يهاجمون الحمد الله فيما يبرئون عباس: كيف بالله يحكمون؟!

بقلم: أيوب عثمان

حول جائحة الخصم من رواتب موظفي قطاع غزة، قرأت لكتاب عباسيين بحكم أنهم موالون صارمون أو انتهازيون منتفعون أو زبانية مستخدمون خائفون، دون أن أقرأ ولو كلمة واحدة في باب اللوم الخفيف وليس النقد أو الهجوم، فيما صب أولئك الكتاب جام غضبهم ومر نقدهم وقاسي هجومهم على الحمد الله وحكومته، مبرئين الرئيس عباس من جريمته، وكأن الحمد الله وكل أركان حكومته يملكون وضع حجر فوق حجر أو رفع حجر من تحت حجر، دون أن يأذن لهم بذلك عباس. والحالة كذلك، هل من مالك لقليل من العقل ومتمتع بقليل من الفهم والتمييز والحكمة يصدق أن قرار الخصم من رواتب موظفي قطاع غزة هو قرار في مكنة الحمد الله أن يتخذه بمفرده أو حتى بمجمل حكومته، دون صافرة تشغيل عاجل من الرئيس عباس، صاحب التنسيق الأمني الذي رفع من قدره حد القداسة، متناقضاً في ذلك مع الانتقاد الشعبي والحزبي له فوصفه بـ"المقدس"، ثم أكد على هذا الوصف ثلاثاً، إذ قال - دون خجل رئاسي أو حياء وطني - "التنسيق الأمني مقدس، مقدس، مقدس"!

لا أشعر انني في حاجة إلى أكثر من الإشارة – وعلى نحو خاطف – إلى مقال اختار له صاحبه عنواناً سلبياً (موارباً) من نوع " أين الحكمة يا حكومة؟!"، لاسيما وإنه لو اختار عنواناً إيجابياً (مباشراً)، "أين الحكمة يا سيادة الرئيس؟!"، لكان قد ابتعد عن الغموض واللف والمواربة، مصيباً في ذلك من الحقيقة طحالها وصلبها.

لم يكن التهجم على الحمد الله وصب الغضب عليه وتوجيه السباب والشتائم له و/أو لحكومته دون أي نقد للرئيس عباس وقفاً على كُتّاب من النوع الذي أشرنا إليه آنفاً، بل كان ذلك أيضاً ما كان من قيادات ورموز وأركان فتحاوية تمنيت لو أن واحداً وحيداً منها قد مس الرئيس بالنقد ولو مساً خفيفاً. انظر مثلاً إلى نقد قاسٍ وجهه قيادي فتحاوي عتيق عتيق إلى الحكومة دون أن يمس الرئيس ولو بخفة وذوق ورشاقة، وهو العارف قبل غيره وأكثر منهم، أن هذه الحكومة التي صب جام غضبه عليها لا تستطيع فعل ما هو أقل بكثير من هذا القرار الجائحة دون علم الرئيس! فالدكتور/ زكريا الآغا، بصفته الثلاثية الضخمة – عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رئيس هيئة العمل الوطني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية – رفض في مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء 5/4/2017 كل الإجراءات المتصلة بالخصم من رواتب موظفي قطاع غزة، قائلاً إن كل تلك الإجراءات "فاقدة لأي أساس قانوني أو أي بعد وطني واجتماعي".... وأن "تبريرات الحكومة لاتخاذها هذا القرار مرفوضة"، واصفاً ذلك بأنه "يمثل تمييزاً واضحاً بين أبناء الشعب الفلسطيني، إذ حملت الحكومة موظفي غزة فقط دون الضفة أعباء الأزمة المالية". وفوق ذلك، فقد "حذر" الدكتور/ الآغا في المؤتمر الصحفي ذاته – ولكن دون أن يحمل أدنى مسؤولية للرئيس – "من المخاطر السياسية المترتبة على القرار"، واصفاً تلك المخاطر بأنها "تحول الانقسام الفلسطيني إلى

انفصام تام تتقاطع مع المشاريع المطروحة للحل الإقليمي"، داعياً "الهيئات الوطنية والكتل البرلمانية إلى الضغط على الحكومة للتراجع عن قرارها". لاحظوا أن هذا القيادي الفتحاوي العتيق والسياسي الكبير لم يأت على ذكر الرئيس إلا مناشداً إياه "بالتدخل"، وكأن الحمد الله قد كانت فعلته نتاج رأسه دون علم من الرئيس، وكأن هذا الرئيس ليس إلا مغلوباُ على أمره!

لنلاحظ أيضاً ما قاله القيادي الفتحاوي البارز، روحي فتوح، الذي احتل مواقع هامة وكبيرة كرئاسة المجلس التشريعي الفلسطيني ورئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية لستين يوماً إثر رحيل الرئيس عرفات، والذي يحمل حالياً حقيبة مفوض العلاقات الدولية من خلال عضويته في اللجنة المركزية لحركة فتح. لقد رأيناه يصف الخصومات من رواتب موظفي غزة بأنها "محاولة لفك الارتباط عن القطاع"، ويطالب "بوقف القرار فوراً وإعادة صرف رواتب الموظفين في قطاع غزة أسوة بزملائهم في أراضي السلطة والشتات، فتوزيع الظلم عدالة"، ويصف القرار بأنه "عبث يؤدي إلى التفرقة والتمييز ويولد الشعور بأن هناك محاولات خطيرة لفك الارتباط بين السلطة الشرعية ممثلة بسيادة الرئيس محمود عباس وقيادة الشعب الفلسطيني وبين الشعب في قطاع غزة المؤيد والمدافع والمتمسك بالشرعية الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد"، مضيفاً أنه من "غير المفهوم الاستفراد في رواتب قطاع غزة الذين أصلاً يعانون منذ زمن طويل حيث لا علاوات ولا ترقيات ولا إضافات لهم على الراتب ثم يلاحقون اليوم باقتطاع أكثر من 30% من رواتبهم التي تغطي لنسبة عالية منهم قيمة ديون القروض البنكية"، مختتماً نصحه وتحذيره بالآية القرآنية التي كانت جزءاً من الحملة الانتخابية الرئاسية لأبي مازن "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ"، بعد أن نصح أو حذر بقوله:" لا تدفعوا الناس إلى المجهول أو إلى ما لا يحمد عقباه".

وهكذا، فإنه – ومن خلال قادة مسؤولين وكتاب معتمدين - لا وزر ولا مسؤولية على الرئيس قط، وهو ما لا يسلم به أحد في رأسه شيء من عقل، غير أن أمراً واحداً متصلاً بالرئيس قد أتى على ذكره فتوح وهو أن "الرئيس يتابع القضية وأنه يعتبر كل الموظفين أبناءه وأنه لا يميز بين موظف غزة أو الضفة".

 

أما بيان حركة فتح، فلم ينح باللائمة فحسب على الحمد الله، وإنما طالب أيضاً بإقالته، ملقياً عليه فقط – دون أي مس الرئيس – كل المسؤولية عما جرى! أما المؤتمر الحركي العام السابع – الذي لم يتجلَّ فيه أحد إلا الرئيس الذي أعلن فيه إنجازاً مفاده أن عشرة فلسطينين قد دخلوا أراب آيدول – الذي كان من مهماته وأهدافه ومن نتائجه ومخرجاته أنه سيعالج جميع مشاكل قطاع غزة، فماذا فعل أو ماذا عساه أن يفعل غير أن يحمل المسؤولية جلها إلى الحمد الله وحكومته، دون حتى أن يهفهف الغبار ولو عن معطف الرئيس؟!

 

أما آخر الكلام، فحبذا لو استبدل أحد الكتاب كلمة "الحكومة" بـ"الرئيس" لتصبح إحدى فقرات مقاله – على سبيل المثال – كالآتي:

"إن (الرئيس) لم يعد يكترث بأحد في هذه البلاد، وأصبح يعتبر نفسه صاحب الولاية والدراية والخبرة وحسن التصرف والتفكير والتدبير. الحقيقة، إن الظلم الذي ألحقه (هذا الرئيس) بموظفي القطاع ينمُّ عن استهتار فاضح وخفة محزنة تجاه أهلنا في غزة وأخواتنا وإخواننا الموظفين على وجه التحديد. تبدو المسألة محصورة في افتقاد (هذا الرئيس) لحساسيات الواقع الانقسامي في البلاد، لكنه في الحقيقة في حالة عقم عميقة.

 

بقلم الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

رئيس "جمعية أساتذة الجامعات – فلسطين"