العنصرية متجذرة في دواخلهم

بقلم: علي الصالح

العنصرية عند المؤسسات الحاكمة في الغرب متجذرة في دواخلها، لا تمحيها قوانين.. وهي عنصرية تأتي بأشكال وأنماط عدة تفرضها الظروف والاحداث.. وهذا طبعا لا يعني ان العنصرية غائبة عن الكثير من المؤسسات الحاكمة والرسمية في الدول العربية.. فهذه وحدها تحتاج إلى مقال طويل جدا.
صحيح ان المصطلحات والمفردات القاسية التي كانت تستخدم في الماضي في بعض الدول الغربية، وحتى منتصف الخمسينيات أو حتى بعد ذلك، خاصة في الولايات المتحدة، لم تعد قائمة على الاقل ظاهريا، ولكنها تطفو على السطح بين الحين والآخر بانماط وممارسات مختلفة.
وهذا يقودني الى تجربة شخصية أليمة سأشارككم اياها.. صحيح ان المصطلحات العنصرية ومفردات التفوق العرقي لم تسمع ولم تتردد في تجربتي ولكن النهايات والنتائج تعكس ذلك.
حصل ذلك اواخر اكتوبر2001 أي بعد نحو شهر ونصف الشهر على جريمة تفجير برجي نيويورك، التي راح ضحيتها الاف من الابرياء من جميع الاجناس. كنت عائدا مساء ذاك اليوم الخريفي الذي كان على ما اذكر يوم احد، في القطار من عملي في لندن الى مدينتي في شمال وسط بريطانيا. كنت جالسا على مقعد في القطار اقرأ جريدتي كما العادة، واذ براكب انكليزي اعتقد انه كان مخمورا يتحرش بي بالفاظ تشتم منها رائحة العنصرية، والشر في عينيه، تجاهلت كلامه ولم ارد عليه.. لم يعجبه الحال فانقض عليّ، لكنني تمكنت ان اسيطر على الوضع.. عاود الكرة فصددته وعاود مرة ثالثة فطرحته ارضا بين مقاعد القطار، ودون مقدمات شعرت بجبل بشري كبير يحط فوقي بعد ان تمكن المعتدي من الانسحاب من تحتي، ومكنتي حلاوة الروح من أن اقف على رجلي حتى التقط انفاسي ولا أدري من اين اتتني تلك القوة. غير ان مجموعة المعتدين تمكنت من السيطرة على يدي قبل ان اتلقى لكمات قوية في وجهي حطمت نظارة القراءة وتسببت في جروح في الشفتين والوجه.. ولو لم يتوقف القطار لربما كانت الجروح التي لحقت بي اكبر واخطر.
حضرت الشرطة بعد ان تفرق المعتدون، ونقلت الى القسم حيث أخذت شهادتي، وقررت الشرطة التي حققت مع المعتدي الاول، بناء على كلامي رفع دعوى عليه.. وبعد طول انتظار عقدت جلسة المحكمة واستمع القاضي الى اقوالي واقوال المعتدي.. لم احصل على الحكم في حينه. وانما جاء برسالة من المحكمة.. ولم يعتبر الحكم الاعتداء اعتداء كراهية او اعتداء عنصريا، بل لم يعتبره اصلا اعتداء، وتقول الرسالة في نهايتها ان القضية رفضت دون ابداء الاسباب.
ما ذكرني بهذا الاعتداء، ما حصل لصبي كردي ايراني جنوب لندن يوم الجمعة ألماضية، فقد كان الشاب وعمره 17 عاما ينتظر في موقف للحافلات، في طريقه الى منزله، عندما احاطت به ودون مقدمات، مجموعة او لنقل عصابة يصل عدد افرادها الى 30 فسألوه عن نفسه، فجاء رده انه طالب لجوء سياسي، ظنا منه خطأ ان ذلك قد يشفع له و"يحنن قلوبهم" وبدل الرأفة بحاله انهالوا عليه ضربا ورفسا وركلا، وشتما بالفاظ عنصرية، وهو الان في العناية المركزة بين الحياة والموت.. وصنف الاعتداء بـ"جريمة كراهية" لا جريمة عنصرية او ارهابية.
وقبل ذلك بايام أيضا دخل شاب الى أحد قطارات المترو في لندن شاهرا سكينا يبحث عن مسلم لطعنه.. وسجلت هذه الحادثة ايضا تحت مسمى "جريمة كراهية".
وجاءت هذه الحادثة بعد الجريمة النكراء التي ارتكبها بريطاني غير اسمه من ادريان راسيل أجاو الى خالد مسعود، الذي خرج بنية قتل اكبر عدد ممكن من الابرياء دهسا. وحقق مراده بقتل وجرح عشرات الابرياء دون ذنب اقترفوه، بمن فيهم احد حراس مجلس العموم. يذكر ان غالبية الضحايا كانوا من السياح الاجانب.
وكما العادة الصقت التهمة بداية بالمنظمات الارهابية الاسلامية. والمشكلة ليس باتهام هذه المنظمات فهي ارهابية بامتياز، وندعو الى مواجهتها ونحن على قناعة تامة بانها صنيعة الغرب بشكل او باخر لتقسيم المقسم في المنطقة وخلق النزعات الطائفية والعرقية الى اخره. المشكلة تكمن في ربط هذه العملية التي وصفت بالارهابية "هذه المفردة" المرتبطة بالاسلام رغم انها بمقاييسهم لا تتجاوز "جريمة كراهية" لان منفذ هذه الجريمة لا علاقة له بالاسلام الا بالاسم، كما كشفت التحقيقات.. ولكن جاءت النتيجة بعدما "وقع الفاس في الراس" كما يقولون، والصقت التهمة بالمسلمين وكان لها انعكاسات عنصرية، كما حصل مع الشاب الكردي والباحث عن مسلم لطعنه، واعتداءات عنصرية اخرى منها ما يعلن عنه وغالبيتها لا يعلن عنها.
وبعيدا عن الإرهاب وجرائم القتل، تجد العنصرية متجذرة حتى في بعض التسميات الغرض منها تأكيد تفوق العرق الابيض. وفي كثير من الاحيان تمر تلك المصطلحات او المفردات او التسميات مرور الكرام.. وهي مفردات يزيد استخدامها في الوقت الحاضر لكثرة الازمات والحروب الأهلية واعمال القتل والتدمير التي تشهدها دول عربية "انعم الله عليها بما يسمى الربيع العربي"، وكذلك الازمات الاقتصادية والمجاعات التي تعصف ببعض الدول في افريقيا وغيرها، وما يترتب عليها من هروب ملايين المدنيين بحثا عن مكان آمن.
ورغم ان هناك مصطلحا للمدنيين الذين يضطرون قهرا الى الهروب من بلدانهم واللجوء الى بلدان وهو لاجئ، فكثيرا من الاحيان يجري تجاهلها، ويلجأ البعض لاستخدام مفردة "مهاجر" وشتان ما بين المهاجر واللاجئ.
فالمهاجر هو الذي يهجر بلاده طوعا للعمل في بلد آخر، ولكن هذا المصطلح لا يندرج على العرق الابيض، فقد وجدوا مصطلحا آخر يميزهم عن بقية الاعراق. وفي هذا السياق لفت انتباهي تقرير في مدونة لـ"وول ستريت جورنال" الامريكية مختصة بشؤون المغتربين، ويركز التقرير على مصطلحين وهما المهاجر والمغترب، وحسب تعريف ويكيبيديا فأيهما هو ذاك الشخص الذي يقيم او يعمل سواء على نحو مؤقت او دائم في بلد غير بلده الأصلي.
ووفق هذا التعريف يتوقع ان يطلق اسم المغترب على أي شخص يغادر بلده للعمل في بلد اخر بغض النظر عن لون بشرته أو بلده، لكن ليس هذا هو الحال.. ففي الواقع فان مصطلح المغترب، يخص فقط البيض الذين يذهبون للعمل في بلدان اخرى.
فالافارقة والاسيويون والعرب الذين يذهبون للعمل في الخارج، لا يخلع عليهم هذا اللقب، بل المهاجرون حتى إن كانوا حرفيين واصحاب مهن عالية.. فيبقى الافارقة مهاجرون وكذلك الهنود والباكستانيون، والعرب ايضا الخ. وتنتقل هذه التسمية من جيل الى اخر.. والمثال على ذلك ليس بعيدا فيشار الى صادق خان رئيس بلدية لندن، بابن سائق الحافلة الباكستاني المهاجر، ولا يشفع له انه ولد في لندن واصبح رئيسا لبلديتها. اما الغربيون فهم مغتربون ولا يمكن وضعهم بمستوى الاعراق الاخرى الدونية.
ولا اريد ان اختتم دون ربط ذلك بما يحدث على الارض الفلسطينية والمصطلحات الاسرائيلية التي تبناها الغرب وغير الغرب زورا وبهتانا، وهي مصطلحات تقلب الحق باطلا والباطل حقا وتعكس قانون الغاب الذي نعيشه في هذا العالم الذي يأكل فيه القوي الضعيف. فاصبحت مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وهو اخر احتلال في القرن الواحد والعشرين بعد الانسحاب الامريكي والبريطاني من العراق وافغانستان فقط ارهابا، بينما ارهاب الدولة واعمال قتل الابرياء والتدمير دفاعا عن النفس.. وهذا بحد ذاته موقف عنصري يسترخص دم الفلسطينييين مقابل الاسرائيليين.

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي