تفاجأنا بأحد المواقع المجهولة تطل علينا بمبادرة للسيد محمد دحلان القيادي البارز في حركة فتح ، والقائد المثير للجدل في المشهد الفلسطيني ، تتحدث عن حكومة وطنية برئاسته في غزة بلا برنامج سياسي، مهمتها فك الحصار، وإعادة الإعمار، ولا تكون بديلة عن السلطة وإنما تؤسس لوحدة الضفة مع غزة ، ومن أهم الأعمال التي ستكون على جدولها ، إنجاز المصالحة المجتمعية، وتغطية كافة النفقات لإتمام هذا الملف، و دمج موظفي الحكومة التي عينتهم حماس بعد عام 2007م، بما فيهم المقطوعة رواتبهم، وتحمل فاتورة رواتبهم بالكامل ويتعهد دحلان بفتح معبر رفح بشكل كامل تدريجيا، وتطويره ليصبح معبرا تجاريا، كما سيسعى مع أصدقائه المانحين لإنشاء ميناء بحري وآخر جوي.
ان المفاجأة ليست في هذه المبادرة ، وهي بالمناسبة تمثل الحلم النموذجي والمطلب المثالي لآهالي غزة المغلوبين على امرهم ، بفعل الاحتلال والحصار والانقسام ، وانما المفاجأة بما انعكست به على اولئك المغلوبين من امل وشغف ورغبة شديدة بتصديقها ، وكأنها الحل السحري الذي انتظروه ، لا سيما انها جاءت وسط حالة من الترقب للخطوات التي هدد بها الرئيس محمود عباس وحركة فتح في الضفة لاتخاذها ضد غزة والتي قالوا انها ضد حركة حماس .
والامر الملاحظ ، ان السيد محمد دحلان لم ينف ولم يؤكد هذه المبادرة ، وكأن من ابتدعها – ان كانت غير حقيقية – قد وضعه بحالة من الاحراج ، لان صمته هنا قد يفسر بانه ، صمت المتقهقر المترقب لما جرى من سجالات بين حماس وعباس ، وكلاهما خصمان سياسيان له - وان اختلفت الحالة والدرجة والظروف والرؤية- وهو صمت ينظر الى الوراء وما عصف بنا من تداعيات الانقسام المرير ، والاحداث المؤسفة التي وقعت في قطاع غزة ، عام 2007 ، والذي استهدفته تلك الاحداث بشكل مباشر وخاص من قبل حماس ، حينما كان من اقوى حلفاء عباس .
كثيرا ما استغرب المراقبون والمحللون والفلسطينيون من الفتحاويين وغيرهم ، صمت دحلان ازاء التطورات العاصفة في قطاع غزة ، اخيرا من خصم رواتب وغيرها من الخطوات التي ادت الى التضييق على اهالي قطاع غزة لا سيما الفتحاويين ، خصوصا من اتباعه الذين قطعت رواتب العشرات منهم ، مما يبطل مقولة ان تلك الخطوات لإضعاف حماس من قبل عباس ، هؤلاء جميعا استغربوا صمت دحلان وظنوه هروبا للأمام ، وتريثا ليرى كيف ستؤول الامور؟.
ومن وجهة نظري فان صمت دحلان ليس كما يبدو للجميع بانه تقهقر للوراء او هروب للأمام ، فربما هو مزيج من هذا وذاك ، فاللعبة السياسة ليست حتمية ، والمعادلة معقدة ، واللاعبون كثر ، سواء على الساحات الفلسطينية أو العربية أو الاقليمية أو الدولية ، كما ان الحسابات تختلف من ظرف الى اخر ومن توقيت الى اخر .
فلكل مقام مقال ، ورب صمت ابلغ من كلام ، وليس كل كلام يقال ، قد حان مكانه و زمانه ، او ربما قد وجد سامعيه ، ولكن الحقيقة المؤكدة بان اولئك المغلوبين ينتظرون ، ان يكسر دحلان سكون الكلمات ويخرج عن صمته ، وكأنهم يسألونه وكلهم امل وقلق : ان لم تخرج عن صمتك الان فمتى تخرج !! ؟؟.
بقلم/ علاء المشهراوي