لم تكن الظواهر التي تمر على الشعب الفلسطيني هي ظاهرة طبيعية بل هي ظواهر تجاوزت كل القوانين الطبيعية والعرفية والإنسانية.
ربما يثير هذا العنوان الكثير من الآلام والأشجان لدى جميع طبقات الشعب الفلسطيني الذي أصبح يدور في مربعات الجلطة بكل مفاهيمها، سواء اكلنيكية أو نفسية أو عصبية أو سياسية!
لقد أصابت الجلطات الدماغية والقلبية والطرفية كل مناحي الحالة الإنسانية لهذا الشعب، ربما أشعر ومن خلال مرضي أن كل الكون يتلخص بوجوده في غزة، غزة التي تبحث عن طرق وأساليب للخروج من أزماتها وجلطاتها، ربما هناك حالة ابتكرها الشعب الفلسطيني في التصدي لكل المظاهر التي تستهدفه في وجوده الإنساني والأخلاقي والوطني.
قالوا قديما أن أمراض العصر هي ضغط الدم والسكري، وقالوا أن تلك الأمراض تأتي ربما من الرفاهية والحالة البيروقراطية التي تعيشها الشعوب (الحالة المكتبية والإدارية)، ولكن في غزة يختلف الأمر كثيرا حيث تحتاج تفسيرا آخر وبحثا آخر ومشهدا آخر، فغزة التي تتعرض للحروب المتتالية والصراع على مراكز النفوذ فيها، غزة تحتاج إلى تعريف اكلينيكي وسيكولوجي لمجمل الأمراض التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الذي يقطن على أراضيها الخالدة.
قد تصارع غزة الموت على أمل في الحياة، قد يصارع أبنائها كل أدوات الموت وحرفيتها بابتكارات لتخلق من اللامعقول معقول من أجل الحياة ومن أجل أن يستمر هذا الشعب في رسالته الخالدة على الكرة الأرضية أمام الظلم والعدوان والقهر وسلوك الطغاة، غزة تتعرض ليس لهجمة عدوانية من قبل إسرائيل فقط، بل هناك من الطغاة والنرجسيين في الساحة الفلسطينية قد يشاركون في موت غزة والشعب الفلسطيني في غزة.
تزيد الأزمات عمقا وتزيد الحالة المرضية لهذا الشعب بأكثر اتساعا ونفوذا، وقد تطال كل شيء في حياة الشعب الفلسطيني في غزة، لا تقتصر الأمراض المزمنة كما حددتها الدراسات العلمية على سن الشيخوخة، بل أصبحت تلك الأمراض تطال الطفل والشاب والعجوز، وهي حالة استثنائية تخرج عن كل المفاهيم والتقاليد العلمية لكل مراكز الأبحاث.
قد نصارع الموت من أجل الحياة ومن أجل ابنائنا ومن أجل رسالة وضعنا أقدامنا عليها منذ عقود، فهو العهد والقسم ليس لفرد أو هيكل أو تمثال في حياة الشعب الفلسطيني، بل هي تلك الأرض بسهولها بجبالها بوديانها بتاريخها بالأجداد الذين كانت وصيتهم "لاتجاوز ولا قفز عن تاريخ هذه الأرض ولا خروج عن كل المفاهيم النضالية والجهادية لمآذن القدس وغزة هاشم وأسوار عكا وجبال الخليل الشاهقة ونابلس التي بنيت من حجر الصوان الأبيّ.
من أجل ذلك نحن نصارع الموت، من أجل حياة أبنائنا وأبناء الأجيال القادمة لكي يبقى شاطئ غزة وشاطئ فلسطين هو البحر الذي قد هزم كل الطغاة والمتجبرين وهزم العدوان فغزة تحتاج كل أبنائها لكي تخرج من محنة الأمراض المزمنة ولكي يخرج الشعب الفلسطيني في غزة من جلطاته المميتة، فكل شيء هنا في غزة يدعو للجلطة !
فمتى يتنبه الطغاة والمستبدين بأن الشعب الفلسطيني ينهار يوما بعد يوم، ليس من آلة العدوان والإحتلال فقط بل ممن انتهجوا حالة اللامبالاة والتي تتحكم فيهم نرجسياتهم التي قد تصل إلى حد اتهامهم هم الطرف الكبير في صناعة جلطات غزة.
أما إسرائيل فقد يستطيع الشعب الفلسطيني أن يشكل جلطة كبيرة لنتنياهو ومن خلفه، ولكن على هؤلاء الطغاة أن يخرجوا من حياتنا وأرضنا، يخرجوا بثوبهم المتشرذم وصراعاتهم التي لا تنظر فيها عيونهم لمعدل الأزمات والجلطات التي يتعرض لها أبناء غزة، فليذهبوا ولو لوقت قليل لمستشفيات غزة ليروا جلطات أبناء قطاع غزة !
سميح خلف