القمة: ما بين إعلان الرياض 2007م وإعلان عمان 2017م

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

بعد عشر سنوات على صدور إعلان الرياض عن القمة العربية (18) في الرياض في 31/03/2007م صدر إعلان عمان عن القمة العربية (28) في 29/03/2017م ويفصل بينهما عشر سنوات، شهدت فيها العديد من الدول العربية أحداثاً دامية ومدمرة، عصفت بالعديد من الدول العربية تحت مسمى ظلماً (الربيع العربي) الذي أسست له حالة الفراغ الإستراتيجي، والفشل الذريع للنخبة الحاكمة، في تلمس لحظة التغيير والتطوير، بما يلبي حاجات مجتمعاتها، خصوصاً منها فئة الشباب، التي يزيد تعدادها على نسبة 60% من السكان في مختلف الدول العربية، كان إعلان الرياض 2007م مستكشفاً للوجع العربي في تلك اللحظة الزمنية، ووضع التصور السياسي الواقعي الذي كان يجب أن يجتمع الجميع على أساسه، وهو الحفاظ على الدولة الوطنية وتدعيم بنائها على أساس المواطنة والمشاركة، وتلمس حاجات الفئات الأوسع من مجتمعات هذه الدول، لضمان وحدتها وأمنها وإستقرارها، وتأسيس نظام مصلحة وطني مدني، ونظام مصلحة عربي مشترك لمواجهة التحديات الماثلة للعيان، والمتمثلة في محاربة الإرهاب، والطائفية السياسية، ودفع عجلة التنمية، ومواجهة التدخلات الخارجية على إختلاف مسمياتها وأغطيتها، وتمكين الشعب الفلسطيني من العودة وتقرير المصير على أساس مبادرة السلام العربية.

لكن العديد من الدول العربية لم يمتثل للحظة الإستجابة والتغيير والإستدراك، فداهمتها التداعيات والتغيرات، فعصفت بأمنها وإستقرارها، وجعلت منها مسرحاً للصراعات الإقليمية والدولية، فكانت الدماء والدمار سيد المشهد، وتراجعت مكانة القضية الفلسطينية لدى الدول العربية، لإنشغالها بقضاياها الوطنية المتفجرة، وبأمنها المفقود أو المهتز، وتدهور عجلة البناء إلى أخره من المشاكل التي باتت تعاني منها الدول العربية على إختلافها، فأدار العدو الصهيوني ظهره لمبادرة السلام العربية المقرة في قمة بيروت 2002م، كما أدار ظهره لكافة الجهود الدولية المبذولة سواء على مستوى الأمم المتحدة، أو المجموعة الرباعية وحتى الجهود الأمريكية نفسها، وواصل سياساته القائمة على إستمرار التوسع والإستيطان، وبالتالي العمل على إضعاف السلطة الوطنية إلى أقصى درجة ممكنة، خصوصاً مع الإنقلاب الذي قادته حركة حماس على السلطة وإحكام قبضتها على قطاع غزة بعد ثلاثة أشهر من إعلان الرياض لعام 2007م، والدخول في ثلاث حروب دامية أنهكت قطاع غزة خاصة والفلسطينيين عامة، ورغم حالة الضعف هذه والإنقسام الذي طبع الحالة الوطنية الفلسطينية خلال العشر سنوات الماضية، إلا أن م.ت.ف والسلطة الوطنية تمكنتا من تحقيق بعض النجاحات الدبلوماسية، على مستوى الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة الفرعية والعامة بإكتساب فلسطين صفة العضو فيها، وفي ظل الدخان المتصاعد من القضايا العربية المتفجرة والمختلفة من العراق إلى سوريا إلى ليبيا إلى اليمن إضافة إلى جمود الوضع على مستوى عملية السلام مع الكيان الصهيوني، وتنامي وتصاعد التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن العربي وفي قضايا دول محددة بعينها، باتت هذه القوى هي الممسكة بملفات هذه القضايا وهي الأكثر تأثيراً من أي دولة عربية فيها، أي أن مصير هذه الدول وشعوبها بات الآخر هو المقرر الأساسي في مستقبلها، وهذا ما تضمنه وأشار إليه تقرير الأمين العام للجامعة العربية أمام قمة عمان / البحر الميت.

لاشك في أن قمة عمان جاءت في أتون هذه الإنهيارات والأحداث التي كان قد حذر منها إعلان الرياض قبل عشر سنوات، ومن هنا بدأت محاولة عربية جديدة للإمساك بخيط النجاة والعمل لإعادة الأمن والإستقرار لهذه الدول وإعادة تموضع للموقف العربي حول ((نظام مصلحة وطنية خاص لكل دولة)) تحقق على أساسه وحدتها وتستعيد أمنها وإستقرارها، وتخوض معركتها سواء ضد الإرهاب، أو الطائفية السياسية، والتنمية ومواجهة التدخلات الإقليمية والدولية، كما وبناء ((نظام مصلحة عربي مشترك يحقق الحد الأدنى من التضامن العربي)) في مواجهة هذه التحديات الجمة التي تواجهها الدول العربية ((الوطنية))، وأخطرها الإرهاب والتقسيم، وإعادة الإعتبار للقضية الفلسطينية على رأس جدول الإهتمام العربي المشترك، وتوحيد الموقف العربي إزاء جهود عملية السلام مع الكيان الصهيوني على أساس ((المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية))، وبذل الجهد الذي يفضي إلى إقرار سلام يؤدي إلى إنهاء الإحتلال للأراضي العربية المحتلة عام 1967م، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين وفق القرار 194 لسنة 1948م، قد يقول البعض أن هذا مجرد أمنيات أو مانشيت أو كلاشيه إعتادت النص عليه قرارات القمم العربية المتعاقبة، دون أن يحدث أثراً، لكننا نقول قد نجحت القمة على الأقل في الثبات على هذا الموقف، حيث كانت الضغوط المتوالية والمختلفة، جارية للهبوط به وبالموقف العربي من عملية السلام إلى أدنى من ذلك بكثير تحت صيغ شتى كان يروج إليها البعض، وخصوصاً العدو الصهيوني، فإن ثبات الموقف العربي عند هذا الموقف وإلتزامه بهذه الرؤيا للسلام والتسوية بات في حد ذاته نجاحاً، وإسقاطاً لكل المشاريع الهادفة إلى دمج إسرائيل بالمنطقة والتطبيع معها دون إنهاء إحتلالها للأراضي العربية، ودون تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة.

في العودة إلى مضامين الإعلانين الرياض/ وعمان، نجد التكامل بينهما ليشكلا أرضية لإستراتيجية عمل عربية، ونظام مصلحة عربية مشتركة يقوم على أساس ((تحقيق المصالح الوطنية للدول العربية))، وخطة خارطة طريق للخروج من حالة الفوضى والخراب والقتل والدمار، وبلورة حد أدنى من التضامن العربي الفعال لمواجهة التحديات الجاثمة على صدر كل عربي.

لقد كانت تحت هذا العنوان أمسيتنا الثقافية في مجلسنا الثقافي في مساء يوم الخميس 30/03/2017م، حيث قدمت مقاربة مفصلة بين الإعلانين، تبعها مناقشة جادة وعميقة لما تضمنه الإعلانين، ورغم حالة التشاؤم التي تسود الجميع، إلا أنه يبقى هناك أمل معقود، في تعافي الجسد العربي، من خلال تمسك الغالبية من الدول الفعالة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، والأردن، والسودان، والدول المغاربية، ودول مجلس التعاون ، بإحداث تضامن عربي فعال لمواجهة التحديات وفي مقدمتها الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية وإستقلالها وإستقرارها وتنميتها ومواجهة كافة أشكال التدخل الخارجية التي تستهدف وحدتها وإستقرارها وأمنها، وسيلتقي رئيس القمة العربية والرئيس المصري وكذلك الرئيس الفلسطيني خلال شهر أبريل الجاري مع رأس الإدارة الأمريكية، وسيكون الجميع منهم مسلحٌ بموقف عربي موحد سواء بشأن عملية السلام مع الكيان الصهيوني أو بشأن مختلف القضايا العربية الأخرى المتفجرة.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس