العدوان الامريكي على الأراضي السورية يثبت مرة أخرى الأكاذيب الامريكية، كما جرى قبل احتلال العراق، حيث حاولت ادارة بوش الصاق التهم بالعراق بأنه يمتلك اسلحة كيماوية ، واليوم تفبرك ادارة ترامب ذريعة استخدام الاسلحة الكيميائية قبل التحقق دولياً من هذه الحادثة المفبركة في تواطؤ مفضوح مع المجموعات الارهابية ، علما أن السياسة الامريكية التي سبقت هذا العدوان العسكري المباشر كانت تدل بشكل واضح على عدم جديتها في محاربة الإرهاب في سورية ، حيث أتى هذا العدوان على مطار الشعيرات، بتنسيقٍ كامل مع دولة الكيان الصهيوني، ومع الأطراف التي لا زالت تصر وتعمل على تفكيك الدولة السورية، وهو محاولة لقطع الطريق على الجهود السياسية التي تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي يحافظ على وحدة سوريا وشعبها...
من هنا نرى ان العدوان العسكري الامريكي على سوريا دليل قطعي على إن الولايات المتحدة الامريكية أدركت إن مرتزقتها لم ولن تتمكن من الشعب السوري ودولته، وان هذا التدخل بشكل مباشر في المعركة، يضع روسيا امام مسؤولية مباشرة حول التعاون مع الادارة الامريكية ، هذه الادارة التي تدعم الإرهاب ونشر الفوضى والاضطراب في المنطقة، وهذا ما حذرنا منه بعد احتلال العراق الذي دمرته امريكا بحجة الاسلحة الكيماوية ، بهدف الوصول الى سايكس بيكو جديد او شرق اوسط من خلال تفتيت المنطقة والعالم العربي الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية والسيطرة على ثروات ومقدرات المنطقة.
لذلك لا يمكن فصل هذا العدوان عن ما سبقه من تواجد أمريكي ميداني غير شرعي في شمال سوريا، بهدف التأثير في مجرى الاحداث الميدانية هناك، وترسيخ أسس التقسيم وفرض الشراكة في تقرير مستقبل سوريا، بعيداً عن دورها القومي وموقفها المعادي للكيان الصهيوني وأطماعه التوسعية في المنطقة.
وفي ظل هذه الاوضاع نرى انه على كافة الاحزاب و القوى العربية التضامن مع سوريا وشعبها، وتوحيد الجهود لمقاومة العدوانية الامريكية في المنطقة والتي قد تشهد تصاعداً قادماً، وإدانة الأنظمة العربية الرجعية التي أيدت هذا العدوان، وتدعم قوى الإرهاب، ومخططات تدمير سوريا، وتفتح أبوابها لعلاقات تطبيعية مع الكيان الصهيوني.
ان الأوضاع الدموية الملتهبة في المنطقة، تشكل السمة العامة في المنطقة وخاصة في سوريا، الا أن التبدلات التي جرت وما زالت تجري في الميدان ساهمت في فتح آفاق جديدة لإحتمالات إيجاد حلول من شأنها إيقاف الدمار والخسائر الباهظة في البشر والحجر ووضع حد للمآسي الإنسانية الكثيرة، فالتبدل في ميزان القوى على الأرض كان المدخل الأهم، إن لم يكن الوحيد، الذي كسر تصلب القوى الارهابية وتشددها في أية شروط لتسوية الأزمة السورية، كما أن الوجود الروسي ألزم متعهدي هذه القوى وداعميها ومشغليها بالرضوخ الى المعطيات التي أخذ يفرضها الميدان والتبدل في ميزان القوى على الأرض، إضافة لذلك فإن مخاطر الارهاب التي
أخذت تهدد العالم، وجرائم الارهابيين في العديد من البلدان ساهم في بلورة موقف عالمي ضد الارهاب والارهابيين ، وشكل رافعة إضافية للجهود المبذولة من اجل التسوية السياسية للأزمة.
وتبع ذلك سلسلة الانتصارات التي يحققها العراق في معركته ضد داعش، والخسائر المتتالية للإرهابيين جغرافياً وبشرياً في كل من سوريا والعراق، الأمر الذي يشير الى قرب هزيمة داعش، وغيرها من قوى الارهاب، وتبرز حالياً معطيات شديدة الوضوح تؤكد ان هزيمة داعش وغيرها من المنظمات الارهابية لا تعني نهاية الخطط والأهداف التي بسببها تم دعم هذه القوى ومساندتها، فتطور الأحداث والتحركات المختلفة تؤكد من جديد أن الهجمة الارهابية ضد سوريا على وجه التحديد لم تكن انتصاراً للديمقراطية وللشعب السوري، كما تدعي الدوائر الامبريالية والرجعية، بل كانت معركة النفط والغاز في المنطقة ومعركة المصالح المتعددة والمتباينة لدول الجوار على الصعيدين الجغرافي والسياسي على السواء.
ورغم هذا التقدم، الذي لم تراه ادارة ترامب لمصلحتها ومعها بعض الدول والقوى التي تقف وراء بعض المنظمات الارهابية ، فكان لا بد من العدوان الامريكي، حيث تذرعت امريكا بحجج غير مقنعة ، حول الهجوم بغازات سامة الذي وقع في خان شيخون بريف إدلب قبل التحقيق الدولي.
ولم يتوقف الأمر عند تلك النقطة فقط، بل أخذت هذه الجهات تحتج على المصالحات التي تجري في مختلف أنحاء سوريا، وترافق ذلك مع الاعتداءات الاسرائيلية على الاراضي السورية، وتهديدات الاسرائيليين بأنهم سيحطمون مواقع الدفاع السورية، خاصة بعدما هاجمت الصواريخ السورية الطائرات الاسرائيلية المعتدية وإصابة إحداها، لهذا كان التدخل الأمريكي المباشر لوضع قدمها في سوريا تحت عنوان محاربة الارهاب ، علما ان السياسة الأمريكية المعلنة هو عدم مشاركة واشنطن المباشرة في القتال.
كما ان تأييد تركيا للعدوان الامريكي هو المحافظة على مطالب محددة وفي مقدمتها عدم السماح بقيام ادارة ذاتية للكرد على حدودها الجنوبية، أي في شمال سوريا، كما انها لا تخفي أطماعها في الموصل، وفي بعض الأراضي شمال حلب وادلب وغيرها، ولذلك فقد أرسلت قواتها لاحتلال بعض المواقع في سوريا بحجة مقاومة داعش، دون تنسيق مع الحكومة السورية، وهو ما يعني حركة احتلال مكشوفة، كما ترفض سحب قواتها من بعض الأراضي العراقية بحجج واهية وغير مقبولة.
وفي حين يرتفع عالياً شعار وحدة الشعب والأرض في كل من سوريا والعراق، فان أوساطاً عربية ودولية ومحلية في البلدين تدافع بحرارة مكشوفة عن سياسات تقسيم البلدين على أسس قومية وطائفية، ومن أخطر التوجهات في هذا المجال التركيز على الانقسام السني الشيعي في العراق، والتأكيد على ضرورة مقاومة ايران بالدرجة الأولى بدلاً من التصدي لداعش وللقوى الارهابية التي تحتل الأرض وترتكب افظع المجازر بحق الشعبين السوري والعراقي.
إن دعوات بعض الدول العربية بالتنسيق مع الادارة الامريكية الى جعل التصدي لإيران أولوية تسبق القضاء على الارهابيين، ومحاولة توسيع التحالف المعادي لإيران، ورفض أية محاولات لتسوية أي خلاف بين الاطراف المعنية، مما يعقد موقف الدول العربية من سوريا ويضاعف
الصعوبات أمام العراق، ويتلاقى موقف بعض الدول العربية هذا مع الموقف الاسرائيلي الذي يجاهر بالعداء لايران وحزب الله ويعتبر ذلك أولوية على الكفاح ضد الارهاب المجرم. أن الولايات المتحدة تعلن عداءها لايران واعتراضها على سياساتها في المنطقة وسياساتها بالنسبة لاحتمال انتاج السلاح النووي.
إن تعدد الخلافات بين دول المنطقة وتباين المصالح وانعكاس ذلك على سلوك المنظمات الارهابية يساهم في تأجيج الصراع الدموي، ويعقد احتمالات التوصل الى تسوية سياسية سلمية للأزمة في سوريا والى الوصول الى أوضاع مستقرة في مرحلة ما بعد هزيمة داعش واخواتها.
ان بعض الدول العربية ورغم كل التبدلات في الميدان على الارض ومعها بعض المنظمات الارهابية ما زالت تعتقد أن أية تسوية يجب أن تؤدي الى تسليم السلطة للإرهابيين ولو على حساب المزيد من التدمير في سوريا على وجه الخصوص، وتعتبر نفسها الممثل الشرعي للشعب السوري، ولا تقبل بحق الشعب السوري في تقرير مصيره بحرية وديمقراطية بانتخابات نزيهة باشراف دولي.
من هنا نرى أن دولاً عربية قاومت أية محاولة لاستعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية، وقاطع وزراء خارجيتها الاجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية الذي عقد في القاهرة تمهيداً لمؤتمر القمة،علماً أن تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية سابقة خطيرة وتتنافى كلية مع ميثاقها، وفي الوقت الذي تمعن فيه بعض الدول بمعاداة سوريا والعمل على ابعادها عن محيطها العربي وتعريض كل مؤسسات وهيئات العمل العربي المشترك للخراب وتعطيلها بمختلف الوسائل، فان علاقات هذه الدول تنمو وتتطور بشكل معلن وغير معلن مع حكومة الاحتلال الصهيوني وتلتقي معها في الموقف في سياسات موحدة إزاء المنطقة.
أن مختلف المؤشرات تؤكد على قرب هزيمة قوى الارهاب في سوريا والعراق، ولكن الوضع المعقد في سوريا وتعدد الأطراف التي تشارك في التدخل ينبئ بتعقد وصعوبة التوصل الى حالة من الانفراج، بل هناك بعض التقديرات التي تشير الى احتمال نشوء نزاعات من نوع جديد تشكل أرضية لاستمرار نشاط الارهابيين رغم هزيمتهم، ومنها الموقف الامريكي، ومن هنا تبرز أهمية بذل الجهود على الصعيد الشعبي والرسمي لاحباط نوايا الاطراف التي تستهين بتضحيات الشعوب ودماء أبنائها، سواء في سوريا والعراق وحتى في اليمن وليبيا وغيرها.
فمن الجدير بالذكر أن كل هذه الصراعات أو معظمها تتم باسم الدين ، وتقف وراءها بعض قوى الاسلام السياسي، وهي بهذا الموقف تستمر في تشكيل سند لرغبات القوى الامبريالية والصهيونية وللرجعية العربية.
إن الرد الروسى الأولى كان بإلغاء تفاهمات تنسيق الطلعات الجويه مع أمريكا وتعهدها تسليح الجيش السورى بدفاعات جويه جديده يؤكد على جدية روسيا فى عدم ترك المسرح لسياسات ترامب كلاعب وحيد فى المنطقه ، لذلك فأناوضاع المنطقه مقبلة على تعقيدات جديده ستنفتح فيها موجات التدخل العسكري من اكثر من طرف للتدخل في رسم خرائط النفوذ لكنها أكثر وضوحا فى تحديد المعسكرات.
أن المنطقة العربية الغنية بثرواتها وامكاناتها هي أكثر مناطق العالم استنزافاً بالحروب والصراعات، وأكثرها عرضة للمزيد من المصاعب التي تسمح بنهب ثرواتها ومصادرة قرارها المستقل، ويضعها أكثر فأكثر في فخ القوى الامبريالية والصهيونية المعادية لشعوبنا العربية وتقدمها.
ختاما: لا بد من القول ، على كافة الاحزاب والقوى العربية العمل على تشكيل جبهة شعبية عربية وتوسيع رقعة النضال على الصعيد القومي، والعمل على هزيمة الارهاب والدفاع عن حق الشعب العربي الفلسطيني في انهاء الاحتلال، واقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس، والعمل على تحقيق التقدم لشعوبنا في مختلف المجالات.
بقلم/ عباس الجمعة