تستمر الإنتفاضة في ميادين الوطن , ويبرز عنوانها ويعلو إسمها بإرتقاء الشهداء , فالدماء النازفة الزكية برهان على الإشتباك الثوري , والشهادة مسار الحياة في فلسطين , وأرواح الشهداء الصاعدة بمثابة بوصلة الطُهر , تؤشر نحو الحق التاريخي للأجيال التي تتوارث قضيتنا الوطنية , في حركة مستمرة رايتها الإنتماء لهذه الأرض المباركة , فإلى هذه الأرض – فلسطين- ننتمي لا بديل عنها ولا نقصان منها , إليها تسعى الأجيال وتكدح بلا تعب, وتشرق في عيون صغارها لوحة المستقبل الخالي مع الإحتلال والظلم والأسر , وتشدو آمال الأجيال بصوتها الثوري للحرية والإنعتاق من عتمة الإحتلال البغيض .
هذا هو المشهد المقاوم لا يغُيبه القمع الإحتلالي , ولا يفيد معه التضليل الإعلامي , ولا يقوى أمام تضحياته الهذيان السياسي , ولن يوقف عنفوانه جلاوزة التنسيق الأمني, هي نار الثورة وجمر الإنتفاضة , وهي تغلي تحت الرماد الوهمي , الذي سرعان ما يُذر في الهواء , مع هبوب رياح العاصفة القادم من غضب الأجيال , وزفرات المظلومين وآهات المعذبين في فلسطين , يتنادون من كل المدن والقرى والمخيمات , لطوفان الثورة من أجل إستعادة الوطن من بين أنياب المحتل الغازي.
هذا واقعنا في فلسطين , يتواصل الإشتباك , تستمر المواجهة , ليرتقي الشهداء الأبرار , وكمثال على تلك الجواهر الثمينة والنماذج العظيمة المضحية من شهداء انتفاضة القدس, الشهيد المعلم والمقاوم المثقف باسل الأعرج , الذي إرتقى بتاريخ 6/3/2017 ميلادية , وقد سطر أقواله ومقالاته بمداد من دمائه , التي سالت لتتسلل مع خيوط الفجر الأولى لكل بيوتنا الفلسطينية , وتمتلك قلوب الأحرار العاشقين للدرب المقاوم , فلا غرابة فهي الشهادة , زاد الحياة وغذاء للأرواح الثائرة , حيث صنعت ملحمة باسل الشهيد , إلتفافاً كبيراً حول خيار الشهداء والمقاومة , رغماً عن الأنوف المزكومة بالعمالة , والعقول المؤبوة بوهم التسوية ومشاريعها الهزيلة, التي قزمت جغرافية فلسطين في أجندة فريقها إلى 22% , ويصرح بعضهم بلا خجل بأنه سيقيم الدولة على 1% من أرض فلسطين , في تلاعب ومقامرة تستهدف جوهر القضية وحقوق الأجيال الفلسطينية , فهل نسمح لأي جهة أو مؤسسة أو حزب أو دولة أن تشطب أو تتنازل عن حقوقنا لصالح الأغيار ؟.أي جنون هذا الذي يسير عليه البعض ويطلقون عليه مصطلح برنامج سياسي ! .
الصورة من فلسطين تخبرنا بأن المجزرة الصهيونية مستمرة بحق الإنسان والوطن , يتم قتل الفلسطيني بدم بارد , كما حدث مع أزهارنا الدامية خلال الشهر المنصرم, والذين إعدموا برصاص وقذائف الإحتلال, ومنهم الشهيد مراد يوسف أبو غازي من الخليل , والشهيد يوسف أبو عاذرة من مدينة رفح, الشهيد محمد محمود حطاب من رام الله , الشهيدة سهام راتب النمر من مخيم شعفاط بالقدس , الشهيد الأسير المحرر مازن فقها من طوباس والذي إغتيل في غزة بطريقة موسادية ،بأربعة رصاصات نحو رأسه بسلاح كاتم للصوت , وخلال مشهد عدواني آخر تقتلع جرافات الإحتلال الأشجار وتهدم البيوت , وكما تصادر الأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة لتزرع عليها مستوطنات الموت والكراهية , وأمام هذه الجرائم الإحتلالية هل يصمت الشعب ؟ هل يهدأ الشباب ؟ هل تطفئ نار الغضب ؟ .
ويتحرك الأبطال لرد العدوان , ورفع الضيم والظلم , ويتصدر الشاب بلا تردد مهمة الدفاع عن الأرض والمسرى والهوية الفلسطينية , فهذا الشهيد سعد محمد علي قيسية من الخليل، ينفذ بتاريخ 1/3/207 ميلادية , عملية طعن بالقرب من الظاهرية ضد جنود الإحتلال , وكذلك الشهيد إبراهيم محمود مطر من القدس المحتلة , ينفذ بتاريخ 13/3/2017 ميلادية ,عملية طعن قرب باب العامود في القدس المحتلة , والشهيد أحمد زاهر غزال من نابلس , والذي صلى في المسجد الأقصى وطاف في باحاته مودعا , تم خرج بتاريخ 1-4-2017ميلادية , لينفذ عملية طعن ضد المستوطنين على بوابات الأقصى المبارك , هؤلاء الأبطال ما خرجوا ترفا ولا تهاونا بالحياة , بل إيماناً بأن فعلهم المقاومة وشهادتهم المباركة , قياما بالواجب الديني والوطني في ضرب المحتل وإيلامه على جرائمه .
لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة هذا نداء فلسطين , في الميادين والطرقات في المدن والمخيمات , هذا حديث الشباب والرجال والنساء والكهول , ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بها , وتسقط الحقوق اذا ما هي خضعت للتفاوض والمساومة , فحسب إحصائيات موقع الإنتفاضة الفلسطيني لحصاد إنتفاضة القدس خلال شهر مارس آذار 2017 ميلادية , فإن أكثر من 24 عملية فدائية توزعت ما بين 7 عمليات إطلاق نار، و3 عمليات طعن، بالإضافة لعملية دهس واحدة، وأكثر من 69 عملية إلقاء زجاجات حارقة وأكواع متفجرة، في أكثر 292 نقطة مواجهة مع الاحتلال الصهيوني , بعد عام ونصف على إندلاع إنتفاضة القدس, تتواصل المواجهة وتستمر حالة الإشتباك , ويتبنى الشباب الفلسطيني إنتفاضته الباسلة, ويحرص على ديمومتها رغم قلة الإمكانيات والنصير, ويغديها من وقت إلى آخر بنماذج مشرقة من تضحية الرجال وبطولاتهم المباركة .
وأمام هذا الزخم الثوري , ألا يخجل من لا زال لا يعترف بتلك الإنتفاضة! , وكم هو صغير من لا يقدر حجم التضحيات التي يبذلها شباب فلسطين ! , في مواجهة الهجمة الإرهابية الصهيونية التي يتعرض لها شعبنا , فلا دواء غير الكي , ولا علاج غير المقاومة , فمال بال أقوام تخالف ما إعتادت عليها الشعوب الحرة , وتجاهر بالرفض لما تمليه علينا الفطرة السوية والعقيدة النقية التي تقودنا لقتال ومقاومة المحتل , ولا يمكن أن نغفل الحقيقية التي يجب ترسيخها في وجدان كل حر وشريف , بأن الإحتلال لا يقابل إلا بالسلاح , وأن التسليم للإحتلال بمثابة قرار بإعدام الوطن , ما هو ثابت أن شعبنا آمن بأن المقاومة حياة , وهيهات أن يتخلى أو يتنازل عن تلك الحياة .
بقلم/ جبريل عوده