فيثاغورسية توازن الرعب والشرق الاوسط والسلام العالمي

بقلم: سميح خلف


تتحدث الدول العظمى عن السلام العالمي بوجهة نظرها وما تمتلكه من ترسانة نووية كأداة لفرض صيغة للسلام العالمي مبنية على أسس الظلم والاضطهاد للدول النامية بشكل عام ولشعوب العالم النامي بشكل خاص.
معادلة اقتصادية ظالمة تقود العالم إلى حروب وإلى استعمار وإلى احتلال تحت مقولة ” السلام العالمي ” وتحت شعار ( العالم المنتج والعالم المستهلك ) ، من هذا المفهوم تقوم الدول العظمى وبغطرسة متناهية وبلا حدود اضطهاد الشعوب النامية التي تبحث عن دور لها في القرن 21 وخاصة بما يتعلق في إيجاد معادلة أكثر اتزانا بين مجموعة المنتجين والمستهلكين .
وبحقيقة هذا الواقع تنطلق عدة حروب قديمة وحديثة ابتداء من الثورة الصناعية في فرنسا إلى الحرب العالمية الأولى والثانية ونتائجها على الواقع الدولي ، ومن هنا كرست الدول المنتصرة وخاصة في الحرب العالمية الثانية ما أتت به الحرب العالمية الأولى وخاصة في منطقة الشرق الأوسط من تكريس لاتفاقية سايكس بيكو من تقسيم جغرافي بخطوط سياسية جغرافية متداخلة أحيانا ً بين المناطق وبعضها لتحقق التناقض بين الكيانات الوليدة كقضايا الحدود والثروات وهذه الشواهد التي أتت بعدة مشاكل على واقع الأمة العربية في صراع الحدود بين السعودية واليمن وبين المغرب والجزائر وجزر الخليج المتنازع عليها ونزاع الحدود المجمد بين مصر وليبيا والذي فجر في عهد السادات، وكذلك وعلى قمة الحدث في القرن 21 حرب الخليج وغزو الكويت والمشكلة القائمة الآن على مزارع شبعا ومدى أحقية كل من لبنان وسوريا عليها، وكذلك مناطق أخرى لم نذكرها في التداخل الجيو سياسي في المنطقة العربية .
من أثار هذا التقسيم اعتبرت المنطقة العربية منطقة فراغ لا بد من ملئها وخاصة أنها منطقة تمتلك كم عديد من الثروات وخاصة الثروة البترولية ومصادر المياه والأراضي الزراعية التي تتوفر في كثير من المناطق العربية والتي غابت الاستراتيجية العربية عن فهم حقيقي لمقدار هذه الإمكانيات التي يمكن أن تجعلها دولة موحدة اقتصاديا ً وسياسيا ً وجغرافيا ً ولتجعل منها أيضا كيانات قادرة على التعامل فيما بينها ومع العالم الخارجي وبذلك ومن هذا المنظور كانت يمكن أن تكون قادرة على ملئ الفراغ ذاتيا ً والحد من الأطماع الخارجية لملئه
في القران 21 شهد صراعات حول نظرية توازن الرعب كوسيلة لتحافظ الأمم على تاريخها وانجازاتها على أرضها وعلى سبيل المثال ما حدث في شبه القارة الهندية وامتلاك السلاح النووي في كل من الهند وباكستان ، وكما يحدث في كوريا الشمالية وامتلاكها للقدرة النووية وما حدث في الصين تلك الدولة النامية التي استقلت في أواخر الستينات وحققت تقدما ً اقتصاديا ً وتكنولوجيا ً ونوويا ً كوسيلة لتوازن الرعب لتحفظ كياناتها أمام الأطماع الامبريالية التي تقودها أمريكا والدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا، هذا وجه من وجوه تحقيق السلام العالمي الذي لا يمكن تحقيقه بسيطرة القوي على الضعيف .
نظرية توازن الرعب نظرية صحيحة والتفكير فيها والعمل عليها هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الذات والتي قطعت فيها بعض الدول مشوار طويل وحفظت ذاتها ووجودها وحفظت قرارها الوطني ، فمن الملاحظ أن توازن الرعب يمكن أن يأخذ أشكال متعددة :-
*
توازن رعب نووي تعمل بعض الدول النامية على امتلاك القدرة النووية وهذا يفتح مجال المواجهة المباشرة مع الدول المسيطرة على مجلس الأمن لسبب بسيط أي امتلاك للدول النامية للسلاح النووي يعتبر تهديد للمعادلة الاقتصادية العالمية ويهدد مصالح تلك الدول بقدرة الدولة النامية على سيادتها على أرضها وثرواتها وهذا ما يحدث من مواجهة مستمرة بين كوريا الشمالية وأمريكا وبين أمريكا والدول الغربية من ناحية وإيران وفي سابقة لذلك اجتياح العراق وتدمير مفاعلها النووي ومنظومة العقوبات الصارمة على كل من ليبيا والسودان والتي ألت إلى خروج تلك الدول والتخلي عن برنامجها النووي أما بالقوة أو بالحصار والضغط ، أما باكستان كدولة نامية استطاعت وفي ظل الحصار والممانعة الأمريكية الغير جادة ولعدة اعتبارات إقليمية ودولية أن تحصل على السلاح النووي لحفظ توازن الرعب بينها وبين الهند في شبه القارة الهندية .
*
توازن رعب يتحقق عن طريق الردع الاقتصادي وأذكر في هذا المجال عندما ذهب بوش الأب إلى اليابان طالباًَ من اليابانيين دعم الين الياباني للدولار الأمريكي ومناقشة قضية تسويق اليابان لمنتجاتها من السيارات والأجهزة الالكترونية والتي غزت أوروبا وأمريكا وأصبحت تهدد المنتج الأمريكي خاصة حينها وعند إبداء ممانعة رئيس الوزراء الياباني لطلبات بوش الأب أغمي عليه وهذا يبرهن أيضا على قدرة القوة الاقتصادية لفرض معادلة توازن الرعب مع الخصم وهذا مالم تستطع أن تحققه الدول العربية والخاصة منها الطموحة ، فحينما استقبل الرئيس جمال عبد الناصر الخبراء الألمان من ألمانيا الشرقية وعندما وضع برنامج طموح للرقي بالتسليح المصري وبتنمية الاقتصاد وتحويل مصر إلى دولة منتجة كانت حرب 67 لتدمير الاقتصاد المصري ومن قبلها قامت أمريكا وإسرائيل باغتيال غالبية الخبراء على أرض مصر وكانت حرب 67 هي استدراج للطموح المصري الحضاري والذي تم تدميره في تلك الحرب وانتهى بشكل نهائي بوفاة قائد الثورة المصرية .
من خلال ما سبق لم تستطع الدول العربية الصمود أمام الهجمة والحصار الأمريكي والأوروبي التي تعرضت له البنية الاقتصادية والتكنولوجية العربية واذكر في هذا المجال وبالرجوع بالذاكرة أعتقد لعام 68 وحينما زار وفد فلسطيني برئاسة القائد الفلسطيني أبو جهاد الصين وبينما كانوا على مأدبة عشاء وفي نهاية الحفل بادر الزعيم الصيني شون لاي قائلا أعرف أنكم كعرب تحبون الشاي ما بعد العشاء ولكن للأسف لا يوجد في الصين شاي ؟؟!!! فأعتقد الوفد الفلسطيني أن القائد الصيني يداعب الوفد الفلسطيني أو يمازحه فطلبوا التوضيح لذلك فقال : إنني جاد في حديثي فلقد طلبنا استيراد الشاي وهي عبارة عن شركات احتكارية أمريكية فكان لها شروط وجدنا أنها مجحفة باستقلال الصين وحريتها ولجئنا للشعب الصيني نستفتيه في الأمر، ووضع الشعب الصيني كلمته( لا للشاي ) ، وعند إذ اعتبرت القيادة الصينية أن قرار الشعب غير كافي للحفاظ على الاستقلال الاقتصادي والسياسي ولذلك طلبت القيادة الصينية من الشعب الصيني وضع برنامج وخطة لزراعة الشاي ثم في مرحلة تالية لتصدير الشاي وبالتالي انتقلت الصين إلى مصدرة رئيسية للشاي مع الملاحظة أن الصينيون شغوفين بشرب الشاي مثلثهم مثل العرب ونالت الصين استقلالها بعد كثير من الزمن من اعلان استقلال لكثير من الدول العربية .
في هذا السياق اصبحت تمثل مجموع الدول العربية منطقة فراغ اقتصادي وانتاجي على ضوئه تحدد المواقف السياسية ومقدرتها على الممانعة للغزو الأمريكي الأوروبي الذي في مفهومه يجب أن تبقى شعوب الشرق الأوسط والمنطقة العربية خاصة شعوب مستهلكة تبحث عن مظاهر التكنولوجيا وليس عمقها وأمام تحدي أخر فرضته نمور أسيا على المعادلة الاقتصادية الدولية .
من هنا وجدت إسرائيل لتحقق قوة ردع إقليمية لأي بادرة تقدم في اتجاه تطوير قدرات الشعب العربي نحو انتقالها من قوى مستهلكة إلى قوى منتجة وهذه الظاهرة التي تسمى إسرائيل من أساسيات عمل الغزو الأوروبي الأمريكي في ما بعد ، وعندما نذكر وفي بعض الجمل الحرب الباردة بين الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتي والدول الغربية وأمريكا كان هناك توافق حول الحد الأدنى من المعادلة الاقتصادية ونظرتها إلى المجتمعات العربية حيث نذكر أن من أول من اعترف بإسرائيل هو الاتحاد السوفييتي ويمثل المهاجرين السوفييت إلى أرض فلسطين الكم الهائل والتجربة الأمنية والقتالية من المدرسة السوفييتية وأوروبا الشرقية ، لقد عمل الاتحاد السوفييتي على بقاء نظرية التوازن الجانح إلى إسرائيل في عملية التسليح وكذلك التوازن في الطرح السياسي للكتلة الشرقية وعدم أخذ خطوات جادة أمام الاعتداءات المتكررة والأطماع الصهيونية وبشكل مختصر أصبحت تمثل منطقة الوطن العربي سوق للتسلح لكلى الطرفين وترويج لصناعاتهما التكنولوجيا التي تعود عليهما بعائدات اقتصادية عالية .
منطقة الفراغ التي اتفقت كلا الأطراف على ملئها بوجود إسرائيل وكبح أي قوى صاعدة من الوطن العربي مثل مصر والعراق ودول عربية أخرى عملت السياسة الأمريكية على تثبيت هذا المليء من خلال المواقف المنحازة لإسرائيل في كل غزواتها وطموحاتها المعتدية على الواقع العربي وما طرح من مبادرات سلام لحل الصراع العربي الاسرائيلي كانت مبادرات في جوهرها منحازة كليا لتثبيت الوجود الصهيوني وبالمقابل كانت السياسات العربية الرسمية المحتواه اقتصاديا وسياسيا غير قادرة على أخذ مواقف ولو بالحد الأدنى لصالح الجماهير العربية وقضاياها الوطنية وقبلت بحقيقة قبول الإملاءات وفي جميع الأزمات يعبر هذا الوجود الرسمي عن حالة من الترهل والغيبوبة التي تؤشر إلى مؤشر واحد هو نزع قرارها وسلبه ولذلك أصبحت إسرائيل هي جوهر الفعل الأمريكي الأوروبي المطلوب الحفاظ عليه وعلى أداءه في المنطقة العربية ولذلك مازال الشعب الفلسطيني بعيد عن حقوقه الوطنية ولذلك وقعت الثورة الفلسطينية في منطقة عمل منطقة الفراغ التي ما لبثت أن حوصرت وتم دفعها إلى خندق النظام الرسمي العربي وسيقت إلى أوسلو وتبعاتها والموافقة على الاعتراف بإسرائيل كوجود على الأرض الفلسطينية وسيادة على أمل أن يحقق للشعب الفلسطيني جزء من حقوقه على الأرض في دولة طرحت من الرئيس الأميركي بوش والتي لم ترى النور للآن وتقوم إسرائيل بدعم أميركي أوروبي بتسوية جوهر المشكلة الفلسطينية كحقوق ومطالب وطنية ولذلك إسرائيل لا زالت تعمل في منطقة الفراغ والنظام الرسمي العربي عاجز عن ملء هذا الفراغ وبالتأكيد كان لعملية سقوط النظام العراقي مؤشر بعيد المدى على جوهر الصراع في المنطقة على المستوى الذاتي والإقليمي .
إيران والطموح في ملء الفراغ :-
بلا شك أن السياسة الأمريكية المتخبطة قد وقعت في خطأ كبير حينما أشعلت حرب الخليج وأوكلت النظام العراقي لتقييد الثورة الإيرانية وأطماعها في المنطقة العربية حسابات كانت خاطئة حينما تصورت أن النظام العراقي قام بإضعاف الثورة الإيرانية والحد من طموحاتها وكذلك تصورهم بأنه آن الأوان لإضعاف النظام العراقي أيضا لكي تتفرد إسرائيل في المنطقة ولم يكن بحسبان السياسة الأمريكية أن هناك مواقف إقليمية ودولية ومناطق مصالح ونفوذ لكل من روسيا والاتحاد السوفييتي في المنطقة حيث تصورت أميركا أن روسيا أضعف من أن تلعب دورا إقليميا ودوليا فكان الخطأ أن أسقطت نظام صدام حسين أولا الذي يهدد إسرائيل فعليا ومن ناحية أخرى حينما أغفلت قوة الفعل الروسي الذي يتطلع للحفاظ على مصالحه وتوازن الرعب في المنطقة ولذلك انتفضت إيران بالمفاعلات السوفييتية لكي تحدث خلل إقليمي ودولي في المنطقة محاولة وضع يديها في اللعبة العراقية أولا وثانيا كوجود إقليمي يملأ منطقة الفراغ على أبواب مناطق مصادر البترول في الخليج ولذلك أصبح الوطن العربي واقعا بين فكي كماشة بين الطموح الإيراني في ملء الفراغ ورأس الحربة الإسرائيلي للمنظومة الأمريكية الغربية موقف لا تحسد عليه الشعوب العربية المسلوبة الإرادة الآن حيث لم يستغل عامل الزمن بل تسابقوا إلى الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة النووية في حين أن إسرائيل لم توقع على تلك الاتفاقية وتمتلك العدد الهائل من الرؤوس النووية ولذلك حكم النظام الرسمي العربي على شعوب المنطقة أن تبقى في حالة مجتمعات استهلاكية واقعة تحت رغبة القوى المتصارعة على المنطقة وأصبحت قضية فلسطين واقعة أيضا بين الطموح في الاستقلال والحرية والتحرير إلى متلقي آلام الوضع الرسمي العربي وآثاره على القضية الفلسطينية إيران التي اخترقت العمق العربي حينما تخلى النظام الرسمي العربي عن المقاومة وحاصرها تحت مفهوم السلام خيار إستراتيجي ها هي إيران تثبت صلابة موقفها في المفاوضات الدبلوماسية مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي وفي نفس الوقت ومن خلال المقاومة الإسلامية تمتد أذرعها إلى عمق إسرائيل في فلسطين المحتلة فيحيفا وبيسان والشمال الفلسطيني ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي .
إذا لتحقيق السلام العالمي يجب أن يكون هناك توازن في الرعب بالمفهوم الكلاسيكي للحروب أو بالمفهوم النووي ولكي تجد الأمة العربية وجودها على الخارطة العالمية هل تستطيع أن تقطع ما خسرته من الزمن واستغلاله في بلورة منظومة اقتصادية تكنولوجية عربية أم أن الزمن قد قفز عن واقعها في ظل وجود تناحر وصراع على ملء منطقة الفراغ في العالم العربي بين إيران وإسرائيل والغرب من ناحية أخرى والذي يشير إلى التشاؤم والإحباط أن النظام الرسمي العربي قد حدد خياراته في هذا الصراع منحازا انحياز كامل إلى المنظومة الأمريكية الغربية الإسرائيلية في صراعها مع القوة الفتية الإيرانية وطموحاتها في المنطقة العربية .
سميح خلف