الوعد الإلهي للشعب المختار "ما له وما عليه"

بقلم: غازي السعدي

ترفض إسرائيل الاتهامات الموجهة لها بأنها دولة احتلال، وان المستوطنين هم مجرمو حرب، هذه الاتهامات للحكومة الإسرائيلية من العرب، ومن غير العرب، تغضب حكومة الاحتلال، فتعريف "الاحتلال" حسب القانون الدولي: "الاستيلاء على منطقة بقوة السلاح على أيدي الجيش، وخضوع هذه المنطقة للحكم العسكري"، وتعريفات أخرى يشملها القانون الدولي، في المقابل فهناك أصوات تخرج من أفواه بعض قادة اليمين الإسرائيلي، بأن إسرائيل غير محتلة للأراضي الفلسطينية، وأن هذه الأراضي لها، وان إسرائيل تبني بأرضها، ويقولون: هل من الممكن احتلال أرضنا؟ حتى أن وزيرة العدل ايليت شكيد- ولا وجود لعدل في إسرائيل- وفي مقابلة تلفزيونية قالت: إسرائيل لم تعترف أبداً أنها دولة محتلة، ولا يمكن لها احتلال اراض لها في "يهودا والسامرة"، اي الضفة الغربية، فهذه الادعاءات هراء، حتى أن الكاتب "ميخائيل" هزأ من هذه الادعاءات، فكتب في جريدة "هآرتس 9-3-2017"، بأن المحاكم مملوءة بأشخاص لم يسبق لهم أن اعترفوا بأنهم مجرمون، والقضاء لم يبرئهم بل أدانهم، وأن إسرائيل رغم كل الادعاءات والمغالطات تبقى دولة محتلة للأراضي الفلسطينية، وأن جميع المستوطنين في الأراضي المحتلة، والوزراء ونواب الكنيست وجنرالات الجيش وقضاة المحاكم الإسرائيلية، حتى المدير العام لقوات الشرطة الإسرائيلية- والذي يسكن في الضفة الغربية- يعتبرون مجرمي حرب حسب القانون الدولي، هذا ما كتبه الكاتب المذكور في جريدة هآرتس.

وكتب ميخائيل في "هآرتس 10-3-2017"، أنه لا يؤمن بالكتاب المقدس- أي كتاب "التوراة"- غير أن الوزير "نفتالي بينت" رئيس حزب البيت اليهودي، والذي يقود التطرف ويزايد بالأصولية الدينية اليهودية، ادعى في مقابلة مع فضائية الجزيرة باللغة الإنجليزية، أن المليارات من المسلمين والمسيحيين يؤمنون بكتاب "التوراة"، لكن "التوراة" المحرفة كتبت على أيدي عدد من الأشخاص، وليست التوراة ذاتها التي أُنزلت على سيدنا موسى، فقد استغرقت كتابتها سنوات طويلة، اختلف كتابها على بعض نصوصها، ولذلك يطلق عليها بـ "التوراة" المحرفة، مما ينفي أقوال الوزير "بينت" بأن مليارات المسلمين والمسيحيين يؤمنون بـ "التوراة" المحرفة.

إنهم يزعمون أن الله قد وعد سيدنا "إبراهيم" وذريته في الأرض الموعودة، أي أرض فلسطين، لكن لهذه الرؤيا بقية إن صدقت، فقد جاء في "القرآن الكريم" أن هناك قبائل وشعوب أخرى قبل بني إسرائيل، وبني إسرائيل كما يعرّفون ليسوا هم يهود اليوم، فإن الله عز وجل وضع شعوبا أخرى في هذه البلاد المقدسة قبلهم "1" وَعِنْدَمَا سَمِعَ جَمِيعُ مُلُوكِ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ غَرْبًا، وَجَمِيعُ مُلُوكِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ عَلَى الْبَحْرِ، أَنَّ الرَّبَّ قَدْ يَبَّسَ مِيَاهَ الأُرْدُنِّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى عَبَرْنَا، ذَابَتْ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِمْ رُوحٌ بَعْدُ مِنْ جَرَّاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. "الإصحاح الخامس "1" وَلَمَّا سَمِعَ جَمِيعُ الْمُلُوكِ الَّذِينَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ فِي الْجَبَلِ وَفِي السَّهْلِ وَفِي كُلِّ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْكَبِيرِ إِلَى جِهَةِ لُبْنَانَ، الْحِثّيُونَ وَالأَمُورِيُّونَ وَالْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ وَالْحِوِّيُّونَ وَالْيَبُوسِيُّونَ، "2" اجْتَمَعُوا مَعًا لِمُحَارَبَةِ يَشُوعَ وَإِسْرَائِيلَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ. "الإصحاح التاسع"، وعندما أخذ شعبه المختار من مصر إلى بلاد كنعان "الموعودة"، في الوقت الذي كان يطلب فيه سيدنا "موسى" عدم إبادة المخالفين له، فقد منعهم من أن يرثوا شعوب البلاد، الذين جاؤوا قبلهم حسب الرواية التوراتية التي يتمسك بها الوزير "بينت" وزمرته، وجاء فيها بأن الله لا يسمح لشعبه المختار، بأن يبيدها، لمعاقبة كل من انحرف من أبناء إسرائيل عن الطريق الصحيح، أو قاموا بتشويه الحكم، أو اعتدوا على اليتيم والأرامل، ففي خطاب الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"- الذي زار ألمانيا في نهاية شهر آذار الماضي، أمام أكاديمية "كونراد أديناوَرْ" في برلين -قال: "إن الشعب الفلسطيني هو امتداد للشعب الكنعاني، وللحضارة الكنعانية قبل أربع آلاف سنة، وأن الشعب الفلسطيني كان قائماً هناك قبل أربعة آلاف سنة، قبل أن يقوم "يشوع بن نون" باحتلال فلسطين، وكأن "أبو مازن" أراد الرد على المزاعم الإسرائيلية، أي أن الفلسطينيين كانوا في فلسطين قبل اليهود.

الوزير نفتالي بينت يبدو أنه غير واثق من مزاعمه، فهو يكرر مقولته بأن الشعب اليهودي لا يمكن أن يكون محتلاً في بلاده، ويتغنون بالوعد الإلهي لشعب إسرائيل، ويبدو بأن هذا الوزير لم يقرأ الرواية التوراتية بالكامل، بل اختار مقاطع من التوراة تتناسب مع أهدافه وتوجهاته، فقد اكتشف أنه حسب الخطة الإلهية، كما وردت في الرواية التوراتية، فإن الله يريد شعبه المختار، أن يبقى تحت الاحتلال إلى الأبد، ففي كتاب "التوراة"، جاء أن أبناء إسرائيل، احتلوا البلاد "فلسطين" أي على عكس الادعاء أن البلاد غير محتلة".

يقول الكاتب الإسرائيلي "ميخائيل هندلزليش" في جريدة "هآرتس 10-3-2017"، خلافاً لادعاء الوزير "بينت"، ونائبة وزير الخارجية "تسيبي حوطوبيلي"، وزمرة المتطرفين والمزاودين، أن وعد الله لشعبه المختار، مشروط بالسلوك اليومي، والسلوك الشخصي تجاه الآخر، وتجاه الخالق، وعندما ينحرف الشعب المختار عمن اختاره، لا يتردد في جعل الشعوب الموجودة في هذه البلاد، أن تقوم عليهم، وكذلك الإنجيل يردّ على اليهود ادعاء القرب من إبراهيم والسير على نهجه. فنجد عيسى عندما قال له اليهود: "أبونا هو إبراهيم. قال لهم يسوع: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم. ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعته من الله. هذا لم يعمله إبراهيم… أنتم من أب هو إبليس"[5].والقرآن الكريم يرد على اليهود: فقد قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [3]. واضح من هذا أن اليهود شر لكل الأرض وليسوا بركة. وفي سفر أرميا العبري يقول الرب: "لأن شعبي أحمق. إياي لم يعرفوا هم بنون جاهلون وهم غير فاهمين. هم حكماء في عمل الشر ولعمل الصالح ما يفهمون"[4]. فلو أن الوزير "بينت"، كان قد قرأ الرواية التوراتية، ولا يقوم باقتباس أجزاء منها فقط، لكان اكتشف أنه حسب الخطة الإلهية كما وردت في الرواية التوراتية، فإن الله يريد من شعبه المختار، أن يبقى محتلاً إلى الأبد، وأن لا يختار "بينت" مقاطع منها تتناسب معه فقط، فإن ما يقوم به المتطرفون في إسرائيل هو تخليد للاحتلال، وإبقاء الصراع مفتوحاً إلى ما لا نهاية، وباختصار، يتبين من كتب "التوراة"، أن "يهوشع بن نون"، و"الملك داوود"، لم يجدوا صعوبة في التعاطي مع احتلال البلاد، فعلى الوزير "بينت" الاعتراف بأن الأراضي الفلسطينية محتلة، وليست كما يدعي بعدم وجود احتلال للأراضي وبأنهم يبنون المستوطنات في أراضيهم.

وفي هذا السياق، فإن مروحية اطلقت في أجواء البلاد، تحمل يافطة كبيرة كتب عليها: إذا كان الصهيوني عنصري فنحن فخورون بأن نكون عنصريين، بمعنى آخر: أن تكون صهيونياً عليك أن تكون عنصرياً، فهؤلاء العنصريون الذين يفتخرون بصهيونيتهم وعنصريتهم، يجسدون كراهيتهم للعرب، ولليساريين اليهود، باعتبارهم أن العرب أعداؤهم، وان اليساريين يتعاملون مع أعدائهم، "يديعوت احرونوت 8-3-2017"، والخلاصة أنه ما اقتبسناه من التوراة، ومن مواقف المتطرفين اليهود، ومن الأجواء العامة وما يجري على أرض فلسطين، لا يقودنا إلى التشاؤم فحسب، بل أن التعايش والسلام والاستقرار بعيد المنال.

بقلم/ غازي السعدي