نظراً للجدل الذي دار أمس بعد إرسال مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية رسالة للرئيس محمود عباس للمطالبة بعدم نشر تعديل قانون الإجراءات الجزائية الصادر بتاريخ (18/04/2017) في الجريدة الرسمية وإلغاءه، أوضحت النيابة العامة موقفها من التعديل القانوني ومن رسالة المؤسسات.
واعتبرت المؤسسات أن التعديل القانوني يمنح النائب العام أو من يفوضه باتخاذ إجراء منع السفر أو إدراج أسماء ضمن قوائم ترقب الوصول.
لكن النيابة العامة اعتبرت في بيان لها،، أن ما سمته ادعاء إجراء المنع من مغادرة البلاد يخالف المواثيق الدولية القانون الأساسي الفلسطيني بالخصوص عارٍ عن الصحة ويخالف صريح نص المادة (20) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، والمادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 المتعلقان بحرية التنقل والمنع من مغادرة البلاد الذي، موضحة ذلك على النحو التالي:
نصت المادة 20 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته على التالي:
"حرية الإقامة والتنقل مكفولة في حدود القانون".
في حين نصت المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 المتعلقة بالمنع من مغادرة البلاد على الآتي:
1. لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته.
2. لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.
3. لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد.
4. لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده.
واعتبرت النيابة في بيان لها أن المواد المذكورة توؤكد أن حرية التنقل أو مغادرة البلاد سواء على صعيد القانون الأساسي الفلسطيني المادة (20) المذكورة أو على صعيد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المادة (12/3) مكفولة في حدود القانون، أي أنها ليست مطلقة ويجوز تقييدها بموجب القانون لضرورات حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
وأعربت النيابة العامة عن استهجانها بسبب اعتبار مؤسسات حقوقية أن النائب العام غير مختص باتخاذ قرار منع المتهم من مغادرة البلاد على اعتبار أن النيابة العامة جهة تنفيذية وقرار المنع من السفر يفترض أن يصدر عن القضاء باعتبار ان المحاكم وحدها هي من تصدر الاوامر القضائية. معتبرة أن الأوامر القضائية وفق صحيح نص المادة 11/2 من القانون الاساسي الفلسطيني تمارسها النيابة العامة بصفتها شعبه من شعب السلطة القضائية، مثل الأمر بالتفتيش والقبض ومنع مغادرة البلاد... وغيرها، وإن القول بغير ذلك يتنافى مع القانون والفقه واجتهادات المحاكم التي فرقت بين الأوامر القضائية التي تصدرها النيابة العامة والأحكام التي تصدرها المحاكم كالعقوبات الأصلية والتكميلية والتبعية. اما حجة البعض بأن النيابة العامة جهة تنفيذية وبالتالي لا تصدر الأوامر القضائية ومنها المنع من السفر أو المغادرة قول ينافى مع صحيح القوانين السارية للأسباب التالية:
1. إن القانون الأساسي لسنة 2003م وتعديلاته بما تضمنه من تقسيم لأبواب خصص الباب الخامس منه لتنظيم أعمال السلطة التنفيذية ولم يأت هذا الباب على ذكر النيابة العامة باعتبارها أحد أذرع السلطة التنفيذية، في حين أتى الباب السادس المتعلق بالسلطة القضائية على تنظيم النيابة العامة وذلك في المادتين (107) و(108)، ما يؤكد الجهة التي تتبع لها النيابة العامة وهي السلطة القضائية وليس السلطة التنفيذية، كما يتضح من خلال الرجوع إلى المادة (76/2) من القانون الأساسي المذكور على بأن المشرع أناط بالنيابة العامة وظيفتي الادعاء والتحقيق، مما يعني أن إرادة المشرع انصرفت إلى منح النيابة العامة صلاحية القيام بأعمال قضائية.
2. إن الطريقة التي يتم فيها تعيين النائب العام بقرار من فخامة رئيس الدولة بناء على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى وفقًا للمادة (107) من القانون الأساسي ولنص الفقرة الثانية من المادة (63) من قانون السلطة القضائية تدل على اعتبار النيابة العامة شعبة من شعب السلطة القضائية، حيث أن الذي ينسب تعيين النائب العام هو مجلس القضاء الأعلى وليس الحكومة/ مجلس الوزراء، وهو ذات الحال في آلية تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس المحكمة العليا الذي ينسب تعيينه لفخامة رئيس الدولة من قبل مجلس القضاء الأعلى، هذا بالإضافة إلى أن النائب العام يعتبر عضوًا أصيلاً في مجلس القضاء الأعلى وفقًا للفقرة الثانية من المادة (37/2/ه) من قانون السلطة القضائية.
3. انفرد الباب الخامس من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 ببيان التنظيم القانوني للنيابة العامة المواد( 60-73).
حيث أحالت العديد من مواد هذا الباب إلى الأحكام الخاصة بالقضاة فعلى سبيل المثال، أحالت المادة (61) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 إلى المادة (16) من ذات القانون فيما يتعلق بالشروط اللازمة لتعيين عضو النيابة العامة، وهي ذاتها شروط تعيين القضاة، كما وضحت المادة (71) من ذات القانون أن أحكام الفصل الثالث من الباب الثالث المتعلقة بواجبات القضاة تسري على أعضاء النيابة العامة، وينسحب الأمر ذاته على أحكام الفصل الرابع من الباب الرابع المتعلق بمساءلة القضاة تأديبيًا، إذ تسري أحكام هذا الفصل على أعضاء النيابة العامة كما تسري على القضاة على حد سواء وفقًا لنص المادة (72)، كما جاءت الفقرة الأولى من المادة (74) من القانون لتحيل إلى الفقرة الثالثة من المادة (18) فيما يتعلق بقواعد ترقية القضاة وحساب أقدميتهم. وهذا ما استندت إليه محكمة العدل العليا الفلسطينية في العديد من أحكامها كالدعوى رقم (37/2003) والذي جاء فيه: "بأن المحكمة العليا هي المختصة بنظر الطعون المقدمة من أعضاء النيابة العامة فيما يتعلق بأوضاعهم الوظيفية شأنهم في ذلك شأن القضاة".
4. إن تعيين أعضاء النيابة العامة يتم بقرار من فخامة رئيس الدولة، تماما كطريقة تعيين القضاة الذين يعينون وفقًا للمادة (18) من قانون السلطة القضائية.
6. أجازت المادة (18/1/ج) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 تعيين عضو النيابة العامة لشغل الوظيفة القضائية، ولو كان أعضاء النيابة العامة يخضعون للسلطة التنفيذية لما كان هذا النص موجودًا، وكان يتحتم على عضو النيابة العامة الدخول إلى جهاز القضاء بطريق التعيين ابتداء.
7. هذا كما أن محكمة العدل العليا الفلسطينية في الدعوى رقم (82/2012)، حسمت موضوع الصفة القضائية للنيابة العامة حيث ورد في حكمها التالي: "... النيابة العامة جزء من الهيئة القضائية لا الإدارية وتصرفاتها تعد من الأعمال القضائية سواء أكانت متعلقة بجمع الاستدلالات مما يباشره أعضاؤها بوصفهم رؤساء لمأموري الضبط القضائي أم بأعمال التحقيق أم الاتهام وفي هذا وحده ما يوجب القول باستقلال النيابة العامة عن جهة الإدارة..". هذا بالإضافة إلى قرار محكمة العدل العليا المصرية رقم (8791 لسنة 47 ق . عليا ـ جلسة 3/7/2004م– الدائرة الأولى)، الذي أكد على نفس المبدأ وبأن النيابة العامة هي وريثة قاضي التحقيق وأن قرار النائب العام بالمنع من السفر هو قرار قضائي وبان النيابة العامة هي شعبة أصيلة من السلطة القضائية.
وقالت النيابة إن "الادعاء بمظنة عدم الدستورية على القرار بقانون الصادر عن سيادة الرئيس بتعديل قانون الإجراءات الجزائية المذكور من قبل البعض قولٌ لا يقف على قدمين كون الجهة الوحيدة في الدولة المخول لها البت في دستورية التشريعات أو تفسيرها هي المحكمة الدستورية العليا وفقا لقانون المحكمة الدستورية العليا لسنة 2006م، وبالتالي لا يجوز لأحد أو أي جهة كانت الزعم بأن التعديل المذكور غير دستوري. وعليه بإمكان أي جهة إذا ما رأت أن التعديل المذكور غير دستوري أن ترفع دعوى لدى المحكمة الدستورية العليا للطعن عليه بعدم الدستورية".
وأشارت إلى منح النيابة العامة صلاحية المنع من السفر في التشريعات العربية المقارنة، فقد نصت العديد من التشريعات العربية على منح النيابة العامة أو قاضي التحقيق الذي تقوم بمهامه النيابة العامة لدينا على منع المتهم من مغادرة البلاد، وفق النيابة.
وذكر البيان "تؤكد النيابة العامة وبعد الجدل الذي دار بشأن تعديل قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني الأخير بأنها الأحرص على سيادة القانون في الدولة، وبأنها هي الأمينة على الدعوى العمومية وهي حارسة العدالة في الدولة والسياج الحامي لها وبأنها تمارس الصلاحيات الممنوحة لها سواء في قانون الإجراءات الجزائية أو في أي تشريع آخر بمسؤولية عالية باعتبارها وكيلا وممثلاً عن المجتمع والدولة والحريصة على الحقوق والحريات، وبأنها تسعى إلى محاربة الجريمة والحد منها ومنع المجرمين من الإفلات من العقاب بهدف محاكمتهم، كل ذلك بما يضمن عدم المساس بضمانات المحاكمة العادلة. مؤكدين في إطار دولة القانون أن من حق كل من يدعى خلاف ذلك الطعن لدى المحكمة الدستورية العليا أصولاً".
وكانت منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية أرسلت رسالة للرئيس محمود عباس أمس طالبته فيها بعدم نشر القرار بقانون في الجريدة الرسمية وإلغائه
