مُخطِئٌ هو ذلك الذي ما زال يعتقد بأن فطرة الإسلام وحدها او شعارات المقاومة قد تمنع انحدار الاخلاق في المجتمع نحو الهاوية، بل ان المجتمع وان كان مسلما ومقاوما ,ومهما بلغت تضحيات ابنائه من اجل استقلال وطنهم والرقي به فانه يحتاج الى اكثر المقومات الامنية لتحصينه ,ليس من اجل الوقاية من المخاطر الخارجية فقط ,بل والوقاية داخليا تحقيقا لسيادة العدل والرخاء والطمأنينة ايضا وخاصة كلما زادت تلك التضحيات ,حيث يحتاج ابناء المجتمع الى حياة خالية من الجريمة وليس تصاعدها كما هو الحال في قطاع غزة الان ,فلا يكاد يمر يوم دون ان نسمع بجريمة تقشعر لها الأبدان وتشمئز منها النفوس بفعل عدم تحصين المجتمع والانحدار في الاخلاق وذلك مما احدثه الانقسام من امراض ومن بينها البطالة التي أدت باتجاه المجتمع نحو السلوك المنحرف والى عدم استقراره اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا فمن هو المسئول ؟.
لقد اثبتت كافة البحوث في مجال علم الاجرام بأن الجريمة لا يمكن ان تكون نتاج سبب واحد ,وانما هي نتاج مجموعة متغايرة ومتباينة ,حيث يرى علماء الاجتماع والجريمة بان البطالة هي من اهم عوامل انتشار الجريمة , ولذلك ومن المؤسف حقا ان نرى البطالة في غزة بازدياد متصاعد لأنه يتوافق مع ذلك ازدياد بانتشار الجريمة وبأنواعها المختلفة بفعل ما انتجه الانقسام من مشكلات واثار اجتماعية وثقافية ونفسية على مستوى الفرد ,حيث ان البطالة وكما هو معلوم تؤدي إلى آثار سلبية على تكوين شخصية العاطل عن العمل وسلوكه النفسي مما يودي إلى تغذية وتقوية شعوره بالإحباط وهذا ما يدفعه نحو الجريمة وخاصة تلك الجرائم المتعلقة بالإتجار بالمخدرات والادمان عليها بجانب ظاهرة الانتحار ,أو إلى تكوين شعور عدائي نحو الآخرين , وهذا ما يؤدي في النهاية إلى ممارسة سلوكيات منحرفة وإجرامية ومن بينها ارتكاب جرائم الاعتداء على الأموال والأشخاص والأخلاق.
حري بنا هنا ان نقرع الخزان لنحذر بان الكوارث قادمة بشكل متدحرج واقوى مما نتوقع ان لم نتفادى ما يفرزه الانقسام من مشكلات خاصة وان قضية البطالة لا يمكن اعتبارها مشكلة فردية ,وانما هي مشكلة مجتمع بفعل ما تحدثه تلك البطالة على المجتمع نفسه من عدم استقرار في ظل الانقسام الذي ما زلنا نتحمل انعكاساته وهذا ما تعلمه سلطة الامر الواقع في غزة من حيث اتساع للجرائم وتفاقم المشكلات ,فالجريمة هي دوماً حصيلة خلل في مقومات الحياة الاجتماعية وهي تدرك بان ذلك الخلل يمكن تفاقمه لا تداركه في حال استمرار رفضها لصيغ المشاركة السياسية وتحقيق الوئام مع باقي القوى ولذلك لا تجرؤ الإعلان عن خطورة البطالة في ظل الانقسام لأنها ما زالت تتحمل وحدها استمراره ,كما انها لا تجرؤ الإعلان عن احصائيات تتعلق بالجريمة من حيث صعودها وهبوطها وخاصة تلك الجرائم التي يمكن ان تكون دوافع ارتكابها هي البطالة بنوعيها.
ان العلاقة بين العوامل المسببة للبطالة والعوامل الناتجة عنها والتي من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى الجريمة والانحراف لا تحتاج الى تأكيد في ظل ما نعيشه واقعا,الا اننا امام حالة من عدم الوضوح وغياب المعلومة حول معدلات الجريمة ومستوياتها, حيت لم أجد دراسات ميدانية تعاملت مع موضوع العلاقة بين البطالة والجريمة في غزة بشكل صريح ومباشر وفقا لما هو متداول امنيا وعلميا , فأين هي الجداول الإحصائية للجرائم المرتكبة على امتداد سنوات الانقسام؟ ، واين هي تلك الدراسات التي تثبت بان البطالة هي أحد اهم الأسباب المباشرة بفعل عدم استقرار العلاقات الاجتماعية للعاطل، وتقلبها مكانياً وزمانيا؟.
على سلطة الامر الواقع في غزة ان تمتلك الجرأة للإجابة على تساؤلات ملحة ومطروحة في ظل ضبابية المشهد الفلسطيني وانعدام الرؤية نحو اي افق باتجاه الحل الاجتماعي وذلك لما تمتلكه من اجهزة امنية ,ووفقا لما تقوم به من احصاءات ان افترضنا فيها امانة المهنية والوعي الوطني في مكافحة الجريمة ,واكثر الأسئلة الحاحا تلك التي تتعلق بنفي او اثبات اذا ما كانت البطالة هي السبب في وجود ارتباط قوي بين جريمة تعاطي المخدرات والاتجار فيها ؟,وهل هي البطالة نفسها من تؤدي الى سرقات المساكن والمتاجر والسيارات ؟,وهل تستطيع حركة حماس الاتجاه نحو البحث عن حلول لمواجهة ما تحدثه الجرائم في مقومات المجتمع من حيث اتجاه سلطة الامر الواقع بالاهتمام بالبيئة التي ترعرع فيها المجرم وهي الاسرة من حيث انعكاسات ظروفها على تكوينه الأخلاقي واتجاهاته الفكرية ,ومن حيث دراسة أوضاع اسرة المجرم الاقتصادية وعدد العاطلين عن العمل بين افراد اسرة المجرم نفسها واثر الانقسام على تلك الأوضاع ؟,واذا كان كذلك ويمكن القيام بذلك على سبيل الافتراض فلماذا لا توضح اجهزتها الامنية وعبر ما تمتلكه من اعلام توضيح الفئات العمرية للمجرمين وخاصة تلك المتعلق منها بجرائم المخدرات او جرائم السرقة والاحتيال ,بالإضافة الى جرائم الانتحار ؟,ام ان توضيح تلك الفئات العمرية والتأكيد بانها من الفئات الشبابية تتطلب من سلطة الامر الواقع الوقوف أمام مسئولياتها التاريخية والدينية والأخلاقية وهي ما لا تريد ان تضع نفسها فيه؟.
على حركة حماس وهي سلطة الأمر الواقع في غزة أن تعلم بان غزة تتجه نحو الهاوية في ظل تصاعد الجريمة المنظمة بفعل البطالة التي تعتبر سبباً رئيسياً لمعظم الأمراض الاجتماعية في أي مجتمع، كما أنها تمثل تهديداً واضحاً للاستقرار الاجتماعي والسياسي ,وعليها ان تعلم ايضا بان استمرار الانقسام وعدم القيام بالتزاماتها اتجاه المواطنين دون تحصين المجتمع لا تجعل من غزة مجتمعا امنا ومستقرا يسود فيه الرخاء والعدل مهما بلغت قوة ايمان من فيه والتزامه بتعاليم الاسلام ,ومهما تصاعدت اعمال المقاومة أيضا لان شعارات المقاومة وحدها او تشديدها للإجراءات العقابية لن تجدي نفعا في مواجهة اتجاه هؤلاء نحو سلوكهم المنحرف وارتكاب الجرائم ، ولا حتى الحد من الزيادة ايضا في عدد المرتكبين للجرائم والجنح والسلوكيات الانحرافية, ولذلك فما على سلطة الامر الواقع في غزة الا الاتجاه مباشرة نحو الوحدة الوطنية لتحقيق الوئام الاجتماعي لان درء المفاسد عن المجتمع الفلسطيني تبدأ بجلب المنافع لشبابه ودرء المفاسد عن هؤلاء الشباب الذي هم امل شعبنا في التحرر والاستقلال والبناء اولى من جلب المصالح الشخصية لحركة حماس لأنها هي المسئولة عن تفشي ظاهرة البطالة ان لم تكن مسئولة عن ادامة الانقسام فهل وصلت الرسالة؟.
بقلم:ماجد هديب