لا حول ولا قوة في يد عشرات آلاف الموظفين في قطاع غزة، فقد أمسوا وأكثر من مليون إنسان من عوائلهم بلا رواتب، يتضورون جوعاً بقرار فردي صادر عن الرئيس محمود عباس، والذي حسب نفسه إلهاً، يقطع الرزق عمن يشاء، ويعطي الزيادة في الرواتب لمن يشاء.
قبل شهر، خصم محمود عباس أقل من نصف راتب الموظفين، وقال لهم: الهدف هو معاقبة حركة حماس العاصية، سنخضعها إلى القرار الرئاسي، ولكن محمود عباس يعاقب هذا الشهر جل الموظفين، ويقطع رواتبهم كلها، ولعميق المأساة، فإن هؤلاء الموظفين غير قادرين على فعل شيء، فلا هم على رأس أعمالهم كي يهددوا بالإضراب، وتعطيل العمل، ولا هم قادرون على التظاهر، وإغلاق الشوارع، فهم يعرفون أن هذه التظاهرة لن تؤثر على محمود عباس، ولن يرتعب منها، فهو في منأى عن غزة، وعن مشاكل المجتمع، وعن ردة فعل الشارع، بل يتمنى محمود عباس أن تغرق غزة وسكانها وموظفوها وتنظيماتها في البحر.
ولا ذنب لموظفي غزة غير أنهم وثقوا برئيس السلطة الفلسطينية، وصدقوا أنه سيضمن لهم رواتبهم، طالما التزموا بقراره الذي طالبهم قبل عشر سنوات بعدم التوجه للعمل، لقد صدق موظفو غزة أن رئيسهم محمود عباس سيكون وفياً لهم، ولن يخذلهم، لذلك كانوا طوع بنانه، وتحت أوامره، قعدوا في بيوتهم حسب إرادته، وتعذبوا من قلة العمل، وانتظروا عشر سنوات تعليمات الرئيس لهم، ولم يخطر في بالهم يوماً أن يكونوا فائض أحمال، وبلا قيمة وظيفية.
فماذا يريد محمود عباس من موظفي غزة؟ بل ماذا يريد محمود عباس من سكان غزة؟
هل يريد محمود عباس أن يستفز غزة، ويحرضها على التوجه إلى إسرائيل من خلال الأمم المتحدة للمطالبة بنصيبها من الضرائب؟ ليخرج عباس بعد ذلك على الشعب الفلسطيني، ويقول: إن حماس في غزة تطلب الانفصال الكلي عن الضفة الغربية؟
هل يريد عباس إشغال الرأي العام الفلسطيني بالرواتب بعيداً عن إضراب الأسرى في السجون؟
من المعروف أن قادة الشعوب لا يفجرون حروباً داخلية أثناء المعركة مع العدو، ولا حرب أطهر وأشرف من حرب الأسرى الفلسطينيين الذين يخوضون غمار حرب الكرامة بأمعائهم، ضد عصا الجلاد، فلماذا يفجر عباس حروباً هنا وهناك بعيداً عن معركة الكرامة التي ستقرر مصير العلاقة مع الصهاينة في المرحلة القادمة، وهل هي علاقة تقوم على الندية أم المذلة والتبعية؟
فهل يريد محمود عباس للأسرى الانكسار؟ ولصالح من؟
أم هل يريد محمود عباس لغزة الانحسار؟ ولصالح من؟
أم هل يريد عباس للموظفين في غزة أن يموتوا من الجوع، وأن يعلنوا الخنوع؟ ولصالح من؟
قطع رواتب موظفي غزة قضية وطنية، لا تخص الموظفين فقط، ولا تخص حركة فتح وحدها، وإنما تخض الكل الوطني، بما في ذلك حركة حماس والجهاد الإسلامي والشعبية والديمقراطية، وكل من له علاقة وطنية أو إنسانية بفلسطين، والمطلوب من الجميع أن يستنهضوا الأمم، وأن يخاطبوا المنظمات الدولية لرفع العقاب الجماعي عن سكان قطاع غزة، المطلوب مخاطبة أمين عام جامعة الدول العربية، وأن تتحرك قوى غزة ومؤسساتها باتجاه الدول العربية الممولة للسلطة الفلسطينية، كي تستقطع نصيب غزة بعيداً عن تسلط عباس، فتجويع الناس في غزة أمر حارق مقزز لا علاقة له بالسياسة، ولا علاقة لها بالكياسة، ولا يستوجب الصمت، ولا الانتظار.
موظفو غزة واٍلأسرى الفلسطينيون يخوضون حرب الأمعاء الخاوية معاً، وجميعهم يرفض العقاب الجماعي، وجميعهم يرفض التفرد بالقرار السياسي، وجميعهم يرفض لغة السجان، وغياب القانون، وجميعهم يرفض عتمة الزنازين وغياب المسائلة، وجميعهم يرفض غياب القانون، والتسلط الإداري والحياتي الذي ينم على انعدام القيم والأخلاق والمبادئ.
د. فايز أبو شمالة