مرت أكثر من عشرة سنوات والانقسام مستمر ومعاناة سكان قطاع غزة تشتد دون أي بوادر حل للوضع الراهن وكل المؤشرات تشير الى ان القادم اسوأ .
مشاريع المصالحة جميعها سارت من فشل الى فشل فعقدة موظفي حركة حماس لا تزال عصية على الحل فحماس غير مستعدة للتراجع خطوة واحدة عن سيطرتها على غزة دون تثبيت كل موظفيها برتبهم ومراتبهم الوظيفية التي منحتها لهم وبنفس الوقت السلطة الفلسطينية من وجهة نظرها غير مستعدة ان تكافئ من انقلب عليها بالرتب والمراتب والرواتب دون اعادة غربلة وتقييم والبحث عن حلول منصفة وعادلة لا تتوافق مع ما تتمناه حماس.
بالنسبة لحركة حماس أي خيار وحدوي لن يكون افضل من الاحتفاظ بمكتسباتها من وراء حكم غزة وخصوصا ان ثقلها ووزنها ومكانتها الان تكمن بسيطرتها على غزة وبدون تلك السيطرة ستفقد وزنها لذلك التراجع والتسليم الطوعي غير محتمل في الوضع الراهن.
السلطة الفلسطينية مقتنعة بصعوبة الحل لذلك بدأت بالضغط على حماس من خلال تقليل مصادر تمويل حماس وخنقها اقتصاديا لعلها تعجز عن تسيير وتمويل حكمها وان لم تنجح بذلك تكون قد خففت من مصاريفها على غزة المهدرة دون أي عائد غير شرعية التمثيل عن الكل الفلسطيني.
الارادة اسرائيلية حاضرة أيضا في الموضوع فرغبتها باستمرار الانقسام تدفعها للعمل على تخفيف الضغط على حماس كي لا تسقط حكومتها ويسقط الانقسام.
بذلك نستنتج ان فرص انهاء الانقسام بالاعتماد على مشاريع المصالحة ضعيفة جدا لذلك لابد من البحث عن وسائل جديدة اضافية للضغط من أجل انهاء الانقسام وللتوصل الى ذلك يجب ان نتساءل لماذا نريد انهاء الانقسام ؟
يمكننا الاجابة على هذا التساؤل باننا نريد انهاء الانقسام من أجل ما يلي:
- وحدة الموقف السياسي الفلسطيني لمساعدة القيادة الفلسطينية بالتوصل الى اقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة على الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة جغرافية متصلة.
- رفع الحصار وقيود الاحتلال الاسرائيلي على حرية حركة للأفراد والبضائع .
- اعادة فتح معبر رفح بشكل طبيعي مع مصر.
- تنفيذ مشاريع حيوية كبرى تنعش الواقع الاقتصادي والاجتماعي السيء في غزة كإعادة اقامة المطار والميناء والمصانع ...
- حل مشكلة الكهرباء والمياه.
- نيل المواطن الفلسطيني حقه في المشاركة السياسية من خلال استئناف دوران عجلة الانتخابات بكافة مستوياتها.
- توحيد القوانين الفلسطينية وتحقيق العدالة وسيادة القانون وحفظ الحريات.
- اصلاح النظام السياسي الفلسطيني بإعادة الفصل بين السلطات وتجديد شرعيتها.
ان جميع تلك الاجابات السابقة تحقيقها متعلق بإنهاء الانقسام ماعدا الحق في حرية الحركة والتنقل واختيار محل الاقامة بحرية داخل الوطن مرتبط بإرادة الاحتلال بشكل رئيسي وهو حق انساني مكفول بكل المواثيق والاتفاقيات الدولية واتفاقية اوسلو ايضا، وانتهاكه وسلبه من اهل غزة هو سبب رئيسي لإدامة الانقسام فلو منح المواطن في غزة حقه في التنقل داخل وطنه لترك الالاف من المواطنين جحيم الانقسام في غزة ولجئوا الى عمقهم الوطني في الضفة الغربية مما سيؤدي الى انهيار الانقسام والتحام الطرف الاضعف والاقل في المساحة والموارد والامكانيات والقدرة السياسية والعلاقات الدولية بالطرف الاقوى ويعود الفرع الى الاصل بعملية انزياح تلقائية كما حصل عندما تم السماح لسكان المانيا الشرقية بدخول المانيا الغربية ففي تلك اللحظة انهار سور برلين وانتهى الانقسام، ولتبقى غزة جبهة قتال لمن اراد برنامج المقاومة المسلحة وليخرج منها كل من يرى نفسه رهينة او درعا بشريا دون طائل او فائدة تذكر لينجو بأبنائه ويرعاهم في مناطق فلسطينية اكثر امنا وتقدما علميا وصحيا وثقافيا وخدماتيا وليناضل منها بالوسائل المدنية وليزاحم مستوطني الاحتلال ويحاصرهم بالتمدد العمراني والزراعة والصناعي.
ستكون الهجرة من غزة حتمية ديمغرافية طبيعية فلا يعقل ان يبقى 2 مليون فلسطيني في علبة مغلقة لا تتعدى الـ350 كيلومتر مربع بينما مساحة الضفة اكثر من 5500 كيلومتر مربع يقطنها 3 مليون فلسطيني فقط.
عندما ينال المواطن حقه في حرية التنقل يستطيع ايضا ممارسة حقوقه في المشاركة السياسية فان تعذرت في غزة يستطيع ممارستها في جنين او نابلس، والطالب الذي يتمنى المشاركة في الترشح والانتخاب في المجالس الطلابية يصبح بإمكانه ترك جامعته في غزة والانتقال لأي جامعة في الضفة الغربية، والفتاة التي ترغب التمثيل او الغناء ويتعذر عليها ذلك في غزة يكون بإمكانها الانتقال الى رام الله او غيرها من مدن فلسطينية تكفل الحريات، والمزارع الذي يعجز عن العثور على ارض زراعية يستثمرها لشح الاراضي في غزة يصبح بإمكانه ان يذهب الى طولكرم او قلقيلية او جنين حيث الوفرة في الاراضي الزراعية ...
من أجل نيل الحق بالتنقل واختيار محل الاقامة داخل الوطن بحرية حسب الاتفاقيات الدولية وبشكل خاص المادة 13 من الميثاق العالمي لحقوق الانسان لابد لنا من اطلاق حراك شعبي نضالي جديد يركز على تلك القضية بشكل واضح ومحدد، فالنضال من اجل انهاء الانقسام اصعب بكثير وأخطر على السلامة الفردية رغم اهميته وضرورته من النضال من اجل نيل الحقوق الانسانية من الاحتلال، فالاحتلال يتذرع بسيطرة حماس على غزة ليسلبنا حقنا المكفول في حرية التنقل بين ارجاء الوطن (الضفة وغزة على الاقل حسب الاتفاقيات) وهنا من واجبنا ان نفند ذرائع الاحتلال ونطالب بإعادة تفعيل "الممر الآمن" المنصوص عليه باتفاقية اوسلو والتوضيح بان الضمانات والترتيبات الامنية اللازمة لذلك متوفرة ومضمونه ومنصوص عليها بالاتفاقيات كاستخراج البطاقات الممغنطة، واليوم التقدم التكنلوجي في استخراج الوثائق الالكترونية يفوق ما كان قبل سنوات بعشرات المرات مما يسهل تنظيم عملية التنقل دون أي اشكالية امنية يتذرع فيها الاحتلال لحرماننا من هذا الحق كعقوبة جماعية تتنافى مع مواثيق القانون الدولي التي حرمت العقوبات الجماعية.
للنضال من اجل انتزاع هذا الحق هناك وسائل واساليب شعبية متعددة وفعالة كالمسيرات السلمية والاعتصامات الحاشدة الجدية على الحدود والتهديد باجتيازها سلميا دون أي شكل من اشكال الصدام العنيف ومطالبة الاحتلال من خلال الارتباط المدني والسلطة الفلسطينية او أي وسائل مباشرة وغير مباشرة اخرى بوقف انتهاكه لحقنا الانساني في التنقل ومطالبة المنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الانسان بتبني القضية واثارتها للضغط على الاحتلال واللجوء الى المحاكم الدولية لمحاكمة الاحتلال بتهمة سلبنا لأهم حق من حقوقنا الانسانية (الحق بالتنقل) ولممارسته عقوبات جماعية بحقنا.
في النهاية انتزاع حقوق من الاحتلال تؤدي الى سقوط الانقسام اسهل بألف مرة من زحزحة كرسي من كراسي الانقلاب ولا يوجد حلول دون تضحية وجهد ونضال.
وما اطرحه ليس خيال او احلام انما لا أرى سبيل للخلاص بغير الجهد والنضال وقد حاولت تنفيذ ما اقول وقمت بتنظيم حملة شعبية كانت محدودة العدد للاعتصام الدوري على معبر بيت حانون (ايرز) لمدة ستة شهور متواصلة، وذلك قبل ثلاثة اعوام للمطالبة بالحق في التنقل وزيارة القدس حتى نجحنا بفضل الله وفضل جهود اصحاب الهمم ممن رافقوني في الحملة ووافق الاحتلال على السماح بتنظيم رحلات اسبوعية لزيارة القدس ولكن بشروط مجحفة استمرت لأكثر من عامين وها هو الاحتلال اعاد وقفها لأنه ادرك انه لن يجد من يعترض على وقفها وبالفعل وبكل اسف لم يعترض احد حتى انا ورفاقي لم ننجح بالاعتراض لعدم نجاحنا في استقطاب الدعم الشعبي اللازم للاعتراض والمطالبة بالحقوق.
رائد موسى
باحث في العلوم السياسية