غزة بين المطرقة والسندان

بقلم: رضوان أبو جاموس

كثرة الضغط تولد الانفجار، هذا هو حال غزة المأساوي، التي ذاقت مرارة ثلاث حروب متعاقبة، ولازالت تكابد ويلات الحصار المفروض عليها  منذ أكثر من 10 سنوات، الذي ألقى بظلاله الكارثية على كل مناحي الحياة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية.

يبدو أن الأزمات الخانقة التي يعيشها سكان قطاع غزة، غير كافية في نظر البعض حتى يزيد الطين بلّة، من خلال التلويح باتخاذ سلسلة من العقوبات والخطوات التصعيدية تجاه غزة التي من شأنها اغراق غزة في ظلام دامس وفقر مدقع .

وتسود حالة من التوتر والقلق سكان القطاع، بانتظار ما ستحمله الأيام القادمة من مفاجآت وقرارات مصيرية، سيكون لها تداعيات بعيدة المدى على المستوى الفلسطيني الداخلي، خصوصاً بعد اللقاء المرتقب لرئيس السلطة ابو مازن مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب.

أكثر ما يقلق سكان قطاع غزة الذين يعيشون ضائقة اقتصادية وإنسانية خطيرة، هو عدّم التوصل لاتفاق يُنهي الانقسام ويُعيد الوحدة بين حركتي حماس وفتح، لأن خلاف ذلك يعني حالة الطلاق البائن بين غزة والضفة وما يعكسه من نتائج كارثية.

من يتابع التصريحات والمناكفات الاعلامية الدائرة على وسائل الاعلام المختلفة، يّدرك مدي الانقسام الحقيقي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، سواء على مستوى العلاقات الوطنية والفصائلية، أو على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فكل طرف من الأطراف يسعى جاهداً لتعرية الآخر وفضح عوراته .

الحقيقة مرة ولا ترضى البعض، لكن للأسف في ظل غياب الحرص الوطني على المشروع الفلسطيني، دفّعت البعض لإطلاق العنان لنفسه مهددا ومتوعدا خصومه بأشد وأنواع العذاب، متجاهلاً أن العدو الصهيوني هو المستفيد الوحيد من حالة الانقسام الفلسطيني لابتلاع الضفة وتدمير غزة.

لا يوجد فلسطيني عاقل يقبل تجويع شعبه، دون مراعاة للقيم الانسانية والعلاقات الأخوية، علاوة على المسئولية الاجتماعية والسياسية وهذا ما لامسناه ونتابعه عبر وسائل الاعلام المختلفة، بعد تصاعدت حدة التصريحات الاعلامية بين حركتي فتح وحماس، ردا على إجراءات السلطة الفلسطينية العقابية ضد غزة عشية زيارة الرئيس الفلسطيني أبو مازن

غزة اليوم تقف على منعطف خطير، إما أن تجتاز المحنة وتنجلي العاصفة أو الانفجار الوشيك في وجه المحتل الاسرائيلي والدخول في جولة جديدة من الحرب الطاحنة، وهو ما سبق لضباط كبار في جيش الاحتلال أن حذروا منه .

واهم الاحتلال الإسرائيلي إن ظّن أن تصاعد أزمات غزة الاقتصادية وتضييق الخناق على سكان قطاع غزة، قد تنفجر الصراع الداخلي وتُعيد الأذهان لحقبة الانقسام الدموي المقيت، فكما قال الدكتور محمد الهندي عضو المكتب السياسي للجهاد الاسلامي، "إن الشعب الفلسطيني ليس له مشكلة مع أحد، وإنما مشكلته مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسلب الأرض ويمارس الإرهاب على الشعب الفلسطيني".

رغم الحالة الضبابية ولغة التهديد والوعيد، اليوم الكل الفلسطيني مّوحد خلف الأسرى الذين يكتبون تاريخ فلسطين بالدم ويسطرون أروع آيات الصمود والتحدي، وهم يدخلون الأسبوع الثالث على التوالي في إضرابهم عن الطعام في معركة "الحرية والكرامة" ضد السجان "الإسرائيلي.

في الواقع، الأسرى الفلسطينيون عنوان وحدة شعبنا الفلسطيني ورمز عزته، فهم من ساهم جاداً في انهاء الانقسام عبر وثيقة الأسرى، وهم الذين تمكنّوا من توحيّد الشعب بالمشاركة بفعاليات جماهيرية وشعبية مساندة معهم .

نعم، نقول أن الأسرى الفلسطينيين هم أمل الشعب وعليهم تُعقد الآمال، وبهم تُناط المسئوليات للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن، لكن ذلك يتطلب رؤية فلسطينية مشتركة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية الضيقة، ألا يكفي غزة كيُد الأعداء؟

بقلم/ رضوان أبو جاموس