اختتمت مساء الأربعاء فعاليات ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية، والذي عقد في مدينة رام الله لمدة أربعة أيام من 7-10 أيار الحالي، وقد شارك فيه عدد من الروائيين العرب من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وأرتريا وسوريا والكويت والأردن والعراق بالإضافة إلى روائيين من فلسطين، وقد تمكن بعضهم من الحضور، والبعض الآخر شارك عبر تقنية "السكايب".
اليوم كانت الفعاليات الختامية التي تمثلت في ندوتين وعرض مسرحي، وتكريم للروائيين المشاركين، وذلك في المسرح البلدي في دار بلدية رام الله.
الندوة الأولى جاءت تحت عنوان: "تحديات النشر والتوزيع وحقوق المؤلف في العالم العربي"، وأدارها الكاتب وصاحب دار الشروق للنشر والتوزيع فتحي البس، وشارك فيها كل من الناشر ماهر الكيالي والناشر صالح عباسي والناشر جهاد أبو حشيش، بينما لم يحضر المصري محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، ولم تحضر صاحبة دار العين للنشر المصرية فاطمة البودي.
فتحي البس:
أبدأ بالتعبير عن الدعم غير المحدود للأسرى وراء القضبان في إضرابهم من أجل الحرية والكرامة.
لماذا أُدخلت الندوة في ملتقى عن الرواية؟ ببساطة لأن الرواية تحتاج إلى النشر والتوزيع والالتزام بحقوق المؤلف.
صناعة النشر في قلب الصناعات الثقافية، مهمتها مقاومة الجهل والتخلف.
ماهر الكيالي:
يعتمد ازدهار حركة النشر على ازدهار التأليف والبحث والتفكير، وعلى حرية النشر والتأليف كذلك، وعبر 47 سنة من عملي في النشر، ما زالت هناك تحديات كبيرة تواجهنا كناشرين، كالرقابة مثلاً، سواء داخل البلد، أو رقابة بلدان على إنتاجات بلدان أخرى، إضافة إلى المحرمات الثلاث: الدين والجنس والسياسة، والتي تخضع لرقابة خاصة.
وقد تعرضنا لمحاكمات على كتب نشرناها، وهذا يشكل كابوساً بالنسبة للناشر، كما نواجه كناشرين معضلة العزوف عن القراءة، والميزانيات الضئيلة التي تخصصها المدارس والجامعات لشراء الكتب، ونعاني أيضاً كناشرين من عدم انتشار المكتبات المتخصصة في الكتب بحيث تجد فيها كل ما يصدر حديثاً، وقد بدأت عملية الشراء على الإنترنت تحل بعض أجزاء هذه المشكلة.
كما أن من ضمن التحديات هي الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية مما يضر بالمؤلف والناشر معاً.
صالح عباسي:
أول عمل قام به الجيش الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني بعد النكبة، هو مصادرة المكتبات الشخصية من البيوت التي غادرها أهلها، فأصبح الداخل بلا كتب، وكان بعض المسيحيين يهرّبون نسخاً من الكتب من الضفة الغربية حين يسمح لهم بالحج إلى القدس وبيت لحم، ويعاد طباعة هذه الكتب بعد ذلك في الداخل.
بعد عام 1967 بدأت أتعاون مع مكتبة دنديس في الخليل ليحضر لي كتباً من لبنان، وأقمت مجموعة من المعارض في الأماكن النائية والقرى المهمشة.
زرت مصر بعد معاهدة السلام، وأحضرت حوالي 7 آلاف عنوان، وأقمت معرضاً كان الإقبال عليه فوق كل التوقعات، وفي عام 1979 أقمت دار نشر، وبدأنا بطباعة الكتب بدلاً من شرائها، وبحثت عن مبدعي الشتات وطبعنا إنتاجاتهم.
لم تكن طريق النشر مفروشة بالورود، فقد واجهنا مشكلة اتهامنا بالتطبيع، وهذا حرمنا من المشاركة في المعارض العربية، لكننا اليوم نشارك كفلسطينيين ونمثل فلسطين.
جهاد أبو حشيش:
المؤسسة الرسمية تعمل على تقويض دور الناشر وتحويله إلى مطبعجي لا يهتم سوى بالربح.
النشر من أخطر الحلقات التي تبني مجتمعاً أو تدمره، لذا من الضروري إعادة النظر في دور وزارات الثقافة العربية، فهي تستهلك الموارد المالية دون أن تخلق حالة ثقافية حقيقية، فهي تعتبر الإنتاج الثقافي عبئاً على الخزينة.
التحدي الرئيسي هو وقوع الناشر بين تغليب النشر التجاري لضمان استمرار مؤسسته، وبين البحث عن جودة العمل الإبداعي، وهذان الخياران هما مأزق أي ناشر، وفي حال كان الناشر جاداً وصاحب رؤيا، فانتقاؤه للنص الجيد وتقييم مضامينه عليه أن يلجأ إلى لجان للقراءة وإلى محررين مهرة.
لا يمكن أن تزدهر صناعة النشر في ظل إقصاء الآخر وإلغائه.
أما الندوة الثانية والأخيرة على مستوى الندوات، فكانت بعنوان: "الجوائز وتأثيرها على كتابة الرواية"، وشارك فيها طالب الرفاعي من الكويت عبر "السكايب"، وخالد الحروب من فلسطين، والحبيب السالمي من تونس، وربعي المدهون من فلسطين ويقيم في لندن، وأدار الندوة موسى خوري.
طالب الرفاعي:
يجب الوقوف أمام السبب الذي جعل الرواية زاداً يومياً للقارئ، أظن أن السبب هو القلق واللهفة وسرعة إيقاع الحياة، لذا صار الإنسان يستطيع أن يعيش تجربة دون أن يغادر أرضه، وهذا يتحقق له من خلال الرواية.
جوائز الرواية تقدم الموجب كما تقدم السالب، لكن الموجب أكثر من السالب، فمن إيجابياتها إبراز أسماء كانت تعاني من التجاهل، ثم إن قيمتها المادية كبيرة لذا فهي تقدم عوناً مادياً لصاحبها، عدا عن أنها خلقت سوقاً وبالتالي خلقت قارئاً.
وبسبب من الثورات العربية هاجر كثير من الكتاب إلى الخارج، والمهرجانات التي تقام على هامش الجوائز تتيح اللقاء بين الكتاب، كما أن انتشار الرواية جعل أكثر من مؤسسة تتكئ على الرواية كي تُعرف.
أما من سلبيات الجوائز فقد وجهت النظر إلى الرواية على حساب الشعر والمسرح وبقية أنواع الأدب، وكما قدمت الجوائز أسماء مهمة، قدمت أسماء لا تستحق.
خالد الحروب:
الجوائز أعني بها الجوائز الجادة، فهناك جوائز غير جادة، وسأسرد الجوانب الإيجابية والسلبية في الجوائز:
من الجوانب الإيجابية أن الجوائز لا تصنع أدباً جيداً، بل هي تكرس الأدب الجيد، أو على الأقل تكشف ما هو موجود.
الجوائز الجادة ترقّي الصنعة الأدبية لأن الروائيين يوسعون توقعاتهم حول لجان التحكيم وشروطها.
رفع مستوى القراءات في العالم العربي، مجرد وصول 16 رواية إلى القائمة الطويلة في البوكر مثلاً، يعني أن هناك 16 عملاً جيداً للقراءة.
الجوائز تساهم في النشر والمنافسة على النشر، فأحد آليات عمل الجائزة تعزيز قاعدة دور النشر، كما تساهم الجوائز في تنشيط المشهد النقدي في العالم العربي، وتنشيط الوعي بالرواية في أوساط القراء العاديين، كما أن الجائزة تعزز الترجمة مما يضع الرواية العربية في المشهد الثقافي العالمي، وبالتالي تقوم الرواية بالتعريف بالأدب العربي والسجال الذي يحدث داخله.
أما سلبيات الجوائز، فمن ضمنها زيادة الغث في الأعمال الروائية، والغبن الذي تتعرض له بعض الأعمال الروائية الجيدة، والمعضلات البنيوية في لجان التحكيم ومعايير اختيارهم.
الحبيب السالمي:
لا أفكر في الجوائز وأنا أكتب، فالروائي يكتب لينجز عملاً يرضي فيه ذاته.
صرنا نسمع في الأعوام الأخيرة عمن يكتب للجوائز، يكتبون بلغة مهادنة ويبتعدون عن الصدام مع السلطة.
تنامى عدد كتاب الرواية بعد هذه الجوائز، ورغم أنهم يمكن أن يسيئوا للرواية إلا أن الرواية يمكن أن تستفيد منهم.
روايتي أرواح ماري كلير، منعت من دخول الإمارات بسبب عبارات على لسان أحد أبطالها، لكنها مع ذلك وصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة مسؤولة عنها الأمارات ذاتها، مما يدل على أن دعم الجائزة لا يتحكم في مصير الفائزين وأن هناك ثقة في لجنة التحكيم.
سيحدث جدل كل عام ينعكس على العلاقات بين الروائيين، وقد يدخل نقاد مهمون في هذا الجدل.
في كثير من الأحيان يتم إهمال الروايات التي لا تفوز بالجوائز.
الجوائز التي تمنح على عمل واحد لا تناسب التجربة العربية التي تتغنى وتهتم بالكبير عمراً والأوسع تجربةً والأكثر إنتاجاً.
ربعي المدهون:
لم يشهد العالم جدلاً حول الجوائز كما حدث في المشهد الثقافي العربي، نحن نشارك العالم في كل ما يتعلق بالجائزة من تسليط الضوء على الكاتب والعائد المادي... إلخ، ولكن الجدل الذي يقوم بعد كل جائزة، لا يشبه الجدل الذي يحدث في أوروبا مثلا.
كان الفوز بالنسبة لي تحدٍّ أكبر مما أستطيع تحمله من فرح.
تتقدم الرواية إلى مستوى متقدم في مواجهة الرواية الإسرائيلية داخل خارطة الصراع الإنساني، فقد بنى الفلسطينيون وطناً من الإبداع يحسب لهم.
بعد ذلك جرى تكريم الكتاب المشاركين في الملتقى، وأعلن وزير الثقافة إيهاب بسيسو بأن الوزارة أعادت طباعة ثلاثية القدس لنبيل خوري، وكتاب الهزيمة والصهيونية في الخطاب الثقافي الفلسطيني لفيصل دراج، وألقى الروائي المغربي نداء من الروائيين العرب بشأن الأسرى المضربين عن الطعام.
واختتمت فعاليات الملتقى بعرض مسرحية "ألاقي زيك فين يا علي" والتي تتناول سيرة الشهيد علي طه، وقدمتها الفنانة الفلسطينية رائدة طه.
