ومن غرائب طبائع الناس في أيامنا ،أنهم عندما يشاركون في تشييع جنازة لأحد الموتى نلمح في وجوههم حزنا،وهما وألما ...بل تكاد تقطر أعينهم دمعا ،متقطعا كحبات المطر المتناثرة،والتي لا تسقي الزرع ، ولا تروي الزرّاع لحظة خطبة الشيخ عند القبر ...!لكنهم ، ما أن يغادروا أسوار المقابر ، وإلا ونجدهم ينقلبون بزاوية ستينية تبدأ ، بالصفر، وتنتهي بالستين و الثلاثة مائة ، نحو الدنيا وزينتها ...! وكأن من مات..مات وحده ووحده يفنى.. وأما المشيعين فهم أحياء أو خالدين فيها أبدا ... ! بل الأغرب أنهم يرسمون على شفاههم بسمات واسعة عريضة،بدون أدنى سبب وكأنهم على مقربة من الدخول لأحد قاعات الأفراح ، وليالي الملاح ، وجلسات السمر..رغم شذوذ أولئك القوم ،والذين قد يعتبرهم البعض أمرا عاديا ... إلا أن هناك من نودعهم لكنهم يسكنون نبض قلوبنا ،وتخيم ذكراهم جوف حنايانا ، وإما هؤلاء العابرون على الهامش ، فيرحلون عن عالمنا بصمت برغم أنهم على قيد الحياة ..وليتهم قد استمعوا لنصيحة الشاعر ، " قس بن سعده "والذي هو من حكماء العرب في العصر الجاهلي ، والذي قال في خطبته الشهيرة في سوق عكاظ :" يا أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ..." لكن ،ما أسرع نفاذ الرصيد المشحون بالوفاء والوقار والحب الزائف من عمق القلوب التي كُتبت على أبوابها ، مشاعر وأحاسيس تيك اواي.. ما أرخص الإنسان في أزماننا ... !!
بقلم/ حامد أبوعمرة