مبادرة حكومية

بقلم: أسامه الفرا

نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية على صدر صفحتها الأولى اعلاناً لحكومة أبو ظبي بمناسبة مرور خمسين عام على تأسيسها جاء بصيغة السؤال كيف تتخيل "أبو ظبي"؟، ناشدت فيه المواطنين المشاركة في وضع تصور لمستقبل المدينة، ولم يقتصر الأمر على المواطنين بل فتحت الباب كذلك أمام المقيمين وعابري السبيل لأن يطلقوا خيالهم في استشراف مستقبل المدينة، وخصصت الحكومة صفحة على الانترنت لإستقبال الأفكار المتعلقة بذلك، مبادرة حكومة "أبو ظبي" لا تتعلق فقط بالنظرة المستقبلة لوجه المدينة المعماري وبنيتها التحتية بل أيضاً ما له علاقة بالخدمات التي تقدمها الحكومة لمواطنيها، ما يلفت الانتباه في إعلان الحكومة أنها تبحث من وراء ذلك عن أكبر قدر ممكن من المشاركة المجتمعية في تحديد الصورة المستقبلية للمدينة، ومن ناحية أخرى تفتح المجال للخيال كي يرسم معالم المستقبل، وخصصت الحكومة خمسين يوماً لإستقبال المقترحات التي سيتم معالجتها من قبل لجان مختصة لتحديد جدوى ترجمتها على أرض الواقع.
لعل "أبو ظبي" أرادت بذلك أن تجاري شقيقتها "دبي" حيث قفزت الأخيرة بسرعة فائقة إلى مصاف المدن المتطورة على مستوى العالم، سواء كان ذلك عبر التطور المعماري لأحياء في المدينة تفوقت من خلاله على حي مانهاتن الشهير في نيويورك، أو من خلال تطوير خدماتها لمواطنيها والمقيمين والزائرين على حد سواء، الملفت للانتباه أن إمارة دبي التي لا تتجاوزمساحتها 5% من مساحة دولة الإمارات تقدمت بمسافات طويلة عن باقي مدن الدولة، وأن دخلها الاقتصادي يعتمد على التجارة والسياحة والخدمات المالية فيما إيراداتها من النفط والغاز لا تتجاوز 6% على خلاف الدول الخليجية التي تعتمد في إيراداتها على النفط فقط، والملفت ايضاً أن الإمارة التي يتجاوز تعداد سكانها مليوني نسمة يشكل الإماراتيون أقل من 10% من سكان المدينة.
قد يرى البعض بأن دخل إمارة أبو ظبي المرتفع هو الذي مكن حكومتها من إطلاق مبادرتها تلك، سيما وأن لديها من الأموال ما يمكنها من ترجمة الأفكار إلى مشاريع مهما شطحت تلك الأفكار بخيالها، وهذا ما لا يمكن انكاره أو التقليل من شأنه، لكن بالمقابل ألم يكن بإستطاعة الحكومة أن تضع خططها بمعزل عن مواطنيها وتشرع في تنفيذها دون أن يكون للمواطن رأي فيها؟، أسوة بما تفعله حكومات العالم الثالث التي تعتقد أنها ترى ما لا يراه المواطن وأنها الأقدر على تحديد متطلباته واحتياجاته، في المؤتمرات التي تعقدها دول العالم المتحضر يكثر الحديث حول ضرورة توسيع المشاركة المجتمعية كأحد المدخلات المحورية لإحداث التطور المنشود، والواضح أن إمارة أبو ظبي بمبادرتها تلك أرادت أن تفتح الأبواب على مصاريعها للمشاركة المجتمعية دون أن تقفل أي منها حتى في وجه القادمين إليها.
البديهي أنه لا يمكن لنا استحضار تجربة "أبو ظبي" بذات الصيغة كون عجلة المشاريع لدينا تكاد تعتمد على ما تمن به الدول المانحة علينا، بل أن ثقافة الكوبونة باتت تتحكم في الكثير من شؤون حياتنا في ظل الفقر المدقع وارتفاع نسبة البطالة، لكن بالمقابل لماذا لا نفسح المجال لمواطنينا لتقديم مقترحاتهم في معالجة جملة الأزمات التي نعاني منها؟، سيما مع العجز البين في لحلحة العديد من المشاكل التي تطبق علينا، ما الذي يمنعنا من مشاركة مجتمعية واسعة في تحديد أولوياتنا؟، عادة عندما تواجه القيادة أزمة ما تتطلب اجماعاً وطنياً في التعاطي معها تعود القيادة إلى الشعب إما بالدعوة إلى إنتخابات مبكرة أو أن تلجأ إلى إستفتاء شعبي، رغم جملة الأزمات المزمنة التي نعاني منها إلا أن الجميع لدينا متمسك بشرعيته المنتهية الصلاحية ويغلق بها أبواب العودة إلى الشعب أو حتى الاستماع له واحتياجاته.
 د. أسامه الفرا