ضحايا الاسرائيليين اسماء و"حكايا" ولضحايا الفلسطينيين أعداد (تقريبية)!

بقلم: عماد شقور

أَعترفُ مسبقاً: دافعي لكتابة هذا المقال هو شعور بالألم والقهر والغيرة. هذا الشعور ينتابني كلما تابعت اسلوب وكيفية تعامل اسرائيل مع ضحاياها، وقارنته بما هو الحال عندنا.
لضحايا اسرائيل اسماء وصور وحكايا انسانية بالغة التأثير ومثيرة للتعاطف والتضامن مع الضحية وعائلته واصدقائه وكل شعبه؛ ولضحايا فلسطين مجرد اعداد، وفي الغالب "اعداد تقريبية"، لا تثير عند المتلقي الا شعورا بأن الامر عادي، عندما يكون العدد صغيرا، او شعورا بالتفاجؤ عندما يكون العدد كبيرا. وهي في كل الحالات، لا ترقى إلى مستوى وزن بذل النفس في سبيل مصلحة الشعب ودفاعا عن حقوقه المشروعة، ووزن دم الضحية ودموع عائلته الثكلى واصدقائه وابناء شعبه.
في الاسبوع الماضي احتفلت اسرائيل بالذكرى التاسعة والستين لاعلان اقامتها. ويسبق هذا الاحتفال باسبوع يوم حداد رسمي في ذكرى ضحايا النازية من يهود اوروبا، (يسمونه "يوم ذكرى الكارثة والبطولة").
يلحق بذلك، وفي اليوم السابق للاحتفال بذكرى اقامة اسرائيل، ويسمونه "عيد الاستقلال"، (ذلك لاعتبارهم انه "استقلال" وتحرر من الاستعمار البريطاني، الذي استعمر فلسطين في الحرب العالمية الاولى، بهدف معلن كفل لهم احتلال فلسطين، بموجب كتاب خطي رسمي موقع ومعلن، هو "وعد بلفور")، احتفال آخر ويوم حداد رسمي تكريما لضحايا الجيش الاسرائيلي، الذي اصبح اسمه الرسمي منذ العام 1998، وبموجب قانون سنّه الكنيست (البرلمان الاسرائيلي)، "يوم ذكرى ضحايا معارك اسرائيل وضحايا العمليات العدائية".
لكل واحد من هذه الاحتفالات طقوس ونصب تذكارية وبرامج وموازنات:
ـ اقاموا عام 1953 مؤسسة رسمية لتخليد ذكرى ضحايا اليهود النازية من اليهود، هي مؤسسة "ياد فاشم"، وهي عبارة عن مجمّع يحتوي على متاحف ومعارض ومعاهد تعليم وابحاث عن قضايا الهولوكوست (المحرقة اليهودية في الحرب العالمية الثانية)، ولنصب تذكارية، وشهادات وصور وافلام تاريخية، وكذلك ارشيف يشمل 62 مليون وثيقة تاريخية، و300 الف صورة متعلقة باحداث الهولوكوست، ومكتبة تحتوي على 112 الف كتاب ومجلة بلغات مختلفة، اضافة إلى معهد دولي ودار نشر تعنى بنشر كل ما له علاقة بهذا الموضوع.
ـ ثم اضافوا منذ خمس وعشرين سنة طقسا جديدا، حيث يقوم احد افراد عائلة الضحية في تلك الحرب، ويقرأ في مكان مخصص لذلك، أسماء الضحايا من ابناء عائلته، ويستمر هذا الطقس ساعات وساعات، واعطيت امكانية ان يرسل من لا يستطيع الحضور اسماء ضحايا من عائلته او معارفه، ويقرأها نيابة عنه متطوعون او من موظفي المؤسسة.
ـ اما تخليد ذكرى "ضحايا معارك اسرائيل وضحايا العمليات العدائية"، فقد اضيف الاسبوع الماضي إلى كل ما هو قائم من نُصُب تذكارية، نُصْب تذكاري جديد، هو عبارة عن جدار حلزوني، اشبه بجبل من الصخر، طوله 260 مترا، وارتفاعه 18 مترا، واستمر العمل على اقامته نحو سنتين، وبلغت كلفته 99 مليون شيكل (حوالي 28 مليون دولار)، ونقش على كل بلاطة فيه اسم احد الضحايا وتاريخ وفاته، وذلك… "ابتداء من الضحية الاولى، اهرون هيرشيلد، الذي تعرض لهجوم من قبل عرب في القدس عام 1873، (نعم 1873م) وحتى اليوم"، حسب المصادر الصحافية الاسرائيلية. وكل واحدة من البلاطات موصولة باجهزة تقنية، تمكن من يريد ان يضغط على زر معيّن، ليشاهد صورة الضحية ويقرأ نبذة عن حياته وظروف سقوطه ومعلومات اخرى.
ـ في كل عام تنشر وزارة الدفاع الاسرائيلية قائمة شاملة باسماء جميع الضحايا، وفي هذه السنة اضيف إلى القائمة 97 إسما جديدا، هم 60 ضحية و37 مصابا من جنود الجيش الاسرائيلي الذين توفوا خلال هذه السنة جراء اصاباتهم في معارك سابقة، وليصبح العدد الاجمالي لكل ضحايا اسرائيل 23544.
ـ اضافة لقائمة الضحايا تنشر الوزارة الاسرائيلية تفاصيل اخرى، منها، على سبيل المثال، ان عدد افراد العائلات الثكلى هو 15881، هم 9157 أَبا او أُما ثكلى، و4881 أرملة، و1843 يتيما دون سن الثلاثين.
ـ هذا النصب التذكاري لضحايا اسرائيل، للقتلى من جنودها، ستعتبره النصب التذكاري المركزي، واذا كانت الزيارات الرسمية لرؤساء الدول تبدأ في العادة، او تتضمن، زيارةً ووضع اكليل من الورد على النصب التذكاري لـ"الجندي المجهول"، فان الزائر لاسرائيل سيضع اكليل الورد، وينحني احتراما للجندي الاسرائيلي "المعلوم" والمخلد اسما وصورة وسيرة حياة؛ إذ ليس في اسرائيل "جندي مجهول".
الى هذا الحد تهتم اسرائيل الرسمية بتخليد واحترام ضحاياها ورعاية عائلاتها الثكلى.
اين نحن من كل هذا؟؟.
تعرف اسرائيل حجم وتأثير تكريم واحترام وتخليد أي شعب لضحاياه. لذلك ارسلت قواتها فجر يوم العاشر من شهر نيسان/ابريل الماضي، إلى واد الغروس، شرق الخليل، لنزع ومصادرة النصب التذكاري للشهيدة بيان ايمن العسيلي (16 عاما)، والذي كان والد الشهيدة، وبدعم (مشكور) من جامعة الخليل، قد اقامه بعد اسبوع على استشهادها يوم 17.5.2015، وذلك خلال فترة احتجاز جثمانها التي استمرت 14 يوما.
في الطريق الذي اسلكه من جسر الشيخ حسين إلى العاصمة الاردنية عمّان، ذهابا وايابا في كل زيارة لعائلتي في الاردن، أمرُّ بالعديد من النصب التذكارية والاضرحة التي تخلد شهداء معركة اليرموك الخالدة: ابو عبيدة بن الجراح، ضرار بن الازور، شرحبيل بن حسنة وغيرهم، واتعلم درسا مفاده: ان المنتصر يخلد شهداءه وضحاياه، اما المهزوم فلا يستطيع ذلك، ولا يسمح له المنتصر بذلك.
لكن ماذا عن المستقبل؟. ماذا بعد ان ننتصر، ولو جزئيا في المرحلة الاولى؟. اليس من دَين علينا لاحفادنا هو ان نبلغهم بتاريخنا/تاريخهم، وبمن ضحوا بانفسهم من اجلنا، وان نقيم لهم نُصبا تذكارية تخلد اسماءهم وصورهم وسِيَر حياتهم.
آن للاجهزة الفلسطينية، وللاعلام الفلسطيني التعامل باحترام حقيقي لضحايانا، وان نعلن ونُعْلم ونحفظ ليوم آتٍ اسماء ابطالنا وضحايانا وصورهم وحكاياهم، ولا نتعامل معهم باستخفاف مشين، باعتبارهم مجرد أعداد، وأسوأ من ذلك باعتبارهم ارقاما تقريبية.
لا يكتمل هذا الموضوع قبل تسجيل ملاحظة مؤلمة، ما زال ممكنا تفادي ما فيها من غبن واجحاف فلسطيني رسمي وشعبي، تجاه واحد من اشرف رموز وقادة الشعب الفلسطيني.
لقد ارتبط إسما الامين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القائد الشهيد الكبير، ابو علي مصطفى، والوزير والجنرال الاسرائيلي رحبعام زئيفي، الذي اغتالته مجموعة من الجبهة انتقاما لاغتيال اسرائيل للقائد الفلسطيني ابو علي مصطفى، حسب ما ورد في العديد من وسائل الاعلام الفلسطينية والاسرائيلية والدولية.
تخليدا لزئيفي، اطلقت اسرائيل اسمه على الطريق رقم 90، اطول طريق في اسرائيل، (478.7 كيلو متر) ويمتد من اقصى شمال ارض فلسطين عند "بوابة فاطمة" في المْطِلّة إلى اقصى الجنوب، عند "معبر طابا" على البحر الاحمر. ثم اضافت حكومة اسرائيل قبل اسبوعين، وبقرار منها اقامة نصب تذكاري لزئيفي في احدى مستعمرات/مستوطنات غور الاردن، الواقعة على الطريق رقم 90 اياه، بكلفة اجمالية مقدارها 43 مليون شيكل (حوالي 12 مليون دولار)، منها 26 مليون تكاليف اقامة النصب خلال السنتين المقبلتين، و17 مليونا تكاليف ادارة وصيانة في السنوات الخمس اللاحقة.
في المقابل: أبو علي مصطفى، تم اخلاء مكتبه، الذي اغتالته اسرائيل فيه بصاروخين، بعد اسابيع من اغتياله، واصبح المكان الذي سال عليه دم ابوعلي مصطفى، مكتبا لتأجير السيارات، على ما اعتقد، او شيئا من هذا القبيل. واما بلدية البيرة فقد رفضت حتى اطلاق اسمه على الشارع الذي قدم فيه دمه دفاعا عن الشعب الفلسطيني وحقوقه، بحجة انه تم اطلاق اسم آخر على ذلك الشارع، هو اسم "شارع المبعدين". عيب.
لكل ضحية اسم. ورحمك الله يا محمود درويش، شاعر فلسطين الكبير، الذي اذكر قوله: "من يكتب التاريخ يمتلك الحقيقة".

عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني