل المرأة بالمشاركة بالأدوار وإعادة تقسيمها.
رابعا/ الآثار الايجابية لعمل المرأة :
خروج المرأة للعمل ودمجها في سوق العمل له العديد من الآثار الإيجابية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والنفسي ويعود على أسرتها والمجتمع بالنفع والفائدة ومنها:
الآثار الإيجابية على الصعيد الاقتصادي:
- عمل المرأة يساهم بتوفير وتحسين دخل الأسرة مادياً.
- عمل المرأة يعزز مسئولياتها نحو عملها خارج الأسرة، مما يساهم بتنمية الشعور بالمسؤولية والالتزام والجدية.
- خروج المرأة للعمل يعزز مسؤوليتها في إدارة ميزانية الأسرة في حدود الدخل وتوزيع الميزانية بشكل منظم بين الاستهلاك والادخار.
- عمل المرأة يعزز مشاركتها في تنمية الاقتصاد الوطني وذلك يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
أما على الآثار الإيجابية على الصعيد الاجتماعي :
- ساهم في تعزيز مركزها ومكانتها الاجتماعية والشعور بذاتها.
- يساهم في أغلب الحالات بتخطي مشكلة الفراغ التي تعانيها معظم ربات البيوت.
- يساهم في تعزيز شعورها بأهمية الوقت واستغلاله بشكل مفيد في إدارة عملها وبيتها.
- بعض الدراسات تشير أن العمل للمرأة يساهم في صقل شخصيتها وبناء قدراتها على مشاركة زوجها وأولادها, مما يعينها على تحسين إدارة الاسرة والمنزل هذا بالإضافة إلى ثقافتها التي تثري فكرها ووجدانها، الذي ينعكس على تنشئة ابنائها.
الآثار الإيجابية من الناحية النفسية:
- تشير بعض الدراسات النفسية أن عمل المرأة خارج المنزل يمنحها شعور أكثر اطمئناناً وثقة بالنفس عن قرينتها التي لا تعمل .
- ساهم في اختلاطها بالعمل مع الآخرين واكتساب خبرات ومهارات جديدة تساعدها في تحمل الأعباء والأدوار التي تشغلها.
- بعض الدراسات تؤكد أن أبناء العاملات أكثر ثقة بالنفس، ويحققون تفوقاً في الدراسة، وهم أكثر اعتماداً على أنفسهم من أبناء غير العاملات وأكثر توافقاً .
سادسا / توصيات ومقترحات لرؤية التدخل:
- ضرورة العمل على خلق فرص عمل عادلة ومتكافئة على أساس النوع الاجتماعي، وعلى قاعدة الشراكة والمهنية، تناغماً مع القدرات والمهارات للشخص بغض النظر عن الجنس .
- إعادة النظر في السياسات الوطنية للتشغيل وتطويرها على أساس النوع الاجتماعي بما يكفل العدالة وتكافؤ الفرص للجميع بدون تمييز، مع مراعاة نسب البطالة بين الجنسين، وزيادة التدخل وفق التوزيع النسبي للباحثين عن فرص العمل والفئات المتضررة والمهمشة، تحقيقا لمبدأ العدالة الاجتماعية.
- إعادة النظر بسياسات الوطنية للتعليم العالي وطبيعة التخصصات التي تنخرط فيها النساء لتناسب وتوائم متطلبات وحاجات سوق العمل الفلسطيني، أو اسواق العمل البديلة.
- العمل على تطوير استراتيجيات التدريب والتأهيل المهني بهدف تمكين النساء العاملات من مهارات وكفاءات تناسب حاجات سوق العمل لزيادة مشاركتها وتوسيع فرص العمل التشغيلية.
- العمل على استهداف الخريجات بالتأهيل والتدريب المهني وفق احتياجات ومتطلبات سوق العمل تأهيلاً مهنياً، ورشات عمل تحضيرية للاندماج في سوق العمل، وتقديم المساعدة والتوجيه في البحث عن عمل، وتطوير وتشكيل مجموعات نسوية قيادية من الخريجات، بحيث تنظم وتدمج الفعاليات والمبادرات الجماعية والفردية التي تحقق الهدف بالتشغيل للنساء.
- تعزيز وعي وثقافة إنشاء التعاونيات الإنتاجية، والمشاريع الاستثمارية الجماعية والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر .
- إنشاء حاضنات الأعمال والمبادرات النسوية المنتجة لحمايتها وفتح أسواق ترويجية لها.
- البحث عن أسواق عمل بديلة في الخارج خاصة لعدم مقدرة سوق العمل المحلي على استيعاب أعداد الملتحقين بسوق العمل حيث القدرة لا تزيد عن استيعاب 12% منهم فقط.
- ضرورة العمل على تعزيز الوعي القانوني للنساء العاملات بهدف الحد من الاستغلال في العمل لجهل القانون.
- العمل على تفعيل جهات الرقابة والمتابعة التي تشرف على تنفيذ وتطبيق القانون في سوق العمل خاصة وزارة العمل الفلسطينية، بحيث يضمن تطبيق القانون بشكل يحفظ الحقوق للأطراف في علاقة العمل، وخاصة النساء العاملات مع ضرورة مراعاة تشغيل نسبة 5% وفق القانون من ذوي الاعاقة من الجنسين.
- ضرورة أن يكون في كل بيئة عمل لائحة توضح شروط وآليات تشغيل النساء وفق القانون.
- يجب إعادة النظر في بعض المواد القانونية ومراجعتها مع اتفاقية "سيداو" بما يحقق إنهاء كل أشكال التمييز، وإنصاف المرأة العاملة بما يساهم في دمجها وانخراطها بشكل عادل وحمايتها في سوق العمل.
- ضرورة عمل حملات ضغط ومناصرة لتطوير القوانين، وتشكيل رأي عام حول قضايا المرأة العاملة وأثارتها على كل الأصعدة.
- المجتمع مطالب بخلق التوازن الإيجابي لمساعدة المرأة للتوفيق بين أدوراها حفاظاً على السلام الاجتماعي والدور الاقتصادي للمرأة.
- تفعيل أكبر لدور المجتمع المدني بكل مكوناته وخاصة المؤسسات والاتحادات النسوية، بهدف العمل على تعزيز الوعي "الجندري" لما لذلك من انعكاس على ثقافة المجتمع بما يساهم في تغيير النظرة التقليدية والدونية للمرأة العاملة.
- ضرورة تفهم الرجل لدور المرأة العاملة ومساندتها ومساعدتها للقيام بواجبها التنموي وتحقيق ذاتها وخاصة زوجها بعدم إغفال الدور الاسري للحفاظ على التنشئة الاجتماعية للأبناء لما لذلك من أهمية قصوى.
الخاتمة:
لقد ناضلت المرأة بكل قوتها من أجل تكريس حقها في العمل، وأثبتت أنها قادرة على القيام به وتحمل الأعباء والأدوار المنوطة بها، برغم كل التحديات والمعوقات والعراقيل ونظرة بعض فئات المجتمع الدونية لها .
وهذا يدعو لفتح المجالات أمامها بشكل أوسع ومنحها الفرص التي من خلالها تحقق طموحاتها في العمل والتوظيف وخاصة في المستويات العليا .
ولتحقيق ذلك يجب أن نخطو بخطوات عملية نحو تمكين المرأة من حريتها، وتعزيز ثقتها بنفسها، من خلال الفعل الاجتماعي والجماهيري وحملات الضغط والمناصرة بهدف تعزيز العدالة والمساواة في فرص العمل والتوظيف والحقوق وبدون تمييز، وتكافؤ الفرص للنوع الاجتماعي في بيئة العمل بما يحقق التنمية المستدامة، ويساهم بدمج المرأة ومشاركتها بشكل حقيقي بالانخراط في سوق العمل بطريقة متعددة المراحل وطويلة الأمد.

د. سلامه ابو زعيتر

المراجع :

1. الاتحاد العام لنقابات فلسطين: رام الله، موقع الكتروني، http://www.pgftu.org
2. تقرير صادر عن الادارة العامة للتشغيل حول الباحثين عن فرصة عمل، والمستفيدين من مشروع التشغيل" تمكين الشاب "
3. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني PCBS: مسح القوى العاملة في فلسطين الربع الرابع من عام 2016، فبراير 2017، ص5-9.
4. ديوان الموظفين العام: رام الله، موقع الكتروني، http://www.gpc.pna.ps
5. مازن صلاح العجلة، المشاركة الاقتصادية للمرأة الفلسطينية: المؤشرات والمحددات، مجلة العلوم الإنسانية، المجلد 14، العدد 1، جامعة الأزهر، غزة، 2012.
6. المرأة والاقتصاد: أكبر قوة اقتصادية نامية في العالم موقع الكتروني، http://awbmagazine.com
7. المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات، مشاركة المرأة في القوى العاملة، الخميس, 15 كانون اﻷول (ديسمبر), 2016 موقع الكتروني، http://www.masarat.ps/ar/content
8. مسح القوى العاملة الفلسطينية: التقرير السنوي 2014، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2015، موقع الكتروني، http://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2120.pdf
9. مقابلة مع نائب المدير التنفيذي لصندوق التشغيل الفلسطيني والحماية الاجتماعية في قطاع غزة.
10. مكتب حقوق الانسان: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، موقع الكتروني، http://hrlibrary.umn.edu
11. منظمة العمل الدولية: المكتب الاقليمي لدول العربية، المساواة بين الجنسين وعدم التمييز، موقع الكتروني ، http://www.ilo.org/beirut/areasofwork/equality-discrimination/lang--ar/index.htm
12. منظمة العمل العربية: الإتفاقية العربية رقم ( 5 ) لعام 1976 بشأن المرأة العاملة، موقع الكتروني، http://alolabor.org