كي يكون غد غزة أقل بؤساً

بقلم: راسم المدهون

بعيداً من صخب الصراع بين السلطة الفلسطينية وقيادة حركة حماس حول راهن غزة ومستقبلها ثمة حقائق نعتقد أن أوان حسمها والإقرار بها قد حان منذ وقت طويل. أولها عبثية الإصرار على وهم إجبار العالم على الاعتراف بحكومة حماس. فالتجربة المرة والبالغة القسوة تؤكد لكل ذي سمع وبصر عكس ذلك. لا أحد في عالم اليوم سيلتفت لعذابات غزة المحاصرة من خلال ربط فتح المعبر بوجود شرطة حماس. وحماس تعرف هذا وآن الأوان لعودة الأمن العام للسلطة الفلسطينية للإشراف على المعبر، ونعتقد أن مواطني غزة يستحقون هذه "التضحية"، إن لم نقل أكثر منها.

فوق ذلك آن لسلطة الأمر الواقع الحمساوية أن تكف عن اصرارها على تكريس حكمها الواحد والاستفراد بالقطاع وأهله وما استتبع ذلك من قوانين زجرية فرضت على مواطني غزة سلسلة لا تنتهي من ممنوعات تنتمي لفقه الإخوان المسلمين ولا تمت بصلة لتراثنا الاجتماعي. الأصل في حياتنا السياسية هو التشارك وليس التفرد، كما أن ما أخذ بالانقلاب لا يستطيع أن يؤسس لأية شرعية من أي نوع كان. لا يفيد هنا وهم اللعب على مشاعر الناس عن التنسيق الأمني كلما اشتد الخلاف مع رام الله والصمت عن هذا التنسيق حين تهدأ حال التوتر.

ما تعيشه غزة منذ انقلابكم الأسود لا يجوز الاستمرار في المكابرة عليه خصوصاً توريط القطاع وأهله في أتون خلاف جماعة الأخوان المسلمين مع مصر فأهل غزة لا ينقصهم خلاف من هذا النوع ولا يعنيهم رفع شعار رابعة وكأن مواطني غزة مجرَد أعضاء لدى مرشد الأخوان.

لا بد من وعي قدسية وحدة فلسطين الجغرافية والسياسية والكف عن العبث بها والاستهتار بمصيرها فالخلاف مع قيادة السلطة الفلسطينية وأبو مازن لا يجوز أن يستمر ذريعة وحجة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، خصوصًا أن الفوز في الانتخابات التشريعية كان لمن يحتاج التذكير فوزًا في انتخابات جرت على أساس "القانون الأساسي" للسلطة وكان من فداحة الغلو نسيانه والخروج عليه ثم التباكي على مقولة الفوز في الانتخابات باعتبارها نهاية كل شيء وفصل ختامه.

لا بد من وقفة جدية لقيادة حماس تراجع خلالها تجربتها منذ الانقلاب حتى اليوم والعودة عن تلك اللحظة السوداء والعودة منها الى الكل الوطني للتلاقي على برنامج ترميم للوحدة الوطنية الفلسطينية بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية تعيد الروح للحياة السياسسية وتضع أسساً صلبة لإعادة اعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي. لقد عاشت غزة مناخاً سياسياً سمته الأبرز مقاومة الاحتلال بكل أشكال المقاومة وأبرزها الكفاح المسلح، وقدم أهلها آلاف الشهداء خلال العقود التي أعقبت 1967 وهم اليوم يعيشون آلام حصار خانق وطويل جعلهم يعانون الفقر والبطالة وما ينتج منهما بالضرورة من تفشي الجريمة وانتشار المخدرات على نحو غير مسبوق.

نقول هذا ونأمل بأن يكون غد غزة أجمل من راهنها أو اقل بؤساً.

راسم المدهون

* كاتب فلسطيني