لقد إطلعت على تقرير اللجنة حال صدوره يوم 26 آذار 2017م، الذي أعدته لجنة التحقيق بشأن الأحداث المؤسفة التي وقعت أمام مجمع المحاكم في البيرة، وأحداث بيت لحم يوم 12/03/2017م، وقد تناقلتها في حينه وسائل الإعلام المختلفة، المرئية والمسموعة والمقرؤة، ووسائل التواصل الإجتماعي، وتعددت التفسيرات والتأويلات والتعليقات بشأنها، ما أحدث مزيداً من الألم في نفوسنا ونفوس أبناء شعبنا، لأننا نحلم أن لا ينحرف الجهد الوطني عن مساره الصحيح، وأن لا يتحول إلى تناحر وصراع داخلي، ذلك ما يحلم به الإحتلال وعملاؤه، إلا أن قرار السيد رئيس مجلس الوزراء د. رامي الحمدالله وبتوجيه من فخامة الرئيس أبو مازن، بتشكيل لجنة حرفية عليا ومشهود لأعضائها بالمهنية والكفاءة للتحقيق في تلك الأحداث المشؤومة وإنجاز العمل المطلوب منها في أجل محدد، وتقديم تقرير وبيان حقيقة بشأنها، وتوصيات واجبة التنفيذ، من أجل محاسبة المخطئين بغض النظر عمن يكون المخطئ، وموقعه أو وظيفته، كي يجد المحاسبة الرادعة، وكي تضمن حماية السلم الأهلي أولاً، وتأكيد سيادة القانون فوق الجميع، وتطوير الوعي الشعبي في إستخدام وسائل التعبير حسب ما يكفلها القانون وكذلك تطوير أداء السلطات المختصة أمنية أو عسكرية أو مدنية أو قضائية، أيضاً وفق قواعد القانون، وتوفير الحماية القانونية اللازمة للمواطنين ولمؤسسات المجتمع المدني في ممارستها لحقها المشروع في التعبير عن الرأي وفق الأصول التي يقرها القانون بهذا الشأن، قد خفف علينا الألم الناجم عن تلك الأحداث المؤسفة، وأعاد الهدوء إلى الشارع، وبالفعل فقد قامت اللجنة المكلفة برئاسة الأخ اللواء محمد ذيب منصور وكيل وزارة الداخلية والمشهود له بالكفاءة والشفافية في كافة مواقع النضال والمسؤولية التي تحملها على مدى عقود، وعضوية الأخ النقيب الأستاذ حسين شبانة نقيب المحامين، وعضو المكتب الدائم لإتحاد المحامين العرب والكفاءة القانونية المشهود له من جميع الزملاء الذين أعادوا إنتخابه لدورة ثانية نظراً لكفاءته وموضوعيته وشفافيته، وعضوية الأخ العزيز الدكتور عمار الدويك مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، والمشهود له أيضاً بالكفاءة والشفافية والموضوعية، ومعهم فريق عمل متكامل من المساعدين الإداريين والقانونيين، بإنجاز المهمة على خير وجهة، وتقديم تقرير شافٍ وافٍ عن تلك الأحداث ووقائعها، بكل شفافية وموضوعية عارضين القواعد القانونية الناظمة لعمل المؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية وعمل المؤسسات الإعلامية، والقواعد المنظمة للتعبير عن حرية الرأي والتظاهر، وسجلوا شهادات الشهود، والمتابعين والمراقبين لتلك الأحداث من المشاركين وغيرهم، وخلصوا إلى جملة من التوصيات، أجملها التقرير في عشرين توصية، من أجل ضمان عدم تكرار ما حدث، منها ثلاث توصيات تخص مجلس الوزراء، وإثني عشرة توصية تخص وزير الداخلية، وتوصية أخرى تخص مجلس القضاء الأعلى، وأخرى تخص النيابة العامة، وتوصية تخص الإعلام الرسمي، وخمس توصيات تخص القوى والفصائل، وهنا في مقالتنا هذه نورد التوصيات كما جاءت في التقرير مصنفة حسب الجهة الموجهة لها، كي يطلع عليها الجميع:
أولاً: مجلس الوزراء:
1)- مراجعة اللائحة التنفيذية لقانون الاجتماعات العامة بحيث تصبح متوافقة مع قانون الاجتماعات العامة لسنة 1998، ومع أحكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان خاصة العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية.
2)- متابعة إصدار قانون للشرطة، يتوائم مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، مع التأكيد على طبيعة جهاز الشرطة كجهاز مدني نظامي.
3)- الإسراع في إصدار قانون حق الوصول إلى المعلومات لما له من دور في تنظيم العلاقة بين المؤسسات الرسمية والصحفيين والإعلاميين.
ثانياً: وزير الداخلية:
1)- إصدار تعميم فوري وواضح لكافة منتسبي أجهزة الأمن باحترام الصحفيين في الميدان وكيفية التعامل معهم وتسهيل عملهم، وعدم التعرّض لهم بأي سوء، حتى لو كان التجمهر غير مشروع، مع عدم الاخلال بحق قوات الأمن في الميدان باتخاذ اجراءات او توجيه تعليمات للصحفيين بما يضمن سلامتهم. وتشكيل لجنة من وزارة الداخلية والهيئة المستقلة لحقوق الانسان ونقابة الصحفيين ونقابة المحامين من أجل صياغة مسودة هذه الارشادات ورفعها لوزير الداخلية للمصادقة.
2)- تعويض الصحفيين الذين تم الاعتداء عليهم أمام مجمع المحاكم في رام الله عن الضرر الذي لحق بمعداتهم (كاميرا مراسل فلسطين اليوم).
3)- إنشاء خط ساخن بين الداخلية ونقابة الصحفيين لمعالجة أية إشكالات تواجه الصحفيين في الميدان او في تعاملهم مع قوى الأمن.
4)- فصل وظيفة الناطق الرسمي باسم الاجهزة الأمنية عن وظيفة المفوض السياسي العام.
5)- ترى اللجنة أن مدير شرطة محافظة رام الله والبيرة، وقائد وحدة الشرطة الخاصة في الميدان قد ارتكبا مخالفة انضباطية من الدرجة الأولى، وفقاً لقرار وزير الداخلية رقم 192 لسنة 2009 بشأن المخالفات الانضباطية لمنتسبي قوى الأمن الفلسطينية. وعليه، توصي اللجنة باتخاذ الإجراء القانوني الملائم بحقهما، عملاً بأحكام القرار المذكور، وبأحكام المادة 23 من مدونة قواعد استخدام القوة، والتي تنص على "كل من يخالف أحكام هذه المدونة أو التعليمات الداخلية التي يصدرها قادة قوى الأمن لأغراض تنفيذها، يعاقب جنائيا وفق أحكام القانون، مع عدم الاخلال في إيقاع العقوبات الإدارية في حقه وفق الأصول."
6)- اتخاذ إجراء انضباطي حسب الأصول بحق عنصر الأمن بالزي المدني الذي اعتدى بالضرب على أحد المواطنين (الاسماء لدى اللجنة)، مع أن تصدر تعليمات بالتأكيد على عدم قيام عناصر الأمن بالزي المدني بالتدخل في فض الاعتصامات او المسيرات.
7)- تؤيد اللجنة ما ورد من توصيات صادرة عن لجنة التحقيق الداخلية في جهاز الشرطة والمتعلقة بإنزال عقوبات انضباطية بحق عدد من الضباط والافراد (إنزال عقوبة بثلاث ضباط وضباط صف وافراد تتراوح بين تأخير الرتبة من ستة شهور الى سنة)، وتوصي بالمصادقة على هذه التوصيات وتنفيذها.
8)- التأكيد على ضرورة التناسب في استخدام القوة، وعدم جواز الاعتداء على أي مواطن بعد تقييد حركته.
9)- اصدار ارشادات وتعليمات تفصيلية حول استخدام قنابل الغاز في الميدان، بحيث تتم مراعاة طبيعة المكان والأشخاص المتواجدين في المكان.
10)- تعزيز البرامج التدريبية للشرطة حول مدونة استخدام القوة والتعامل مع الصحفيين والجمهور، وأيضا توضيح كيفية إطلاق القنابل بما لا يشكل خطرا على سلامة المواطنين.
11)- تزويد دوريات الشرطة بسماعات للاستخدام في توجيه نداءات للمتظاهرين أو المتجمهرين، وأيضا تزويدهم بأشرطة خاصة لتحديد أماكن وقوف المتظاهرين بما لا يعطل حركة السير.
12)- التأكيد على الضباط في الميدان بالتعامل مع المسيرات والتجمعات السلمية بحكمة ووفقاً للقانون ومدونة السلوك، سيما في ظل القمع المتواصل وعمليات الاغتيال التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء شعبنا وما ينتج عنها من حالة احتقان في الشارع الفلسطيني.
ثالثاً: مجلس القضاء الأعلى:
13)- تكليف رئيس دائرة التفتيش القضائي بالتحقيق في إجراءات وظروف جلسة محاكمة الشهيد باسل الأعرج وزملائه المعتقلين لدى سلطات الاحتلال، والمنعقدة يوم الأحد الموافق 12/3/2017.
رابعاً: النيابة العامة:
14)- التحقيق في أحداث بيت لحم خاصة ما يتعلق بقيام بعض المتظاهرين بإلقاء أكواع متفجرة وزجاجات حارقة على مركز شرطة المحافظة، وإحالة من يثبت تورطه إلى القضاء حسب الأصول.
خامساً: الإعلام الرسمي:
15)- العمل على تغطية الاحداث الداخلية بتوازن وموضوعية أعلى وذلك من اجل تعزيز المصداقية وأيضا تخفيف حالة الاستقطاب والتوتير والاحتقان في الشارع الفلسطيني.
سادساً: القوى والفصائل:
16)- التزام جميع الأطراف بقانون الاجتماعات العامة لسنة 1998 الذي يؤكد على حق الجميع في عقد اجتماعات عامة دون الحاجة إلى ترخيص وإنما يتم إشعار الشرطة أو المحافظة قبل 48 ساعة.
17)- الاتفاق على ميثاق شرف وطني بين القوى والفصائل حول قواعد السلوك في المظاهرات والمسيرات، بحيث يتم النص على التزام القوى والفصائل ومن يشارك بالمسيرات بعدم إغلاق الشوارع واحترام توجيهات وتعليمات الشرطة فيما يتعلق بأماكن الوقوف، والالتزام بشعارات وهتافات وطنية مسؤولة.
18)- التزام الجميع، خاصة قادة الفصائل والناطقين الرسميين باسمهم، بخطاب وطني وحدوي مسؤول بعيدا عن التخوين أو توجيه الإساءات، وأن يتم الدعوة إلى الوحدة بدلا من الفرقة، والابتعاد عن استخدام عبارات تزيد من حالة الاستقطاب والتوتير والتحريض في الشارع الفلسطيني، للحفاظ على تماسك الصف الداخلي وحماية السلم الأهلي.
19)- نبذ المسيرات التي يستخدم فيها العنف او التخريب للممتلكات العامة والخاصة، او تعريض حياة الاشخاص للخطر، ورفع الغطاء السياسي عنها.
20)- التأكيد على حق النساء في المشاركة في أية تجمعات سلمية، وإظهار حساسية أكبر في موضوع مشاركتهن وعدم جعلهن هدفاً للتهجم والتهكم مما ينتقص من هذا الحق.
ورغم إطلاعي على التقرير مجرد صدوره، فقد ترويت في الكتابة عنه وبشأنه بحكم إختصاصي القانوني من جهة، وبحكم دوري كرئيس للمجلس الإداري للإتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين من جهة أخرى، وبعد الدراسة الفاحصة للتقرير ومناقشته مع عدد من الزملاء القانونيين والسياسيين، وما سرده من وقائع وأحداث بشفافية وموضوعية متناهية، بل قلَّ نظيرها في دول الديمقراطيات العريقة، وما ذيله من توصيات هامة، لكل جهة من الجهات ذات العلاقة، كما هو مبين إعلاه، فإنه من حقنا أن نفخر أولاً كمواطنين ثم كمختصين قانونيين وسياسيين وإعلاميين، وناشطين في حقل مؤسسات المجتمع المدني، بما وصلت إليه هذه اللجنة الموقرة من توصيات رصينة وثمينة من شأن تنفيذها والأخذ بها أن تصحح ماهو قائم من إعوجاج وتطوير البنى القانونية في هذا الشأن، ويوفر أفضل أشكال الحماية للمواطن ولرجل الإعلام ولمؤسسات المجتمع المدني وللفصائل السياسية، للتعبير عن الرأي أولاً وللقيام بدورها ثانياً في الحياة العامة والسياسية خاصة، وتوضيح كل ما من شأنه أن يكفل حرية الرأي والتعبير وتعامل المؤسسات الأمنية عسكرية أو مدنية، وكذلك المؤسسات القضائية، مع قضايا الرأي وقضايا الإعلام وحريته، وقضايا الأمن، كل ذلك من شأنه أن يحول دون تكرار مثل تلك الأحداث المؤسفة، وضمان الأمن والسلم الأهلي، وتوحيد الجهد الوطني في مواجهة الإحتلال الغاشم وإجراءاتها التعسفية في حق شعبنا.
من خلال هذه السطور المتواضعة أتوجه بجزيل الشكر والتقدير والتهنئة بإسمي شخصياً وبإسم زملائي في الإتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين أمانة عامة ومجلساً إدارياً وهيئات إدارية وأعضاء أولاً إلى شعبنا الفلسطيني الذي يستحق كل الإشادة والتقدير على تفهم ظروفه الخاصة وصموده الأسطوري في وجه العدو الغاشم، ثم إلى القيادة الفلسطينية وعلى رأسها فخامة السيد الرئيس أبو مازن، ودولة السيد رئيس الوزراء دكتور رامي الحمدالله الذين وجهوا بتشكيل هذه اللجنة السامية لإعداد هذا التقرير، وإلى الأخوة الأعزاء الزملاء أعضاء اللجنة الموقرة ومساعديهم، وإلى كل من قدم معلومة أو شهادة للجنة حتى تمكنت من إنجاز عملها على خير ما يرام، في وقت قياسي، وكل الشكر والتقدير ثانية لفخامة السيد الرئيس ورئيس الوزراء على توجيهاتهم بإعتماد إنفاذ توصيات اللجنة لكل فيما يخصه للتنفيذ الفوري.
وكخلاصة نهائية: إن هذا التقرير يقدم نموذجاً لما يجب أن يقوم عليه عمل السلطة وكافة المؤسسات والفصائل الوطنية، من شفافية وموضوعية وإلتزام بروح القانون والمصلحة الوطنية العليا التي يشترك فيها الجميع، مواطنيين ومؤسسات وسلط مختلفة.
وفق الله الجميع لما فيه صالح شعبنا العظيم، وقضيته العادلة، وصولاً إلى أهداف شعبنا في الحرية والوحدة والعدالة والعودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنا لصادقون.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس