تتزامن ذكرى قمر فلسطين الشهيد القائد عمر شبلي ايو احمد حلب مع انتفاضة العنفوان والمجد ، مع انتفاضة اسرى الحرية والكرامة ، القابعين في زنازين العدو الصهيوني، هؤلاء الأسرى البواسل الصامدين الصابرين القابضين على الجمر الذين يخوضون معركة الحرية والكرامة بإضراب مفتوح عن الطعام لحين تحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة ، وفي مقدمتها إنهاء سياسة الاعتقال الإداري، والعزل الانفرادي، وسياسة الإهمال الطبي، والسماح بالزيارات العائلية، وبمتابعة التحصيل العلمي حتى الافراج عنهم ، هؤلاء الاسرى الذين كانوا دائما على جدول اعمال تحركات الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية القائد الشهيد ابو احمد حلب .
لذلك نقول طويلة هي المسافة الزمنية بين استشهاد القائد الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية عمر شبلي " ابو احمد حلب "، وبين الواقع الفلسطيني اليوم، هي المسافة التي امتلأت وزخرت بالأحداث والتطورات على الصعيد الفلسطيني، والعربي، والدولي، فالواقع الفلسطيني اليوم يئن من الجراح، وحيث يريد البعض اضاعة البوصلة ، فيما الواقع العربي يندى له الجبين، وتفشت الطائفية بأفكارها ،والحالة العربية ليست أفضل من الحالة الفلسطينية، فالأخيرة وليدة الأولى، والأولى هي بيت القصيد، هذا هو الواقع الفلسطيني والعربي كخلاصة لا كشريط أحداث جسام.
ونحن اليوم نقف امام ذكرى رحيل القائد الامين العام عمر شبلي " ابو احمد حلب "الذي ربط بين النضال القومي والوطني ، وقد خاض القائد الكبير معارك مختلفة على غير صعيد ، وظل متمسكاً بالمشروع الوطني بيديه، وقلبه، وفكره، كان قابضاً عليه، واثقاً بأن فلسطين هي الفكرة والإيمان قبل الأداة، وأن حملها ثقيل ، فاحتضنها بثبات، وشجاعة، وإخلاص ونزاهة الثائر الحالم، والمنغمس في هموم شعبه،كما كان يدرك أن المشروع الوطني يتجسد أولاً في إظهار الحق، وعدالة القضية، ، وخيار الوحدة والنضال والمقاومة، وأن الحق لا يتجزأ، بل مطلوب إظهاره وإشهاره، والعمل على استحقاقه، فعمل جاهداً على وحدة الصف الفلسطيني، وكرس وقتاً ثميناً من جهده وعرقه لوحدة القوى الديمقراطية قبل استشهاده ليبدأ في تأسيس حالة إنهاض للوضع الفلسطيني والقوى الديمقراطية على وجه الخصوص، تمسك بنهج رفاق دربه القادة الامناء العامون الشهداء طلعت وابو العباس والقادة سعيد اليوسف وابو العمرين وحفظي قاسم وابو العز ، رسم استرتيجية وطنية ، حيث حمل رفاقه أفكاره النيرة من اجل غد أفضل من خلال فكره السياسي شديد الوضوح تجاه قضيته الوطنية وضرورة تحرير فلسطين ، كما كان شديد الولاء لأفكار المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالمسؤولية تجاه تقدم المجتمع وحصول المرأة على حقوقها كاملة في ممارسة النشاط بكل صوره السياسية والنضالية والاجتماعية .
ومن هنا كانت علاقة الشهيد القائد ابو احمد مع اخيه الرئيس الشهيد ياسر عرفات الذي يكن كل المودة والاحترام له , والتعامل الجدي المقرون بالتقدير العالي لتاريخه الكفاحي ودوره الوطني القومي , ومن هنا عندما نتحدث عن الشهيد ابو احمد الذي كان يعمل بكل جهد من اجل انهاء الانقسام الكارثي ، لأنه مؤمن ان المعارضه داخل الاطر الفلسطينية هي الحل الانسب
والتي من خلالها تكون الديمقراطية الفلسطينية ، حيث جمعته مع كافة القيادات الفلسطينية المحبه والاخوه والصداقه والاحترام هي التي كانت تسود المواقف دائما .
فالشهيد القائد رجل يوزن الامور السياسية بشكل منطقي وعلمي وياخذ موقف ويعبر عنه بكل صراحة ، كم احوجنا له ولكل قادة العمل الوطني الفلسطيني الذين قدموا ارواحهم من اجل فلسطين ، وخاصة في هذه المرحلة التي نشهد فيها انقسام كارثي ولم نستطيع راب الصدع الفلسطيني حتى نخرج من دوامة تلك الانقسام و التصدي لمخططات الاحتلال الصهيوني موحدين سواء على الجبهه النضاليه من اجل استعادة الحقوق الوطنية المشروعه .
ان تزامن ذكرى استشهاد القائد " ابو احمد حلب " مع ذكرى أليمة وقاسية على الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية, إنها الذكرى الثامنة والستون لارتكاب أكبر جرائم القرن العشرين, جريمة اقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من وطنه وإحلال غزاة مستعمرين مكانه بقوة القهر والإرهاب وبتزوير فاضح لوقائع وحقائق التاريخ، باعتبار القضية الفلسطينية هي اهم قضايا الشعوب الكبيرة والعادلة ورغم مضي سنوات كثيرة عليها لا تضيع بالتقادم, ولن تكون نسياً منسياً رغم تضافر قوى إقليمية ودولية على طمسها, وقضية الشعب الفلسطيني هي قضية القضايا, إنها قضية العصر والتي لن تغيّبها المؤامرات الدولية والإقليمية, ورغم كل العراقيل والصعوبات التي تواجهنا كشعب فلسطيني , ستبقى قضية الشعب الفلسطيني وعدالة مطالبه سيفاُ مسلطاً على الضمير العربي والإسلامي والدولي, لأن الصراع الشامل والمفتوح والتاريخي مع الاحتلال الصهيوني وكيانه البغيض لن يتوقف إلا بتحقيق الحقوق التاريخية والعادلة للشعب الفلسطيني, وأن قضية فلسطين بكل تجلياتها وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية ستبقى جوهر الصراع العربي الصهيوني حتى تزال الأسباب الحقيقية لهذا الصراع بضمان كامل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي المقدمة منه حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس.
إن الهجمة الشرسة التي تجتاح وطننا العربي من قبل أعتى القوى المعادية للانسانية لم يسبق لها مثيل بوحشيتها وهمجيتها وافكارها الظلامية المدمرة وما خلفته من قتل ودمار للبشر والحجر ولكل ما يمت للحياة الآدمية بصلة وحولت بلادنا الى ساحات صراع على النفوذ بين القوى الأقليمية والدولية وحقل تجارب لجميع أنواع الاسلحة الفتاكة التي فتكت بأطفالنا ونسائنا وشبابنا وهجرت الملايين منهم في شتى أصقاع الارض يعانون قسوة التشرد والفقر والمرض والبطالة وقسوة الموت برداً وجوعاً وغرقاً ، ولكن الشعب الفلسطيني ينهض من بين الركام كطائر الفينيق ليعلن للملأ بانه يرفض الظلم والذل والهوان ويطالب بالحرية والاستقلال فوق ترابه الوطني.
وفي ظل هذه الاوضاع نرى انتفاضة شابات وشباب فلسطين التي ترسم خارطة الوطن بالدم و تشكل مرحلة نضالية مهمة بمواجهة الاحتلال وقطعان مستوطنيه حيث يطلقون صرخة مدوية في وجه المجتمع الدولي المنحاز لأسرائيل واستقرارها وأمنها وسلامتها على حساب مستقبل شعوبنا . مما يتطلب من الجميع حماية الانتفاضة و الشباب الثائر على الظلم والطغيان التي تمارسه قوات الاحتلال من قتل واعدامات ميدانية واعتقالات وتعذيب وجرحى وإعاقات
ومصادرة ما تبقى من الاراضي الفلسطينية وأقامة مئات الآلاف من الوحدات الاستيطانية وجدار الفصل العنصري وحواجز عسكرية وطرق إلتفافية ومدن محاصرة.
لهذا ما زلنا نشهد أنّ التاريخ يعيد نفسه في عالمنا العربي، وذلك عبر هذه الحروب المفتعلة رغم ما سجلته المقاومة في لبنان من انتصارين في تاريخ العرب على دولة الاحتلال، عبر تحطيم اسطورة الجيش الذي لا يُقهر بفضل مقاومة شجاعة، استطاعت تحرير الأرض في العامين 2000 و2006 من رجس الاحتلال الصهيوني ومجازره المتواصلة.
ونحن نقف في ذكرى غياب الشهيد القائد ابو احمد ، نرى ان ما كان يمتناه يتحقق اليوم بفضل الانتفاضة الفلسطينية الثالثة وهي التي تشتد بوتيرة متصاعدة من خلال عملياتها النوعية بمواجهة الاحتلال وقطعان مستوطنيه ، حيث ترسم الانتفاضة آفاق المستقبل رغم سقوط الشهداء الذين يتركون بصمات كفاحهم، ومواقفهم، ومثابرتهم، وشجاعتهم التي تتحول إلى أيقونة وطنية إلى جانب الأيقونات الوطنية الفلسطينية التي تملأ الذاكرة الفلسطينية، وتجدد عناصر الهوية الوطنية، وهو يفرض على الجميع ممارسة القول والممارسة ،لأن الانتفاضة تستحق منا هذا الشعور العميق بالمسؤولية .
ومن هنا نرى إن الوفاء الحقيقي للقائد الراحل الشهيد ابو احمد حلب تتطلب العمل على تحقيق مقومات النهوض للجبهة على طريق تحقيق واستعادة دورها الطليعي في النضال الذي تختزله بامتياز القضية الفلسطينية في ظل تعاظم التحديات ، حيث يسجل التاريخ الراهن لحظات مواجهة في الكفاح والمقاومة ، والشعب الفلسطيني يشق بنضاله الصخر بعزيمة المناضلين الأحرار رغم قساوة المرحلة ولكنها ليست عقيمة ، لانها توالدت من داخل الرّحم الفلسطيني المعطاء بوارق الانتصار القادم لا محالة على الرغم من اندفاع بعض الحكام العرب إلى سياقات التساوق للتطبيع مع العدو الصهيوني تحت مسميات عدة ، الا ان ارادة المناضلين ستبقى باتجاه فلسطين.
ختاما : نحن نعرب عن ثقتنا بحتمية انتصار الحركة الاسيرة المناضلة بإضرابها وبتحقيق مطالبها الإنسانية العادلة وانتزاع حقوقهم من قبل المتغطرسين الصهاينة، وهذا يستدعي من الجميع احوابا وقوى عربية واحرار العالم و كافة المؤسسات القيام بواجباتهم اتجاه الاسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام لحين تحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة، ونحن نقف على ابواب عتبة الذكرى التاسعة والستون لنكبة الشعب الفلسطيني لنؤكد على التمسك بحق العودة إلى فلسطين , وبأنه لا بديل عن حق العودة الذي كفلته القوانين والأعراف الدولية.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي