عام بعد عام نقف امام ذكرى وطنية رائدة ، انها اليوم الوطني لجبهة التحرير الفلسطينية ، هذا التنظيم الذي صاغ ثوابت القضية الفلسطينية وحافظ عليها ، وقدم في سبيلها قوافل من آلاف الشهداء الأبطال ، حيث تزخر في القاموس النضالي بإرث من التضحيات الجسام التي تقدّمها سواعد مناضلي الجبهة في سبيل العودة والحرية والاستقلال ، رغم الظروف القاسية والمعقدة والمتداخلة ، وفي ظل تصاعد العدوان الصهيوني .
الا ان جبهة التضحيات والمقاومة المستمرة، هذه الجبهة التي تعرضت الى المؤامرة تلو المؤامرة حيث تتهاوت هذه المؤامرات تحت نعال المتمترسين على الثوابت، فشكل السابع والعشرون من نيسان نهر من الدماء النازفة من خاصرة هذا الوطن ،حيث يتعاظم عطاء الجبهة التي قدّمت على مذبح الحرية والاستقلال خيرة أبنائها الاستشهاديين والقادة من العظماء.
وفي اليوم الوطني ينبت الزرع وتكسوا زهرات الاقحوان بساتين الربيع نضرةً وجمالاً تعبيراً عن تواصل مسيرة النضال والعطاء من خلال الدماء والتضحيات وثمرة الانتصار ، كان ذلك بالصمود أو الشهادة.. إنه الانتصار الرافض لكل غبار الهزيمة.. إنه الإصرار على مواصلة طريق النضال.
من هنا تحتفل جبهة التحرير الفلسطينية بيومها الوطني بذكرى انطلاقتها في ظل وضع فلسطيني مترقب للعديد من السيناريوهات ، تتأرجح بين تحقيق حلم المصالحة والانتخابات ، وبين استمرار العدوان على الشعب الفلسطيني ، وبين التهديدات الاسرائيلية الامريكية لدول المنطقة كمقدمة لحرب إقليمية ، لخلط أوراق المنطقة في ضوء المتغيرات الإقليمية ، وفي ظل تغيير التحالفات ، ومشهد جديد من مد وجزر مختلف الأبعاد والاتجاهات .
امام كل ذلك لعبت جبهة التحرير الفلسطينية منذ انطلاقتها دوراً بارزاً على صعيد النضال الوطني والقومي منذ انطلاقتها فكانت عملياتها البطولية تشكل مدرسة كفاحية اضافة الى مشاركتها في الانتفاضات الفلسطينية الأولى والثانية وانتفاضة القدس الحالية، فكان لها دور هام على كافة المستويات و تحقيق نمو كبير بين صفوفها، كما اكدت على مواقفها الرافضة لكل التسويات من كامب ديفيد الى مدريد الى الحوار الفلسطيني الامريكي ورفض اتفاق اوسلو وعبرت عن أساليب فلسطينية جديدة في مسار النضال الوطني، ولن ننسى الدور الرئيسي للجبهة بعد اجتياح العدو للبنان صيف عام 1982وخروج الثورة الفلسطينية ، فكان لها عدة عمليات بطولية في مقاومة الاحتلال وفي اطار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في جنوب لبنان وبيروت التي اعترف لها الجميع بالريادة في مقاومة الاحتلال والاجتياح الصهيوني للبنان، اضافة الى دورها النضالي في توطيد وتعميق أواصر الصلة مع القوى الوطنية اللبنانية من خلال العلاقات التحالفية المشتركة .
نعم لم يكن 27 نيسان يوما عاديا في تاريخ الشعب الفلسطيني وثورته المعاصرة ، حيث شكلت انطلاقة جبهة التحرير الفلسطينية رافعة أساسية هامة للنضال الوطني الفلسطيني ، في الساحة
الفلسطينية وداخل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، واستطاعت بتميزها الفكري والسياسي والعسكري أن تسطر لنفسها ولشعبها وقضاياه العادلة تاريخاً مشرقاً ، حافلاً بالعطاء المتميز والمواقف البطولية والعمليات الفدائية الجريئة النوعية ، وقدمت خلال مسيرتها العريقة آلاف الشهداء والجرحى والأسرى في كافة الميادين والأزمنة والمواقع.
اليوم، توقد شمعة انطلاقتها المتجددة احتفالا باليوم الوطني للجبهة حيث تؤكد بأن الجبهة ستظل وفية للدلالات والمعاني التي مثلها السابع والعشرين من نيسان وفاء لجماهير الشعب الفلسطيني وشهدائه وجرحاه واسراه وكل أنّات الأمهات الثكالى ، ستظل وفية للمبادئ و القيم التي جسدها قادتها الشهداء الكبار الامناء العامين المؤسسسون القائد الوطني الكبير طلعت يعقوب وفارس فلسطين أبو العباس الذي اغتالته يد الاجرام الصهيونية والامريكية في العراق بعد عام من اعتقاله ،ونستذكر كلماته وهو في قلب المعتقل والاسر وهو يتساءل فيها عن الوحدة الوطنية وعن ضرورة إنهاء الانقسام البشع ، وكذلك ضمير فلسطين أبو أحمد حلب ،والقادة سعيد اليوسف و فؤاد زيدان ، مروان باكير ، خالد الأمين ، حفظي قاسم ، عز الدين بدرخان ، وجهاد حمو ، وابو عيسى حجير ، وبرهان الايوبي ، وحسين دبوق ، وزينب شحرور وسعاد بدران وابو كفاح فهد وعبد العريض وسعيد النمر وكل شهداء الجبهة والشعب والثورة وفي مقدمتهم الشهيد الخالد الرئيس القائد ياسر عرفات ، والشهداء القادة ابو جهاد الوزير ، الحكيم جورج حبش ،ابو علي مصطفى ، الشيخ أحمد ياسين، سمير غوشه ، بشير البرغوثي ، فتحي الشقاقي ، حيدر عبد الشافي ، عبد الرحيم أحمد ، زهير محسن، جهاد جبريل، وعشرات الآلاف الذين حملونا أمانة الوفاء للأهداف التي ضحوا من أجلها.
وها هي جبهة التحرير الفلسطينية تستكمل مسيرتها وتحمل امانة شهدائها من خلال حامل الامانة القائد الوطني المناضل الدكتور واصل ابو يوسف، ونائب الامين العام المناضل ناظم اليوسف ورفاقهم في المكتب السياسي واللجنة المركزية ، هؤلاء القادة الذين يتابعون مسيرة الجبهة ليؤكدوا على استمرار مسيرة الكفاح والنضال من اجل تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني،فلهم منا الف التحية في اليوم الوطني لجبهتنا ومن خلالهم لعموم قيادة وكوادرومناضلي واعضاء جبهة التحرير الفلسطينية، ونقول نأمل أن نرى الجبهة كما عرفناها ، وكما يفترض أن تكون ، فاعلة ومؤثرة ، ناشطة وقوية وأن تساهم مع باقي الفصائل الفلسطينية بفاعلية أكثر لإستعادة وحدة الشعب الفلسطيني ، وفي الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها ، وفي صون المشروع الوطني الفلسطيني على طريق تحقيق أهداف شعبنا المشروعة ،وأن تنهض بمستواها وحضورها وتأثيرها ، كما أرادها الشهيد القائد ابو العباس و تمناها القائد طلعت يعقوب ، وكما حلم بها القائد ابو احمد حلب وكما يسعى لتجسيدها الدكتور واصل ابو يوسف، ونحن نرى المساعي المبذولة حاليا من اجل انهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة، من خلال بوابة الوحدة والتوافق الوطني على استراتيجية وطنية واحدة وموحدة، تمكننا من ادارة المعركة مع الاحتلال الاسرائيلي بأنجع الوسائل، وتوفر مقومات صمود الشعب واستنهاض ارادته المقاومة، من خلال علاج قضاياه المعيشية، ووقف حالة الانهيار والاحباط العام، واستعادة ثقة الشعب بذاته وبقيادته.
لهذا نرى ان جبهة التحرير الفلسطينية تعلو فوق الجراح وتقتلع ما ينبت في طريقها من أشواك حيث تقدم نموذجاً نضاليا رغم الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني وهي ظروف في غاية الخطورة ، فالانقسام السياسي الذي تجاوز كل الحدود والذي أرخى بظلاله على كل مناحي الحياة ، والاحتلال الصهيوني الذي يمارس الإرهاب والقتل ونهب الأرض وتهويد القدس والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري وإغلاق المعابر، ناهيك عن الجرائم التي يرتكبها قطعان مستوطنيه .
وفي ظل هذا الواقع يعاني الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من توابع الحصار الظالم الذي وصل إلى أبشع صوره ناهيك عن الغلاء الفاحش واحتكار البضائع و انقطاع الكهرباء لفترات طويلة ، بسبب سيطرة سلطة غير شرعية تتجاوز كل المحرمات من الاعتقال السياسي وتكميم الأفواه وحبس الأقلام وامتهان كرامة الإنسان ،لتبحث لها عن كرسي متمترس بأرجل أربع ومِسند مريح .، وهنا السؤال كيف الخروج من نفق الظلام ومسلسل المعاناة اليومية والمسيرة المشوهة التي آلت إليها قضيتنا الفلسطينية في ظل كل ما يجري ، الم يرى البعض ما يحتاجه الشعب الفلسطيني من مستلزمات ومناخات تؤدي في النهاية إلى الخروج من هذا النفق أو بالحد الأدنى ترفع من معنويات الشعب وتزيد من إمكانية صموده في وجه الحصار وأمام بطش الاحتلال الصهيوني ، إننا نرى بأن الحل يكمن برفع الصوت عاليا من اجل إنهاء حالة الانقسام ، لأن التجربة أثبتت بلا ريب أنه لا رابح في الدوامة العبثية سوى الاحتلال ، وأن كل من يقف في وجه الاتفاق والوفاق الوطني إنما ينفّذ أجندات تصب في خدمة الاحتلال مباشرة .
وعليه فإننا نطالب الجميع بالرجوع إلى محطات الوفاق الوطني وتفعيل ما تم الاتفاق عليه وتجسيده على الأرض ، والوقوف أمام كافة الظواهر الدخيلة على شعبنا والتي يدفع فاتورة حسابها المواطن البسيط ، والعمل باسرع ما يمكن لعقد المجلس الوطني الفلسطيني لرسم استراتيجية وطنية والعمل على تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على ارضية شراكة وطنية ، باعتبار ذلك هو الطريق للخروج من الأزمة من أجل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وإنهاء حالة الانقسام المدمرة التي تعيشها الساحة الفلسطينية واستعادة الوحدة الوطنية .
وامام هذا النضال المتواصل لجبهة التحرير الفلسطينية التي تميزت داخل سجون الإحتلال بمواقفها وثقافة وصمود أعضائها ، وكان له دور اساسي في الحركة الأسيرة وخاصة من قبل الاسرى المحررين وفي طليعتهم الشهيد القائد سمير القنطار الاسير المحرر المناضل محمد التاج ، فيما لعبت دوراً ريادياً وقيادياً في النضال من أجل انتزاع حقوق الحركة الأسيرة وتحقيق العديد من الانتصارات جنباً إلى جنب مع الفصائل الأخرى ، كما وتميزت في أقبية التحقيق وسجلت تجارب فردية وجماعية كثيرة في الصمود ، ونسجت لنفسها فلسفة خاصة بها ، وسطر رفاقها صوراً رائعة ومشرقة في الصمود بشكل فردي وجماعي من خلال رفاقها القادة معتز الهيموني ووائل وشادي ابو شخيدم ووائل سمارة في سجون الاحتلال ورفاقهم ، و حملوا أوسمة العز والفخار من أكاديمية الصمود الأسطوري ، وفي بعض " الاعتقالات الجماعية " كان الصمود هو القاعدة والإعتراف استثناء ، واضحى الصمود ماركة مسجلة باسم جبهة التحرير الفلسطينية .
وفي هذه الايام التي تحتفل فيها جبهتنا جبهة التحرير الفلسطينية كفصيل فلسطيني عربي اممي له تاريخ ثوري يشهد له كل مناضل، وله رصيد كبير لدى الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله، ومكانة عالية في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، نرى التطورات الحاصلة في عدد من دول المنطقة من قتل وتدمير من قبل عصابات الظلام والتكفير وفق مخطط امبريالي صهيوني رجعي يحمل دلالات استراتيجية بهدف الوصول الى تفكيك الجغرافيا وإعادة رسم المنطقة على أسس طائفية ومذهبية واثنية, وخلق كيانات فاقدة لإرادتها وقرارها السيادي بهدف فرض يهودية الدولة الصهيونية وتخضع إلى إرادة القوى الاستعمارية والكيان الصهيوني وصولا لتصفية القضية الفلسطينية ، مما يستدعي استنهاض دور الاحزاب والقوى العربية في مواجهة كل أشكال وأقنعة الاستعمار الإمبريالي الصهيوني الجديد الساعي إلى تشتيت وتفتيت وتقسيم المنطقة.
لذلك نرى ان ما جرى في مخيمات سوريا وخاصة مخيم اليرموك كان الهدف منه تفكيكه وتفكيك رمزيته، فهو يستحق منا العمل على بلورة موقف جامع لتحريره ، فيكفي ما قدمه المخيم من تضحيات وشهداء كانوا يتطلعون الى العودة لديارهم على ارض فلسطين ، لذلك اليوم نحن نحذر مما يجري في مخيم عين الحلوة اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان من خلال محاولات عصابات ارهابية مغطاة باسم الاسلام لضرب استقرار المخيم لمصلحة اجندات خارجية واقليمة ، تستدعي من الكل الفلسطيني التوحد لانهاء هذه الظواهر ،لأن للمخيم ابعاد ورموز ودلالات ومعاني في قلب ووجدان الفلسطينيين المشردين والمهجرين الحالمين بالعودة الى ارض فلسطين ، والمتعطشين للحرية والفرح والشمس.
ختاما : في ذكرى انطلاقة جبهة التحرير الفلسطينية نؤكد على المسيرة النضالية لشعبنا العربي الفلسطيني من أجل الحرية والديمقراطية والانعتاق من كل أشكال الظلم الوطني والطبقي في آن واحد ، بما يدفعنا ، وباعتزاز وفخر كبيرين أن نقول بثقة إن الجبهة لها مكانتها لدى كافة القوى التقدمية الديمقراطية العربية والعالمية ، وهي تمضي بثبات من خلال تمسكها بخيارها النضالي على طريق تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة لكل اللاجئين وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
بقلم/ عباس الجمعة