لم يكن مقدراً، ولا من القضاء والقدر، أن تتجاهل "القيادة الفلسطينية" الراهنة دور منظمة التحرير القيادي، كجبهـة وطنية وشعبية عريضة، على امتداد سنوات انطـــلاقة الثورة المسلحة، لكن اتفاق أوسلو ووليده الأبرز: نشوء السلطة الوطنية، كان العامل الفاعل، في تغييب ذاك الدور القيادي، وتغييب مبدأ الشراكة الوطنية، واستبعاد وإقصاء كل الفاعلين، حيث احتلت السلطة معظم مهمات ومكانة المنظمة، وها هي تشهد اليوم غياب ما كان الفاعلون في إطارها، يضفونه على مواقفها من سمات الفعل الكفاحي الأكثر مبدئية، تجاه قضية الشعب الفلسطيني الوطنية.
اليوم ومع تحولات السلطة، أضحت المواقف القيادية أكثر فئوية وأقل تمثيلاً للواقع الوطني الفلسطيني، وهذا ما لا نتجنى فيه على أحد، أو على ما نشهد من مواقف أحادية، غاب فيها التمثيل الوطني، واقتصر على لون واحد من ألوان الطيف الفلسطيني المتعدد والمتنوع، وحتى من يمثل حركة "فتح"، لم يعد يمثلها كلها أو كل تلوناتها القيادية والشعبية.
ذلك الزرع، أسفر عنه استفحال المأزق الفلسطيني، وكان من ثمراته المرة كذلك، فقدان الاتجاه تماماً، وفقدت المستويات القيادية مسؤولياتها المباشرة عن قيادة الوضع الوطني برمته، وراحت تتخبط في وحل الانقسام السياسي والوطني والجغرافي، والانحياز للاتجاهات والمصالح الفئوية والزبائنية.
وللخروج من المأزق القيادي، يتحتم إعادة بناء منظمة التحرير وترميم مؤسساتها، وهي المسؤولة مباشرة عن قيادة الوضع الوطني، وإلا بقي النزوع الفصائلي الفئوي هو ما يحكم قيادة العمل الوطني والمواقف الخاصة بالكل الفلسطيني، أي بكامل قوى الحركة الوطنية، وبالتالي لا يجوز أن يكون بديل الكل سلطة فئوية، أو بديل الوضع القيادي مجموعات من مركزية "فتح" أو بعض مستوياتها القيادية، تحت إشراف السلطة التي تتحكم في كل مفاصلها "حركة فتح" ذاتها عبر بعض قيادييها، ولا يعود لقوى المنظمة ومؤسساتها في أي من مستوياتها القيادية، قيادة الوضع الوطني الفلسطيني، ولا يتم اللجوء إليها إلا وقت الحاجة، والحاجة إلى ذلك باتت شبه معدومة في ظل قيادة فردية وأحادية، لا تستعمل الأخرين إلا إذا احتاجت إليهم للمصادقة على سياساتها من دون الاعتراض.
من المؤسف أن يتحول الوضع الوطني الفلسطيني، في ظل الولادات السهلة للمسوخ الحزبية والفقهية "الداعشية" وأضرابها، إلى استئناس الاستبداد واستفحاله في الجسد الوطني، وللفتك في نسيجه السياسي والمجتمعي والوطني، حتى بتنا نرى سلالات من أحزاب لا تقود، ومجموعات من قيادات تنفرط وتنسلخ عن أحزابها، ومجاميع من مناضلين وقد فقدوا اتجاهاتهم، وانكسرت أعوادهم، فرادى ومجتمعين، ففقد الجميع بوصلاتهم الوطنية، وتحول البعض إلى خدم وعبيد لدى أوضاع إقليمية ودول إقليمية، لا تفتقد للحس المنفعي أو المصلحي والزبائني، ولكنها تفتقد للحس السياسي الوطني والانساني تجاه القضية الوطنية الفلسطينية، الخاسر الأول والأكبر في زمن الخسارات التي لم يعد بالإمكان تعويضها، إلا بقيادة تقود، في ظل التئام الوضع الوطني، وعودة مؤسسات منظمة التحرير للعمل الكفاحي المؤثر والفاعل، بفعل الفاعلين السياسيين تنظيمياً وجماهيرياً.
وعلى هذا كله، ما الذي يرجوه البعض من لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ إلا إذا أصر هذا البعض على التمسك بحبال الهواء، وتوقع أن ينتج الوهم واقعاً أكثر إيهاماً، في ظل غياب وتغييب مبادئ الشراكة الوطنية التي أضحت من الماضي السعيد.
ماجد الشيخ
* كاتب فلسطيني