وفي الليل الظلماء يفتقد البدر حيدر عبد الشافي حاضر رغم الغياب

بقلم: نعمان فيصل

كان الدكتور حيدر عبد الشافي نموذجاً للقادة المخلصين لوطنهم، حيث آمن بقضية شعبه، وبالمبادئ الرئيسية لحركات التحرير الوطني في العالم، وهي تحرير الأرض والشعوب من الاستغلال، وإن نظافة اليد لديه هي سر قوته، والصدق في المصارحة نزّهته عن تبرير الأخطاء السياسية أو تجميلها، فكان عنواناً سياسياً بارزاً في سماء النضال الفلسطيني.
فأخلاق الدكتور حيدر ومواقفه تعتبر مثالاً حياً في الوعي والرقي، ونموذجاً يؤكد على الدوام أن الإنسان مؤتمن، وأن الحياة رسالة، فعظمته لم تأت من فراغ، فهي مرتبطة بالإرث الحضاري وقيم مجتمعنا النبيلة.

وانهدم بموته ركن عظيم من أركان الوطن، وانطفأت شعلة كان لها سنى البرق وأريج المسك، وخسرت به فلسطين رجلاً كبيراً بأخلاقه، كبيراً بعقله، كبيراً بأعماله.

ونحن أحوج ما نكون في هذه الأيام إليه، كحاجة النبات في الأرض المقفرة لحبّات المطر، خاصة وأننا نعيش وسط حالة سيئة غشيها ما غشيها من الظلم والقهر والجمود، وكانت جرحاً دامياً في قلب كل أبناء الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي تنكر له الزمان، وقست عليه الأيام، وعصفت به رياح الانقسام، وضاقت عليه الأرض بما رحُبت.

هذا الشعب الذي ينام ولا يموت، أحوج ما يكون إلى مُثُله الراقية، والتزامه الواثق بأرضه وشعبه وتراثه العربي، وحسبك دليلاً على ذلك، محاولاته لإصلاح منحى القيادة، وقسوة مجابهته، وحدّة موقفه في رص الصفوف ورأب الصدع، فقد أحس بآلام قومه، وشرب من الكأس التي شربوا منها، وكان مخلصاً لوطنه في جميع أدوار حياته كالغيث الغادي، فعرف الناس فيه هذه المثالية، فتقربوا إليه، وخطبوا وده، ورغب كل فريق أن يستميله إليه، ليعتز به مناصراً ومؤيداً، ولكنه ربأ بنفسه أن يسفه، وأن يرضى لقلبه أن يباع ويشترى، وهذا مبدأ لم يحد عنه، فالعظمة الحقيقية هي أن يكون المرء سيد نفسه، فكان موضع الثقة، ودائماً كان موضع الإجماع، وكأنه راية من الرايات التي التف جميع الفلسطينيين حولها، وكالشمس المشرقة يضيء على صفحة هذه السماء الزرقاء، تلك هي شمس الحب، الحق نورها، والحب حرارتها.

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، رحم الله الدكتور حيدر عبد الشافي، وما أحرانا أن نسير على هداه.

بقلم/ نعمان فيصل