نتوقف امام ما انتجته القمة العربية في عمان وما سمعناه من خطابات ، وهنا لا بد من ان نثمن عاليا ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون ، وما تحدث فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول نتالئج ومئوية وعد بلفور ، وهنا نريد ان نتحدث عن المتغيرات ، حيث وضع الرئيس عون النقاط على الحروف ان لجهة القضية الفلسطينية او لجهة الازمات المشتعلة في المنطقة العربية ، نقاط تشكل موقفا وطنيا وقوميا ونحن نرحب بها .
ان هذا الدعم الذي تلقته فلسطين من الرئيس ميشال عون , تشكل عوامل قوة للعرب, رغم الازمات التي تعيشها دول المنطقة والتي بحاجة الى عملية شاقة وطويلة.
ان شعب فلسطين يناضل حتى يستبقي الأمل، ويقاتل بلا نصير، في كل يوم يرتقي الشهداء المتشبثون بما تبقى، وفي كل يوم تصادَر الارض وتهدم البيوت وتستمر حملة الاعتقالات والاغتيالات وتستباح المقدسات من قبل عدو متغطرس عنصري صهيوني ، ومع تآكل الأرض الحقيقية التي يقف عليها الفسطينيون الصامدون على ارض فلسطين، المحفوظة في وجدان المنفيين بملايين من قطع السرد الشخصي الذي يساوي الإيمان، يتم اغتيال المزيد من الأمل، ويُلقى بالمزيد من أصحاب فلسطين التاريخية إلى العراء الموحش.
وامام كل ذلك نقول للحكام العرب ان حياة الفلسطينيين في الشتات، أن واحدهم يعيش عمره وهو يحاول أن يجمع ثمن قطعة أرض يقيم عليها بيتاً ياؤيه ويمكن أن يقول أنه يمتلكها، وبالنسبة لمعظم هؤلاء، كانت مسألة الأرض والبيت أمراً مفروغاً منه لو كان على ارض وطنه، ولكن،نؤكد لا يستطيع امتلاك قطعة أرض أو بيت أو شقة في أي مكان في العالم، أن تصنع شعور الفلسطيني بأنه حل مشلكته مع الأرض، ودائماً لا يكون أكثر من ضيفٍ أطال الإقامة حيث لا يجب، وأكثر مما يجب.
عند الحديث عن فلسطين، الأرض والوطن والهوى الموروث في الجينات، يشعر الفلسطيني بأنه في وادٍ وكل الآخرين في واد آخر بعيد، فلسطين التي يفهمها ويحسها ليست فلسطين المختزلة التي بلا عاطفة، والتي يتعامل معها الآخرون كبند مزعج على أجندات المؤتمرات، وسيفكر أبناء فلسطين المشردين في اصقاع الارض والمتشبثين بوطنهم وصاحب كل بيت في فلسطين التاريخية بأنه مُهمل تماماً ومُلغى من الحساب، ومعنى وحده بالتفاوض اليومي المضني مع فكرة الأرض، والوجود المستهدف بالانتقاص مع فلسطين المتلاشية بلا هوادة، بلا اختيار، وبظلم وحشي.
المجتمعون في قمة البحر الميت، ككل عام لن يخرجوا عن برنامجهم المعروف، اجتماعات تحضيرية وخطابات، وجلسات عمل لن تثمر، لأن ما يسعون إليه ليس سوى شجرة يابسة، لن تمنحهم حتى الظل، فكيف بالثمار.
المضحك في الأمر أنه نحو ثلاثين بنداً، لا يخلو منها واحداً عن القضية الفلسطينية، ومن يعود إلى الجداول السابقة يراها نسخة طبق الأصل لم يتغير فيها حرف واحد، وهي تخص إقامة
الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وإدانة الاستيطان، والتأكيد على حق العودة، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وإلى آخره من البنود، وإدانة إسرائيل وغيرها، في الوقت الذي يسعى فيه بعض المؤتمرين للتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني.
في العنوان الفلسطيني كانت كلمة الرئيس محمود عباس تشكل رؤية فلسطينية متكاملة وخاصة عندما توقف امام ما اقترفته بريطانيا منذ مائة عام بوعدها بلفور التي شرد الشعب الفلسطيني من ارضه الى اصقاع العالم ، ومطالبته الدول العربية بمقاطعة مئوية وعد بلفور التي دعت اليها بريطانيا للاحتفال ودعم الموقف الفلسطيني بمطالبة بريطانيا من تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني ودعم عودته الى دياره ، وهنا السؤال هل تتبنى المنظومة الرسمية العربية كلام الرئيس محمود عباس .
لذلك نحن نعلم ان كافة القمم العربية المختلفة بما في ذلك ما طرحته هذه القمة، من دعم كامل لخيار التسوية، والتمسك بمبادرة تتبنى سقف أقل ما يقال أنه منخفض عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة لإدارة الصراع، والدعوة لاستئناف مفاوضات التسوية، ذلك في الوقت الذي انسدت فيه كل آفاق هذه التسوية، وواصل العدو تصعيده الإجرامي الإرهابي بحق فلسطين وأهلها وضاعف زحفه وتوسعه الاستيطاني.
الموقف الرسمي العربي تحول تدريجيًا من دعم حقوق الشعب الفلسطيني، إلى دعم خيار التسوية، ثم انحدر إلى تحوّل أبرز العواصم العربية إلى محطات للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وعناوين لخرق جدران المقاطعة العربية لهذا الكيان، فيما مدت عواصم أخرى قنوات اتصالها وتعاونها مع هذا الكيان، وهو ما يتحدث عنه رئيس حكومة العدو ووزراء هذه الحكومة ليلًا ونهارًا، متفاخرًا بقدرة الكيان الصهيوني على اختراق الصف العربي، لهذا نرى إن الخشية اليوم من جهد عربي حقيقي بدون أي تقاعس لتصفية القضية الفلسطينية.
حقيقة الموقف في بقية الملفات العربية ليست أفضل بكثير، فالعديد من الدول العربية هي أعضاء في التحالف الدولي - الامريكي الذي عاد ليرتكب المجازر بحق الشعوب العربية بحجة مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم داعش، اضافة الى الدور التدميري الذي لعبته العديد من النظم العربية في شرذمة الشعب السوري وزجه في أتون حرب تدميرية، وأُريد لها أن تلبس لباس الطائفية، الكاسب الوحيد منها هو المستعمر والعدو الصهيوني، مروراً بالأزمة العراقية و الليبية أيضًا، التي باتت جميعها عنوانًا للتجاذبات الأوروبية - الأوربية بينما يغيب عنها العرب،إلا كممولين لمليشيات الإحتراب الأهلي، وصب براميل نفطهم لتزيد اشتعالًا، هذه هي صورة واقع الدور الرسمي العربي اليوم.
البدائل تبدو فعلا محدودة أمام أصحاب القضايا الحقيقيين لانتزاع دور عربي إيجابي، وتنحصر رهاناتهم العاقلة على دعم الشارع العربي الذي جرى تمزيقه بفعل الدعاية والتحريض الطائفي والمذهبي، واعتباره التناقض الرئيسي على حساب التناقض مع العدو الصهيوني، لذلك ذهب بعضهم "السني" للتحالف مع العدو الصهيوني، تحت مواجهة "الشيعي" الإيراني،بحيث بات من الواضح أن العودة لاستنهاض وتثوير دور هذا الشارع تحتاج للكثير الكثير من أصحاب هذه القضايا، خاصة على صعيد طرحهم لمواقف مبدأية فيما يتعلق بالمنظومة الرسمية العربية، وكذلك فيما يتعلق بالقضايا التي مزقت هذا الشارع ومنها التحريض الطائفي والمذهبي، والتدخل
الأجنبي، والتمزق والتشظي الداخلي/المجتمعي، والتناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني، ونهج التسوية ومخاطره المستمرة عربيًا وفلسطينيًا وغير ذلك مما يضج به واقعنا العربي من قضايا تطرح أمامنا جميعاً سؤال: ما المصير، وكيف سيكون شكل المستقبل بالنسبة لنا.
الحقيقة أن الحاجة اليوم ماسة للتضافر بين القوى العربية الجادة والملتزمة بقضايا الشعوب، فحالة الضغط المستمر ورداءة هذه المرحلة، تجعل مواجهة أي من هذه القوى للتحديات الوطنية الماثلة أمامها على مستوى الدولة الواحدة، شبه مستحيلة، ما لم تحظ بإسناد من القوى المماثلة في بقية الأقطار العربية فيما يتعلق بالقضايا الوطنية والقومية المشتركة، وفيما يتعلق بالعناوين العربية المركزية المتعددة.
هنا كذلك يبرز الدور الحيوي للمثقفين العرب المنحازين للقضايا الوطنية والقومية بحق، بالذود عنها، وإعلاء درجة النقد لهذا الواقع، وقول الكلمة الفصل فيه، وخاصة فيما يتعلق بتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية وحروب الوكالة، والتطبيع مع الكيان الصهيوني.
ختاما نقدر مواقف الرئيسين عون وعباس ، ونتطلع الى استعادة وحدة الشعوب العربية وفعاليتها بدعم فلسطين القضية والشعب والارض، وهذا يتطلب وجود رؤية مشتركة بين هذه القوى والاحزاب العربية، والالتزام بهذه الرؤية والنضال لأجل تحقيقها وتقديم التضحيات الضرورية في هذا السبيل، لأن من يفقد الرؤية يضل الطريق، ولهذا علينا ان نواصل مسيرة النضال متسلحين ايضا بارادة شعبنا ووحدته ومقاومته حتى تحرير الارض والانسان.
بقلم/ عباس الجمعة