انتهى شهر اذار شهر الإحتفالات والمناسبات السعيدة،شهر يوم المرأة العالمي،وعيد الأم وذكرى معركة الكرامة،وكذلك ذكرى استشهاد القائد الفلسطيني وديع حداد والشهيد الجبهاوي،والآن نحن في شهر نيسان،شهر الحزن والألم الفلسطيني ورحيل القادة والمناضلين،ففي هذا الشهر تتكثف المناسبات المحزنة والمؤلمة،ففي التاسع منه ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة بحق اهالي قرية دير ياسين
الفلسطينية،حيث قتلت سكانها شيبة وشباباً وشيوخاً ونساءاً وأطفالاً بدم
بارد،وعملية القتل تلك لم تكن فقط بدافع القتل على خلفية العنصرية
والكره والحقد على الشعب الفلسطيني،بل تلك العملية كانت بهدف ترويع شعبنا الفلسطيني،وحملة على الهجرة ومغادرة الوطن،عملية قتل كان لها هدف لتحقيق مشروع سياسي،مشروع يستهدف طرد وتشريد وإقتلاع شعبنا الفلسطيني من أرضه،وبالفعل نجح المشروع الصهيوني في طرد وإقتلاع وتهجير جزء كبير من أبناء شعبنا الفلسطيني،والذي أصبح بفعل النكبة خارج حدود الوطن في مخيمات اللجوء في دول الطوق العربي وفي الشتات،ولكن رغم النكبة وما عنته من اقتلاع وطرد وتهجير لشعبنا،إلا أن هناك من بقي وصمد من شعبنا مؤكداً للحركة الصهيونية،بأن هذا الشعب مثل طائر الفينيق يخرج من تحت الرماد،وأن
نظريات قادته عن شعبنا بأن كباره يموتون وصغاره ينسون لن تتحقق وهذا الشعب مهما تعرض للعسف والظلم والطغيان والقمع،سيبقى مسكونأ بحق العودة للوطن ولا بديل غير الوطن،فهذا حق فردي وجمعي وتاريخي وقانوني لا يسقط بالتقادم ولا بالمبادرات ولا ب"الجهبذة".
أيضا في هذا الشهر استشهد القائد خليل الوزير"أبو جهاد" أحد أبرز قادة الثورة الفلسطينية،وأحد الأركان الأساسية لحركة فتح،حيث اغتاله جهاز الموساد الصهيوني في تونس،وعملية الاغتيال تلك لم تكن في إطار وسياق تصفية قيادات الثورة الفلسطينية المناضلة وذات الفعل والتأثير
في الساحة الفلسطينية،بل لكون أبو جهاد هو من وقف على رأس قيادة
الانتفاضة الفلسطينية الأولى-انتفاضة الحجر- في كانون أول /1987،وهو الشخصية الفلسطينية التي لها علاقة مباشرة بالقيادات الميدانية لحركة فتح،والقادر على أن يكون موحداً للساحة الفلسطينية بأحزابها وفصائلها،حيث لعب دوراً بارزاً في عودة الوحدة واللحمة لمنظمة التحرير الفلسطينية،بعد ما اختلفت فصائلها عقب دورة المجلس الوطني الفلسطيني غير الشرعية في عمان،ولكون أبو جهاد أيضاً المسؤول العسكري المباشر لساحة الداخل،فإنه جرى استهدافه،حيث كانت تتضح في الأفق معالم مشروع سياسي،مشروع يراد له أن يسير بدون حلقات اعتراضات جدية ومركزية فلسطينية عليه،حيث كان اتفاق اوسلو وما جره على الشعب الفلسطيني من مصائب وويلات التقسيم الجغرافي
والاجتماعي والسياسي،ولتكن تداعيات اوسلو ومخاطره علينا كشعب فلسطيني موازية لتداعيات ومخاطر النكبة،إن لم يكن اكثر قليلاً،وبكلمات ثعلب السياسة الاسرائيلية المغدور "شمعون بيرس" واحد مهندسي اتفاق اوسلو ،أوسلو الانتصار الثاني لدولة اسرائيل بعد النكبة.
وفي هذا يهل علينا يوم الأسير الفلسطيني،حيث يقبع في سجون الإحتلال أكثر من سبعة الآف أسير فلسطيني،في ظروف مأساوية وحالة كبيرة من القمع والتنكيل والسطو والتعدي على المنجزات والحقوق للأسرى التي عمد تحقيقها بالشهداء والتضحيات،والأسرى يستعدون لخوض اضراب مفتوح عن الطعام في السابع عشر من هذا الشر،دفاعاً عن حقوقهم ومنجزاتهم ومكتسباتهم ورفضاً لما يتعرضون له من ذل ومهانة وعزل وبطش وتنكيل،والعديد من أسرى شعبنا مضى على وجودهم في معتقلات العدو اكثر من ربع قرن،وفي المقدمة منهم عميد الأسرى القائد المناضل كريم يونس الذي دخل عامه الإعتقالي الخامس والثلاثين.
أسرانا نحن نقف معهم والى جانبهم،وندعوهم ونطالبهم،بأن يرصوا ويوحدوا الصفوف ويعيدوا للحركة الأسيرة لحمتها ووحدتها،فبالوحدة تنتصر الحركة الأسيرة ولا بديل عن الوحدة فالكل مستهدف.
وفي هذا الشهر أيضاً جرت تصفية القائد الجبهاوي ابراهيم الراعي في سجون الاحتلال وزنازينه من قبل أجهزة المخابرات الصهيونية،بعد رحلة تحقيق قاسية معه استمرت قرابة عام.
هذا المناضل الاسطورة الذي رفض ان يبوح بأي سر من أسرار حزبه ورفاقه في أقبية التحقيق،وليوجه لطمة قوية لجهاز الشاباك" الصهيوني،وليرسي مع رفاق حزبه في الجبهة الشعبية مدرسة الصمود
في أقبية التحقيق،وليصبح بعد ذلك الرمز والعنوان الذي يتغنى به الشعب
الفلسطيني في الصمود والتضحية،والإحتلال أقدم على اغتيال هذا
الرفيق،لكونه يدرك جيداً أن استمرار بقاءه ووجوده أسيراً أو حراً طليقاً،
سيبقى يشكل خطراً على دولة الإحتلال،وسيصبح الرمز والنموذج لكل من يعتقل من أبناء شعبنا الفلسطيني،ولكن لم يدرك ويتعلم أنه بإستشهاد الرفيق الراعي في أقبية التحقيق غدا رمزاً وعنواناً ليس لمناضلينا،بل لكل أبناء شعبنا الفلسطيني،وكذلك تجذرت مدرسة الصمود في التحقيق التي كان للجبهة الشعبية دوراً بارزاً في ولادتها .
وفي شهر نيسان أيضاً اغتالت وحده مختارة من جهاز الموساد الصهيوني وقف على رأسها يهود براك القادة الفلسطينيين الثلاثة أبو يوسف النجار وكمال ناصر وكمال العدوان،وعملية الاغتيال تلك تأتي في إطار الحساب المفتوح مع قادة المقاومة الذين لعبوا دوراً بارزاً في عملية ميونخ الشهيرة والتي كانت اسرائيل تعتبر بالتحديد ابو يوسف النجار احد قادتها،وترى في كمال ناصر والعدوان من قادة الفكر والرأي والموقف في الساحة الفلسطينية،وهي ترى في الكلمة المقاتلة خطر عليها كما هي البندقية المقاتلة،وقبلهم اغتالت الشهيد المناضل الأديب،الكاتب،السياسي غسان كنفاني،فهي ترى بمثل هؤلاء القادة والرموز العظام خطراً على دولتها وجودها وامنها.
نعم يا شهر نيسان،شهر الربيع،شهر الورود والأزهار،أنت شهر احزانك كبيرة وثقيلة علينا نحن الفلسطينيون،فمتى سيغادر شعبنا احزانه..؟؟،وتعود البسمة لأطفاله،ويعود الغياب الى أوطانهم من المنافى،والأسرى الى احضان عائلاتهم من عتمة وظلمة سجون وزنازين المحتل،ومتى سيقيم شعبنا احتفالاته في الميادين والساحات العامة..؟؟،احتفالات بالحرية والعودة والإستقلال،تمسح سنين طويلة من الألم والأحزان.
بقلم/ راسم عبيدات