حول القمة الأخيرة، يرى المتابع أنّ البيان الختامي لها ليس إلا مجرد موضوع إنشاء يخلو من الفن اللغوي، إنه بيان مليء بالحشو واللغو والتمنيات والعبارات المجترة من قمم سابقة، ويفتقر إلى آليات التنفيذ مثل تشكيل لجان متخصصة وتوفير الأموال اللازمة للعمل، الخ. كما أن البيان ضعيف جداً لغة ومضموناً ويعكس مدى الضعة والوهن الذي وصل إليه الحكام العرب. وبهذا الضعف الواضح يبث الحكام رسالة إلى العالم بخاصة الدول العظمى مفادها أنهم عاجزون عن إيجاد حلول لهموم العرب والباب مفتوح للتدخل الخارجي عسى في ذلك ما يحل للعرب مشاكلهم. والبيان بالتأكيد يطمئن كل الطامعين وعلى رأسهم إسرائيل بأن الساحة العربية متهاوية، ولا تلوي على أي نوع من القوة، وبالتالي الوطن العربي مستباح لمن أراد أن يحقق أطماعه.
بالنسبة للقضية الفلسطينية، الأمر خطير جداً من حيث أنه لم يتم طرح رؤية جديدة لمقاربتها وبقيت المبادرة العربية البيروتية قائمة وماثلة بدون أي تعديل. العديد من كلمات الحكام العرب ركزت على الحل العادل والشامل، لكن أياً منهم لم يعرف لنا ما يعنيه بالحل العادل. هل الحل العادل يجيز اقتطاع 78% من مساحة فلسطين الانتدابية لصالح الصهاينة؟ وهل يعني بقاء اللاجئين الفلسطينيين خارج ديارهم وممتلكاتهم؟ وركزت الكلمات على أن حل الدولتين هو الأمثل والأنسب لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وعلى الرغم من كل الإخفاقات التي لحقت بحل الدولتين ما يزال العرب ومن ضمنهم الفلسطينيون لا يصدقون ما يرون ويسمعون وأنه لا يوجد حل دولتين. لا الولايات المتحدة معنية بهذا الحل، ولا إسرائيل غيرت من نظريتها الأمنية التي تنص على أنه لا يوجد دولة غرب نهر الأردن إلا دولة إسرائيل. وكل إجراءات إسرائيل لتهويد القدس والضفة الغربية غير مقنعة لهؤلاء العرب.
لم تأت القمة على ذكر حق العودة، والذي يعتبر المشكلة الأولى والأهم التي يواجهها الشعب الفلسطيني. الشعب مشتت وهناك ملايين الفلسطينيين ما زالوا يعيشون في مخيمات اللجوء تحت ظروف معيشية ونفسية صعبة للغاية. إقامة دولة ليست أولوية الآن، وإنما عودة الناس هي الأهم، وعندما يعودون يمكن البحث بإقامة دولة بأناسها. لا يوجد دولة تقوم بدون جمهورها، والحكام العرب يريدون إقامتها حتى لو لم يكن الناس على أرض فلسطين. هذه القمة غاب عنها الرئيس إميل لحود الذي أصر في مبادرة بيروت على ترسيخ مطلب حق العودة، فأخذ الحكام راحتهم في تجاهل هذا الحق. وواضح أن اهتمام الحكام بإقامة الدولة دون حق العودة يهدف إلى التخلص من الهم الفلسطيني من حيث أن الدولة فيما إذا أقيمت ستتدبر أمورها بطريقة أو بأخرى في حل قضية اللاجئين.
لكن المشكلة الأكبر التي قد تواجه الفلسطينيين في قادم الأيام تتمثل في البحث عن حل إقليمي للقضية بدل البحث عن حل موضعي فلسطيني. وهذا يعني انهماك الأطراف في حل الهموم الماثلة الآن وفق رؤية إقليمية عامة وليس وفق خصوصية فلسطينية. أي أن مشكلة اللاجئين لن تكون مشكلة فلسطينية بحتة، وإنما ستكون ضمن رؤية إقليمية لكيفية حل مشكلة كل اللاجئين في الإقليم. والحل يمكن أن يكون توطين اللاجئين في مختلف البلدان العربية. وهذا يمكن أن ينسحب على فكرة الدولة الفلسطينية فتكون سيناء إحدى الحلول الجغرافية لقيام دولة فلسطينية. وماذا سيصنع الفلسطينيون عندئذ؟ إذا بقيت القيادة السياسية الفلسطينية القائمة حالياً على رأس عملها فإنه من المتوقع تذويب القضية في الطبخة الإقليمية وتتحول القضية الفلسطينية إلى ذكرى تاريخية تنتظر من يوقظها في مستقبل بعيد غير معلوم.
وطبعا الملاحظ بوضوح أن القمة العربية لم تأت على ذكر المقاومة لا سلباً ولا إيجاباً على الرغم من أن بعض اللبنانيين حاولوا التشويش على حزب الله، لكن الحكام استبعدوا ما وصلهم وفضلوا الهدوء على الأقل مؤقتاً. بالرغم من كل الضعف الذي يغرق فيه الحكام العرب، ومن كل الإهانات التي يتلقونها لم يستنجدوا بالمقاومتين الفلسطينية واللبنانية عسى فيهما ما ينقذ بعض ماء الوجه. والأيام ستثبت أن هؤلاء الحكام يخفون سما زعافا للمقاومة إن استطاعوا إليها سبيلا.
اليأس لن يتسرب إلى نفوس الشعب الفلسطيني، وهذا التخاذل المستمر والمهين لن يأتي على معنويات الناس. الإصرار على انتزاع الحقوق واضح في عيون وقلوب الفلسطينيين، والوضع العربي كما الفلسطيني لن يبقى على ما هو عليه، التغير سمة التاريخ، ولن تشذ المنطقة عن هذه السمة.