يتسائل البعض او كثيرين لماذا يلتزم ابناء فتح وقطاع غزة بعدم التظاهر على الظلم الواقع عليهم محتملين مجزرة الرواتب، ملتزمين بقرارات القيادة الفلسطينية حتى بدون وجود وعودات بينة بإعادة ما تم خصمه سوى الامنيات؟!!!
ان من ابجديات الامن او المنظومة الامنية ابقاء حالة الامل والحلم لدى الناس بان الغد القادم افضل، وان هناك خطوات حتى وان كان ظاهرها فقط هو من اجل حياة افضل لضمان نوع من الاستقرار، ان فقدان الامل يعني فقدان الامن والسلم المجتمعي..
قبل نحو عام كتبت مقالاً بعنوان " الموت لغزة " ، لان كل المؤشرات تقول ان غزة ماضية نحو نهاية محتومة اما الموت لأهلها جوعاً او حرقاً نتيجة ازمة الكهرباء او بصواريخ الاحتلال، فلا منفذ او بوابة للهروب، على عكس كل الحروب التي نعرفها ونسمع عنها انه يتم ترك بوابة يحددها المعتدي او المنتصر لخصمه للهروب حتى لا يضطر لارتكاب جرائم ابادة بشرية كاملة ، الا ان الوضع في غزة مختلفاً فلا طريق للنجاة من الموت الا الغرق في بحر غزة او كما قالها اسحاق رابين انه يتمنى ان يصحو من النوم ليجد البحر قد ابتلع غزة..
وفي قراءة سريعة لما حدث ، فان قرارات الحكومة شكلت صدمة مذهلة لأهالي غزة جميعاً، وكان التبرير اقتصادي وهو ما كذبته الاحصاءات والارقام الصادرة عن مؤسساتها وبالتالي شعر الجميع بالخطر، ولكن سرعان ما استدركت المنظومة السياسية والامنية الخطر وبدأت بتعديل الخطاب من خلال الاعلان عن توجه وفد من مركزية فتح الى قطاع غزة لإنهاء الانقسام وتبعاته وهو ما يعني الكثير لأهالي غزة الذين يعيشون ظلم كبير منذ عشرة سنوات..
ان التزام اهالي غزة بالصمت، وترقب ما سيحدث في الايام المقبلة ، يعكس انهم يعيشون على امل كبير عنوانه عودة غزة للحياة بما هو اكثر من خصومات الرواتب، صحيح ان حالة الترقب والانتظار لن تستمر طويلاً لان من سيعطل عودة غزة للحياة سيدفع ثمناً باهظاً من غل وكراهية وغضب الناس..
نجحت المنظومة السياسية والامنية في اعطاء اهالي غزة بريق من امل، ولكن هذا البريق لن يكون له مفعول السحر الدائم لان غزة لم تعد صالحة للعيش وتبحث وسط رمالها عن من يحييها بالمياه ويعيد البهجة لها، ان الامر يتعدى مجرد التزام تنظيمي الى ما هو ابعد من ذلك بانتظار المجهول الذي يحمل معه انهاء سنوات الانقسام العجاف بما حملته من الالام ومأسي عظام على كافة الاصعدة الحياتية.
ويتخيل البعض ان اهل غزة سئموا الانقسام الى حد الذهاب الى ثورة في وجه حماس، وهذا بالطبع من الممكن حدوثه لان الثورات تحدث نتيجة تراكم الظلم، ولكن المختلف هنا ان الشركاء في ظلم غزة واهلها كثر منهم الاعداء ومنهم الاقربون، وبالتالي في وجه من تثور غزة وظالميها متحدين على ظلمها حتى بدون اتفاق بينهم..
ويتجاهل البعض ما فعله عقد من الزمن في اجيال اصبحت شبه مدمرة، ربع مليون نسمة يتلقون علاجاً نفسياً نتيجة ظلم ذوي القربى، وربع مليون مدمن مخدرات ، وربع مليون عاطل عن العمل، ومليون ونصف المليون تحت خط الفقر، أليس هذا هو الموت بعينه؟!!!
كتبت في مقال الموت لغزة قبل عام " يظن البعض ان الضغط على اهل غزة سيولد الانفجار في وجه حكامها من حماس متناسين ان من صنعوا الثورات لم يكونوا يوما من الجوعى او الباحثين عن لقمة العيش في اكوام القمامة، لان الجوعى لا يمكنهم ان يفكروا الا بكيفية الحصول على الطعام وليس بالثورة على احد مهما كان" ..
قبل عشرة سنوات كنت في زيارة لمصر بعد الانقلاب والانقسام الاسود لإكمال الماجستير، وحطت رحالي في بيت احد اصدقائي ممن اكتووا بنيران الانقسام البغيض ، لأجد عشرات المتلهفين للعودة لغزة من ابناء فتح الرائعين الذين شاءت الاقدار ان يغادروا الوطن بعد الانقسام، وكان السؤال لي بصفتي صحفي كم ستحتمل حماس خازوق غزة؟ ومتى ستسلم او متى سينتهي الانقسام ؟؟
ترددت كثيراً .. في ان اقول ان الانقسام طويل وقد يصل الى عشرة سنوات او اكثر ، واردت تخفيف وقع الصدمة عليهم ويا ليتني وقتها لم افعل.. اجبت ان الامر بحاجة الى سبعة سنوات وكانت الثورة ضدي واتهمت بانني لا اعرف قراءة الاحداث، ومضت السنوات العشر العجاف ولم ينتهي الانقسام..
واذكر جيدا انه عندما سئل القيادي في حماس محمود الزهار عن الانتخابات بانه قال طالما ان فتح بقيت في التشريعي 12 عاما، فنحن سنأخذ حقنا وهذه انتخابات لاثنا عشر عاماً ، وهكذا مرت السنوات فهل كان هذا التعبير جدي الى هذا الحد؟!! وهل بالفعل اخذت حماس ما تريده وسنرى قريباً انتخابات جديدة يفوز بها كيان اخر او تعود فتح لاثنا عشر عاماً جديدة؟!!
مضت السنوات .. وللأسف الكل يستعرض عضلاته ويناور ويتحالف هنا وهناك ، ولكن لم يفقد الشعب الامل بان يكف الساسة عن مناوراتهم وحساباتهم وان تكون معاناة والالام الناس هي عنوانهم ورجائهم ومبتغاهم لإنهائها..
الامل .. هو فلسفة الحياة والاخرة .. لا تفقدوا غزة حلمها .. ولا تنفذوا وصايا اعدائها بان يلتهم البحر من فيها..
الامل .. هو عنوان المرحلة في غزة فلا تستعجلوا موتها!!
الامل .. هو عنوان البسطاء الفقراء ممن يسعون صباحاً على قوت ابنائهم فهل بغزة مصدر رزق لهم؟!
الامل .. ان تضحي الناس بلهفة وشوق، فهل غزة عائدة للدنيا ام اضحت قطعة من جهنم؟!!
الامل .. نجاح للأمن والساسة في تمرير سياساتهم واكتساب محبة الناس..
الامل ... هل تتحول امال غزة واحلامها بإنهاء الانقسام حقيقة خلال الايام القادمة، ويكف الساسة عن المراوغة والمناورة..
الامل .. كبيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييير ، كبيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييير.. ويا ترى من يحقق امال غزة؟!!!
د. حسن دوحان
باحث واعلامي