صرخة ... حكاية قيلت وتقال علم يضيع وجيل يباد ونهاية بداية لم تقاد ...

بقلم: محمد حجاج

لم يكن المخيم مجرد حكاية أمس ووقت يمضي بانتظار عودة قد لا تكون في يوم من الأيام، كان المخيم جسدا يتلقى طعنات الحلم الكبير بفلسطين المحتلة من روحها إلى جسدها المحنط بإسرائيل.. المخيم الذي ابتعدنا عنه بقوة الحب، وجبن الحقيقة التي لم نستطع قبولها.. الحرب.. التي شردت المشردين.. وشتت بقايانا.. إنه الضحية مثلنا.. حمل أحلامنا جميعا.. حلم أب بابنه، وهو يعلق لوحة يسبق اسمه واسم ابنه لقب «دكتور» أو «مهندس» أو «محامي»، وحلم فتاة يسكن بيتها رجل يشغله جمالها ولقمة عيشها.. المخيم كذبتنا حين بات وطننا.. حين صدقنا أن قبلة في الزقاق المعتم، تعني الذاكرة.. وحين راودتنا أنفسنا لنشرب خمر الكذبة قرب مدرسة أسموها «حطين،بيسان،الشهداء الخ...». المخيم.. ليس فيه خيمة، وليس فيه سقف توتياء، المخيم مدينة اللاجئ، كان حديقة فلسطين، صار المخيم صرخة.. صار ابنا للوطن المحتل واللجوء.. يموت الوطن ولا أحد يصدق، ويموت اللاجئ ولا أحد يصدق، ويموت المخيم والكل يراه، ولا أحد سيصدق أن المخيم امتصاص الشهوة بالفداء.. سخط اللاجئ على الانتظار.. ورغبته حقا بالانتصار، رغم كل الهزائم.. مخيم.. مخيم.. سنبتعد ونختفي في جدرانه.. سنحرس أحلام أهله النازحين.. سنحرس قصيدته المريضة، من خلل الوزن من الجوع.. سيشرب يوما من الماء الذي تجرعه، سيشرب لينهض.. ليقول لساسة البساط الأحمر ، الذين قالوا على مسامع الكنديين، كندا لها دور في قضية اللاجئين، كندا ليست هي الحل، وعلى مسامع الفلسطينيين والكنديين. الجوع والمخيم.. كيف اجتمعا.. أو كيف التقيا.. التقيا ليبتسم الوطن.. ويعلن أنه مع المخيم حتى الرمق الأخير ولو كلفه أن ينتحر لأجل المحاصرين في المخيمات.. في الوقت لا ينتبه أحد لمخيم يطل على رفاهية المدينة.. اذهب أيها المخيم.. واذهب لينكتب المدى ويعيد كتابتك كما لو كنت أسطورة الحالمين.. المخيم دائما كان بحجم ساكنيه، وصار بحجم قضيته وساكنيه، كم تورم.. كم سينفجر الورم، وأعواد الثقاب استيقظت من بيتها، كل مخيم ونحن بخير, كل مخيم ولدينا اشخاص عتيدة لم تسمع بعد بـ «حذار من جوعي ومن غضبي»، وتشغلها السياسة، ولا يشغلها الإنساني.. في البارد وشاتيلا في عين الحلوة وضواحيها، مخيمات، ماذا ستفعل ايها الاب لتعلن الدولة، ماذا ستفعل بهؤلاء اللاجئين لتجعل دولة فلسطين التي لم تبصر النور بعد، دولة لاجئيها قبل مواطنيها.. لم يكن المخيم مجرد حكاية لجوء.. المخيم أصل الحكايات..
بقلم د . محمد حجاج