توافرت في الفترة الأخيرة مجموعة من الآراء والمقترحات الإسرائيلية، طرحها أصحابها بدائل من "حل الدولتين"، بعد أن توافرت الكثير من المؤشرات على تقويضه كحل ممكن، بخاصة مع مجيء إدارة أميركية جديدة تتساوق بالكامل تقريباً مع مواقف اليمين الاستيطاني المتطرف الإسرائيلي. ومن خلال التدقيق في ما تنشره الصحافة الإسرائيلية يمكن الخروج بمحصلة شبه وافية عن أبرز تلك الآراء والمقترحات البديلة، كما عرض بعضها كاتب إسرائيلي (أريك بندر) في صحيفة "معاريف" (20/2/2017).
أحد النماذج لخطة تحظى هذه الأيام بانبعاث متجدد، هي "خطة الفيديرالية" لرئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ. ففي منتصف شهر شباط (فبراير الماضي)، التقى بورغ في رام الله أبو مازن مع مسؤولين كبار في القيادة الفلسطينية، وعرض عليهم مرة أخرى الفكرة التي يحاول العمل عليها منذ 2007 كبديل واقعي، على حد قوله "في هذه الأيام بالذات جدير فحصها بجدية كبيرة".
يسعى بورغ في خطته لأن يرى دولة يحظى كل مواطنيها بمساواة حقوق تامة، ودولتين يمكن فيهما للقوميتين المختلفتين تحقيق حق المصير. ولكن بخلاف مؤيدي الفصل من اليمين ومن اليسار، يسعى بورغ لأن يرى كونفيديرالية بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين المستقلة، وهكذا فان رؤية "نحن هنا وهم هناك" لن تخلد النزاع، وبدلاً منها ينمو تعاون حقيقي بين الشعبين.
نقطة منطلق بورغ، هي إقامة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل، في إطار معاهدة سلام نهائية. وهو يتحدث عن دولة فلسطين في حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية، كدولة حرة، مستقلة وسيادية، الدولة القومية للأمة الفلسطينية. ويشدد بورغ على أنه طالما لم تتحقق هذه الفكرة الأساس في ظل حل كل المشاكل المرافقة، لا معنى لكل ما يتبقى.
ويرى عمانويل شاحف، رجل الموساد سابقاً، واضع فكرة حركة الفيديرالية، التي تسعى إلى "تقسيم بلاد إسرائيل من النهر وحتى البحر إلى فيديرالية من 30 كانتوناً". أن هذه الفكرة "تمنح إسرائيل، للمرة الأولى، الشرعية للحل السليم للنزاع مع الفلسطينيين: إحلال القانون الإسرائيلي على كل بلاد إسرائيل، بما فيها يهودا والسامرة وباستثناء غزة، منح حقوق مواطنة لسكان يهودا والسامرة العرب، وجعل إسرائيل ديموقراطية فيدبرالية تقدمية".
المفتاح لهذا الحل هو منح حكم إقليمي ذاتي لكل إقليم في البلاد في إسرائيل، وجعلها فيديرالية كما في الولايات المتحدة، سويسرا، بلجيكا ودول أخرى من المتقدمة في العالم. دولة فيها اليهود والعرب يمكنهم أن يديروا شؤونهم بأنفسهم ويحققوا هويتهم الثقافية تحت المظلة الأمنية للجيش الإسرائيلي والمظلة الاقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي الحديث والمتطور. وتدعو الحركة إلى إبقاء المستوطنات في يهودا والسامرة على حالها وإبقاء الجيش الإسرائيلي قوة عسكرية وحيدة بين البحر والنهر، من دون قطاع غزة".
دولتان... وطن واحد
"دولتان، وطن واحد"، هي مبادرة من إسرائيليين وفلسطينيين، يقترحون إقامة كونفيديرالية من دولة إسرائيل ودولة فلسطينية على أساس حدود 1967، حرية حركة ومؤسسات مشتركة. المستوطنات تبقى بسيادة فلسطينية، والمستوطنون يمكنهم الاحتفاظ بمواطنتهم الإسرائيلية، وعدد مشابه من مواطني فلسطين يمكنهم أن يسكنوا في إسرائيل بمكانة مقيم.
ولدت المبادرة قبل نحو خمس سنوات من سلسلة لقاءات عقدها الصحافي الإسرائيلي ميرون رببورت والناشط الفلسطيني عوني المشني، من مواليد مخيم الدهيشة للاجئين في بيت لحم والكاتب في الصحف الفلسطينية.
وبحسب الخطة، تتقرر الحدود بين الدولتين وفق خطوط 4 حزيران 1967، في ظل الإنهاء التام لوضع الاحتلال. وتكون الدولتان ديموقراطيتين، ويكون نظامهما قائماً على مبدأ سلطة القانون والاعتراف الكوني بحقوق الإنسان.
تمنح الدولتان الحق بتقرير شكل الهجرة إلى نطاقهما وقوانين المواطنة فيهما. بالتالي، تكون فلسطين حرة في أن تمنح المواطنة للاجئين الفلسطينيين، ودولة إسرائيل تكون حرة في منح المواطنة ليهود الشتات، كما تشاءان. وتكون الدولتان ملتزمتين رؤية البلاد المفتوحة، ويكون لمواطني الدولتين الحق في الحركة والسكن في كل أرجاء البلاد.
"توجد طريق قابلة للتطبيق للحل، تؤدي إلى الهدوء والسلام الإقليمي، وهي دولة واحدة بين البحر والنهر"، يقول النائب السابق موشيه فايغلين. ففي خطته السياسية وحركته، ثلاثة بنود مركزية: بسط السيادة الكاملة على كل أراضي يهودا والسامرة ومنح مكانة مقيم، وفيها حقوق إنسان كاملة لكل سكان يهودا والسامرة؛ خطة تشجيع هجرة تساعد اقتصادياً سكان يهودا والسامرة العرب المعنيين بالهجرة إلى دولة أخرى وفتح مسار تلقي الجنسية لمن يربط مصيره بدولة إسرائيل ويثبت ولاءه لها.
وأخيراً اقترح النائب يوآف كيش من الليكود خطة تقوم على أساس خطة الحكم الذاتي لرئيس الوزراء السابق مناحيم بيغن، التي وضعها في 1977. وتتناول الخطة مناطق يهودا، السامرة والقدس، ولا تتضمن قطاع غزة.
وترفض خطة الحكم الذاتي إقامة دولة فلسطينية، وتسعى إلى إلغاء اتفاقات أوسلو، وفيها مراحل عدة أيضاً. في المرحلة الأولى- إحلال السيادة الإسرائيلية على مناطق يهودا والسامرة باستثناء مناطق الحكم الذاتي التي تعطى للفلسطينيين، وإلغاء اتفاقات أوسلو. ومع حل السلطة الفلسطينية تلغى الإدارة العسكرية في يهودا والسامرة أيضاً.
في المرحلة الثانية يقوم الحكم الذاتي، ويعاد تأهيل مخيمات اللاجئين وتسعى إسرائيل إلى سلام اقتصادي وتسوية مسألة القدس. كل عربي يسكن في يهودا والسامرة، ولكن خارج نطاق الحكم الذاتي، يمكنه أن يختار الإقامة في إسرائيل، أو الإقامة في مناطق الحكم الذاتي.
نشر رئيس المعارضة الإسرائيلية، زعيم "المعسكر الصهيوني" يتسحاق هيرتسوغ، في صحيفة "هآرتس" الخميس 23/2/2017، ما أسماها "خطة سلام جديدة" على أساس حل الدولتين مع احتفاظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية الكبرى المقامة على أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية. وتشمل هذه الخطة بدء مفاوضات مباشرة بين الطرفين، بعد فترة أقصاها 10 سنوات "تكون خلالها الضفة الغربية خالية من التحريض الفلسطيني، مع تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية، فيما الفلسطينيون يحصلون تدريجياً على صلاحيات مدنية".
ويواصل الجيش الإسرائيلي خلال هذه الفترة "نشاطاته الأمنية" في الضفة الغربية، والمتمثلة بتنفيذ الاقتحامات للمناطق الفلسطينية لاستهداف واعتقال من تصفهم إسرائيل بالمطلوبين من الفلسطينيين، في حين يتم تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة فقط. وتؤكد هذه الخطة أن المعارضة الإسرائيلية لا تحمل رؤية جدية مختلفة عن اليمين الحاكم في إسرائيل، بل هي متناغمة معه في التركيز على المفاوضات المُباشرة الطويلة الأمد، من أجل تكريس الوضع الراهن وتعزيز مبدأ "الدولة الفلسطينية الناقصة" التي يُنادي بها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو نفسه.
وإذ يلاحظ اليوم أن احتدام الصراع حول التسوية داخل إسرائيل، هو بين قوى اليمين واليمين الاستيطاني المتطرف، فإن خطط وخرائط الحلول على تعددها، تؤكد كونها اليوم جزءاً من مسارات خلافية، إلا أنها في مجموعها لا تتجاوز الموقف الرسمي الإسرائيلي، كما سبق أن حدده بيغن وشامير ورابين وباراك وأولمرت وأخيراً نتانياهو وحكوماته المتعاقبة، والذي يجري تحديده دائماً بسقف أعلى هو الحكم الذاتي؛ وعدم التخلي عن أي مساحة من الأرض، في ظل استمرار السيطرة الأمنية على كامل أرض فلسطين التاريخية. وكذلك فإن منظور "الدولة الواحدة" لم يكن موحداً، فيما هو يختلف بحسب المنادين به: تحت الاحتلال أو بالانفصال عنه أو بالارتباط به، وفي وقت ارتفعت أخيراً لافتات تدعو إلى "الدولة الواحدة" في الداخل، نفت "الحركة الشعبية لأجل فلسطين دولة علمانية ديموقراطية واحدة" علاقتها في شكل قطعي بتلك اللافتات التي علقت في كفرعقب، والداعية إلى خيار الدولة الواحدة.
أخيراً لا بد من الإشارة، بل التأكيد، أن هناك بالإضافة إلى ما عرضناه هنا، العديد من صيغ الخطط والمخططات، جميعها تؤكد مركزية "الحل الصهيوني"، وهامشية الحلول الفلسطينية والعربية.
ماجد الشّيخ
* كاتب فلسطيني