فتحت حالة التفرد التي تميز بها النموذج اللبناني في "قوننة" العمل الخيري، على مدى عشرات السنين، الباب على مصراعيه لإنتاج قطاع خيري ينعم بمساحات واسعة من حرية الحركة والتأثير في مجتمعه، وسط تنوع وغزارة الحضور المؤسسي للعمل الإنساني في الساحة اللبنانية.
فالقانون اللبناني يعطي الحرية الكاملة للأفراد الراغبين بتشكيل مؤسستهم الخيرية، لتنتظم في وقت لاحق إجراءات إعلام الحكومة بعد التأسيس، حيث يشير البند الخاص بهذه الجزئية (المادة الثانية من قانون الجمعيات) بشكل واضح على أن الجمعية أو المؤسسة الخيرية اللبنانية "تنشأ بمجرد التقاء مشيئة مؤسسيها وبتوقيعهم على أنظمتها، دون حاجة إلى أي ترخيص من السلطات الإدارية".
وتمنح السلطات فيما بعد حريات نسبية لمجال عمل المؤسسات الخيرية، حيث تنحصر إجراءات تراجع الدولة عن الاعتراف بعمل هذه المؤسسات، أو سحب الترخيص الممنوح لها سلفاً بأصول معينة، مقيدةً بحالات خاصة كثبوت "انحراف الجمعية عن الغايات التي أجيزت من أجلها وخروجها عن أهدافها المشروعة".
بالتالي فإنه يحسب للسلطات اللبنانية مساهمتها في خلق مناخ تشريعي صحي يدعم تأسيس الجمعيات في البلاد، ويجعل منه حقاً مصاناً، ويمنح في ذات الوقت القطاع الخيري والإنساني موثوقية التنظيم في إطار مؤسسات تعمل لصالح مجتمعها وتعزيز بنيانه وتكافل أبنائه، لا سيما وأن عمل الخير متأصل في المجتمع اللبناني وفي وجدانيات شعبه بشكل ينسجم مع أخلاقيات وتعاليم الأديان التي تحض على التكاتف والترابط الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد المتنوع الطيف العقائدي والفكري.
وتعوّض حالة الانفتاح على العمل الخيري في لبنان، بشكل كبير، في سد فراغات تركها العجز الحكومي في البلاد عن إحراز تقدم في مجالات التنمية، حيث أن صعوبة الوضع الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف مؤسسات الدولة، وما خلفته الحرب الأهلية الطويلة من تراكمات اجتماعية وتمزيق لهيكلية الدولة، كان لذلك الانعكاس الكبير على بنية المجتمع، ما أبرز الحاجة الكبيرة للدور الفاعل للمنظمات الأهلية في النهوض بكافة القطاعات الحيوية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من الباحثين يجمعون على الحاجة لتنظيم المؤسسات المجتمعية، خاصة وأن الظروف الموضوعية للانفتاح التشريعي، ومدى الإدراك لتعطش المجتمع لبرامج دعم المؤسسات الأهلية، قد فتح المجال أمام تكاثرها بشكل انسيابي، حيث بات يقدر عددها بما يفوق الثمانية آلاف جمعية، بنسبة تصل إلى جمعية لكل ألف مواطن، ما يشير إلى عدم فاعلية العديد منها واقتصارها على تقديم الدعم الهامشي نسبياً، كما أن غياب التنسيق الجوهري مع مؤسسات القطاع الخاص أدى بشكل إجمالي إلى القصور في تحقيق غايات التنمية المستدامة بمفهومها الواسع بحسب معاييرها الدولية، والخروج من بوتقة أنماط العمل الإغاثي فقط.
وهذا لا يعني بالتأكيد إحجام مؤسسات القطاع الخاص عن القيام بدورها الاجتماعي التنموي، بل على العكس، فقد كان للعديد من المؤسسات مبادرات متقدمة في تنفيذ مشاريع اتسمت بالمسؤولية الاجتماعية في مجالات مختلفة كالتعليم والصحة والبيئة، أثبتت من خلالها ريادتها في العمل الاجتماعي، مع تخصيص بعضها موازنة سنوية خاصة تهدف لتمويل مشاريع ذات بعد مجتمعي، ما يعكس التزام هذه المؤسسات تجاه الحرص على انجاز برامجها المجتمعية.
وقد شجع ذلك الكثير من الجمعيات ومؤسسات العمل الخيري للعمل على تطوير أدواتها للارتقاء بأدائها بغية تقديم الخدمة والدعم الأفضل لكافة شرائح المجتمع التي تنشد الدعم والمساعدة من قبل هذه المؤسسات، والتي سجلت على مدى الأعوام الماضية انجازات عبرت من خلالها عن دافعيتها الذاتية، وحرصها الكبير على أداء الدور المنوط بها، ما أكسبها ثقة اللبنانيين وفخرهم بأدائها الرفيع القائم على المهنية العالية والشفافية والنزاهة.
نصرة قضايا الأمة
ولم تكن العديد من المؤسسات الخيرية اللبنانية بغائبة عن نصرة قضايا أمتها والوقوف إلى جانب أشقائها، فقد كان حضورها، ولا يزال، واضحاً ومؤثراً تجاه أبناء الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال منذ عقود، فضلاً عن دعم الأشقاء من أبناء الشعب السوري الذين لاذ مئات الآلاف منهم، خلال الأعوام الست الماضية، بالأرض اللبنانية والشقيق اللبناني طلباً للأمن والعون.
وقد كرّس صندوق الزكاة اللبناني جزءاً كبيراً من جهده ومشاريعه من أجل دعم صمود أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل، فضلاً عن تقديم المساعدات للاجئين الفلسطينيين في المخيمات بلبنان، إلى جانب تنفيذ مشاريع دعم المجتمع المحلي اللبناني.
فقد أشرف الصندوق –وهو أحد مؤسسات دار الفتوى- بشكل مباشر على تنفيذ العديد من المشاريع الهادفة لدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، والعمل على تحسين الظروف الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان حتى عودتهم إلى أرضهم.
كما ينفذ الصندوق مشاريعه التنموية والإغاثية، ذات الأثر الكبير، والتي يستفيد منها مختلف شرائح الشعب اللبناني، إلى جانب المشاريع التي تستهدف اللاجئين السوريين في لبنان، من بينها المساعدات المالية الدائمة للعجزة والأرامل والمرضى، والمساعدات الطارئة، والمساعدات المرضية والإستشفائية، والمساعدات العينية، والسلة الغذائية. كما يقدم الخدمات الطبية عبر مركزه الصحي في بيروت لمستفيديه وللأسر المحتاجة.
إلى جانب ذلك، ينفذ الصندوق العديد من المشاريع ذات الطابع الموسمي كإفطار الصائم، ولحوم الأضاحي، وكسوة العيد، وحقيبة الطالب، ودعم الدورات الصيفية القرآنية، فضلاً عن مشاريعه التنموية كالبقرة الحلوب، والقرض الحسن الإنتاجي، والمنح الإنتاجية، ودعم الكتاب المدرسي، ومؤازرة طلبة العلم الشرعي، ودعم المؤسسات والمناطق، ومساعدات المساجين، وكفالة الأيتام.
أما "صندوق الخير" وهو أحد المؤسسات المنبثقة عن دار الفتوى، فحركته المكوكية في دعم الشعب الفلسطيني واضحة للعيان من خلال مشاريعه الواعدة والمدروسة بعناية، لا سيما وأنها تستهدف الشريحة الأكثر فقراً وعوزاً من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والمخيمات.
فقد كان لمشاريعه وحملاته الأخيرة على سبيل المثال كحملتي "مولدك عطاء وفي العطاء حياة"، التي أطلقها بمناسبة المولد النبوي الشريف، و"أضحيتك لفلسطين"، الأثر المباشر في إغاثة المحتاجين من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر، فقد رفعت الأولى شعار (أكرم العطاء لشعب الصمود والإباء)، والتي وصلت إلى آلاف الأطفال لأسر تقاسي برد الشتاء، ومن هذه الأسر من لا يزال يعيش في الكرفانات المؤقتة بعدما دمر الاحتلال منازلهم في حروبه المتكررة على القطاع المحاصر.
ولمشروع "أضحيتك لفلسطين" أهمية كبيرة حيث أنه إلى جانب أداء الفريضة الإسلامية فإن الأضاحي عرفت طريقها إلى مستحقيها الحقيقيين من أبناء غزة الذين عبّر الكثير منهم عن اشتياقه لطعم اللحم، حيث لا تتناوله شريحة واسعة من هذه الأسر سوى في موسم عيد الأضحى وذلك نتيجة حال الفقر المدقع الذي وصلته هذه الأسر بسبب الحصار الجائر على القطاع منذ أكثر من 10 سنوات.
أما حملة الصندوق الأخيرة التي حملت اسم "دعمكم للقدس حياة" فإنها تشكل وعياً كبيراً بدور العمل الخيري في إسناد مواقف الأمة ودعم قضاياها من خلال دعم الحقوق الإنسانية والدينية للفلسطينيين على أرضهم، حيث هدفت الحملة إلى التوعية بالتحديات التي يعيشها المقدسيون ليل نهار جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الساعي لاقتلاعهم من أرضهم، والماضي في مشروعه التهويدي للمدينة المقدسة.
فقد استنهض الصندوق إمكانياته وطاقاته لإنجاح الحملة عبر جمع التبرعات في الميادين العامة، وإطلاق برامج خاصة عبر الأثير، تبثها عدد من الإذاعات التي استضافت ثلة من العلماء والمختصين بقضية القدس، إضافة لتوظيف وسائل إعلام مختلفة بغية ضمان إنجاح الحملة.
ولا تتوقف مشاريع الصندوق عند هذا الحد، حيث يعمل على متابعة أوضاع الأسر الأشد فقراً، أو التي تعيش التشرد في غزة بهدف تقديم ما يمكن تقديمه من مساعدات، وقد استنفر من أجل تنفيذ مشروعاته عشرات المتطوعين الذين يجوبون أحياء لبنان ومساجدها ومدارسها، في صورة لا تستطيع معها الكلمات أن تعبّر عن علاقة اللحمة والترابط بين الشعبين الشقيقين، وتقدم صورة مشرقة لرقي الشعب اللبناني وإنسانيته العالية التي تثبت فطرته السليمة في التعاطي مع القضايا الإنسانية.
وتحمل جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية رمزية كبيرة كونها تأسست في بيروت منذ أكثر من قرن وربع القرن سنة 1295هـ 1878م، وتدرجت في تطورها وفي مشاريعها التنموية، لا سيما في مجال التعليم وتأسيس المدارس، والاهتمام بالنشء، لتصبح من أبرز الجمعيات التي رسخت أسس التعليم الخيري على مستوى العالمين العربي والإسلامي.
فقد نجحت بشكل كبير في تأدية رسالتها التربوية من خلال تأمين التعليم الأساسي والتربية الإسلامية لأكبر عدد من أولاد المجتمع اللبناني، ويظهر ذلك من خلال المدارس التابعة للجمعية والتي تنتشر في مختلف مناطق لبنان، وتعتمد في برنامج عملها على تأمين التعليم المجاني في معظم مدارسها الابتدائية، وتأمين التعليم المتوسط والثانوي بأقساط مخفضة، وقد أنشأت صندوق المنح المدرسية لمساعدة بعض الطلاب.
كما برزت نجاحات الجمعية في المجال الصحي من خلال مستشفى المقاصد التعليمي الذي يضاهي المستشفيات العالمية من حيث انفتاحه على الخبرات العالمية في عدد من دول العالم المتقدم، ويضم المستشفى مراكز متخصصة لها الأسبقية في مستشفيات لبنان.
واستطاعت "الهيئة الإسلامية للرعاية" أن تضع اسمها بين المؤسسات الخيرية الريادية المتصدرة للمشهد الخيري في لبنان عبر فلسفتها الخاصة في دعم الأيتام، وتنفيذ المشروعات التي تلامس الجرح الإنساني للفقراء والمحتاجين، بمختلف فئاتهم. فقد قدمت بحسب مختصين ومتابعين لأعمالها "مثلاً عملياً لاستنهاض اليتيم وإدماجه وإعطائه فرصاً للمشاركة في صناعة الحياة الكريمة وتنويعها"، لتنتج "مساحة مشتركة بين الحضارات، وثقافة رافعة للقيم، وتحدياً مستمراً للتطوير والإبداع والتجديد"، وتتميز بذلك عن الكثير من المؤسسات في هذا الصدد.
وبالإضافة لتفوقها الكبير في تنفيذ برنامج "كفالة اليتيم في بيته" فإنها تقدم حالة الإبداع الخيري ذاته بالنسبة لمشاريعها الأخرى ككفالة الطالب المهني، ومشروع رمضان الخير، وأضاحي العيد، ومشروع كنزة الشتاء، كما أن الهيئة كانت في واجهة المؤسسات التي تصدت للأزمة الإنسانية التي تلم بالأشقاء السوريين، حيث نفذت ولا تزال المشاريع الخاصة باللاجئين السوريين من توزيع لطرود الغذاء والملابس ومستلزمات المنزل وغيرها من المشاريع التي تهدف لتوفير المتطلبات الأساسية للاجئين.
وقد جاء تأسيس الهيئة عام 1985 في إطار الحاجة الإنسانية والوطنية لدورها الخيري، بعدما حرم الاجتياح الإسرائيلي على لبنان مئات الأسر من معيلها، لتؤدي الهيئة دورها ككافل لليتيم ومداوٍ للجريح، حيث برزت أهدافها بشكل أساس في "رعاية أسر الشهداء والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة"، و"دعم المجتمع ومعاونة المؤسسات المدنية المختلفة في أعمال الإغاثة والرعاية والتنمية المستدامة"، إضافة لأهداف أخرى من ضمنها "إنشاء المراكز الاجتماعية والثقافية والمعاهد التعليمية والتربوية والمدارس المهنية لخدمة الفئات المذكورة".
وتخدم الهيئة مجتمعها المحلي من خلال مراكزها المنتشرة في عدد من المدن والأحياء كطرابلس وصيدا وصور، وغيرها من المناطق، من خلال مشاريعها التنموية والموسمية على حد سواء، عبر التشبيك والتنسيق مع مؤسسات العمل الخيري في عدد من الدول العربية والإسلامية، لتقدم عبر مشاريعها مستوىً عالٍ من المهنية تجاه مستحقي الدعم الإنساني من الأسر اللبنانية الفقيرة، إلى جانب أشقائهم اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، واللاجئين من أبناء الشعب السوري الشقيق.
ولجمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية الإسلامية إبداعاتها الخاصة في إطلاق المشاريع والحملات التي تستهدف الأشقاء اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين على حد سواء، كحملة "ناطرينك على نار"، التي تنفذها مؤسسة (قطاف) التابعة للجمعية، والتي جاءت ضمن مشروع "دفء الشتاء" السنوي لعام 2016-2017، والهادفة للتلبية العاجلة لاحتياجات الشتاء الأساسية للعائلات اللبنانية التي تعيش تحت خطّ الفقر ولعائلات اللاجئين السوريين والفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، والتي تستفيد منها آلاف الأسر الفقيرة.
وقد زارت طواقم (قطاف) الأسر اللبنانية الفقيرة، وأماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين والسوريين من مخيمات، ومرائب السيارات، والمخازن والحظائر، والمواقع الصناعية والمنازل قيد الإنشاء، وقامت بتوزيع احتياجات الشتاء من ألبسة وأغذية وبطانيات ووقود وأغطية عازلة للخيم.
وتتنوع مشاريع (الإرشاد والإصلاح) لتشمل كفالة الأيتام، وتقديم المساعدات للأسر الفقيرة، ودعم طلبة العلم، وتنفيذ الدورات التثقيفية كدورة الإسعافات الأولية، إضافة لإقامة الحملات والندوات التوعوية لقضايا تمس بشكل مباشر المجتمع اللبناني، وتهم كافة فئاته وعلى رأسها فئة الشباب والمراهقين، وغيرها من المشروعات.
ولجمعية "إشراق النور الخيري" تجربتها في دعم مناطقها والنهوض بها بعد الانسحاب الإسرائيلي من هذه المناطق، حيث كانت الغاية من وراء إطلاق المؤسسة الخيرية مساعدة الأسر الفقيرة في منطقة العرقوب وجوارها، جنوب لبنان، حيث تنفذ في سبيل ذلك مشاريع ككفالة الأيتام ورعايتهم، وكفالة الأسر الفقيرة ودعمها مادياً وصحياً، وأسست لهذه الغاية (هيئة تنمية الموارد) لتصل بالعمل الخيري إلى مصدر إنتاجي لا يتوقف عطاؤه على جود المحسنين وبذلهم.
وللجمعية مشاريعها الدعوية حيث أسست معهد الصحابي الجليل معاذ بن جبل للعلوم الشرعية، وأقامت الدورات الشرعية للرجال والنساء والناشئة, والمسابقات الهادفة بالإضافة إلى سلسلة المحاضرات والدروس, وتوزيع الكتب والنشرات والتسجيلات التوعوية.
أما مؤسسة "رفيق الحريري" فقد كان لها إنجازاتها التي يشار لها بالبنان، حيث بدأت بإطلاق العديد من المبادرات والمشاريع الاجتماعية منذ إطلاقها في منتصف الثمانينات، حين استهل مكتب مساعدات الرئيس الشهيد رفيق الحريري تقديم مساعداته الاجتماعية والصحية للأهالي ليلتحق فيما بعد بالمؤسسة بعد تأسيسها ويصبح أحد أذرعها الرئيسية.
وتقدم المؤسسة "خدماتها المتنوعة للأفراد والهيئات في مجال المساعدات الصحية والاجتماعية، كما تتعاون المؤسسة مع منظمات غير حكومية في إطار مشاريع تنموية تخفف من المعاناة خلال الأزمات الوطنية".
وتميزت المؤسسة في دعم مشاريع التعليم والطلبة المحتاجين، كما عملت على تطوير المنشآت التربوية التي تشرف المؤسسة على سير عملها بغرض تنمية قدرات روادها، وتعزيز انفتاحهم على الثقافات العالمية في مناخ من حرية الرأي والتعبير.
وتؤدي جمعية "التنمية والبر الخيرية" دوراً بارزاً في دعم الأسر اللبنانية الفقيرة، إضافة لأشقائهم النازحين واللاجئين من السوريين والفلسطينيين والعراقيين، حيث تعمل على تقديم الخدمات الإنسانية والرعاية الصحية لهم.
كما تسعى من جملة أهدافها إلى "احتضان المشاريع العلمية والثقافية والأدبية والرياضية والمهنية لجميع الفئات وخصوصاً الأطفال والشباب، والعمل على تطوير المجتمع وتنميته ونشر الفضيلة والأخلاق الحسنة، وغرس التربية الإيمانية والعلمية في نفوس النشء والمجتمع".
دعم مادي وسيكولوجي
وتوفر جمعية (مار منصور) الخيرية أشكالاً من الدعم الإنساني يشمل المادي والسيكولوجي، حيث تقدم المساعدات المادية للأسر الفقيرة، ومن ضمن ذلك "تسديد فواتير المياه والكهرباء والعلاج إضافة لشراء الأدوية، ومساعدة الطلاب الجامعيين.
ومن الناحية السيكولوجية تقوم الجمعية بزيارة الأسر الفقيرة في منازلها، وتفقد أوضاعها، فضلاً عن زيارة المرضى والمسنين بهدف تقديم الدعم النفسي لهم، إضافة لجهودها في إدخال البهجة إلى قلوب أطفال الأسر الفقيرة وذلك بإقامة حفلات بكافة المناسبات والأعياد المجيدة.
ولجمعية (أبناء المحبة) هويتها الخيرية الخاصة من خلال "العمل مع الكنائس المسيحية في لبنان خاصة ومع المجتمع المسيحي في لبنان عامة، وذلك لتنمية طاقاتهم الروحية والفكرية والعلمية والاجتماعية والثقافية والفنية والترفيهية وتطويرها وتقويتها بهدف الحد من سيل هجرة الشباب والعائلات المسيحية إلى خارج لبنان".
كما تهدف من خلال العمل مع الكنائس إلى "خدمة الفئات المنبوذة والمهمشة والضعيفة خاصة الأيتام، وأطفال الشوارع، وأطفال ذوي مشاكل مع القانون، والأطفال المعرضين لخطر الانحراف، والأطفال المعنفين جسدياً أو جنسياً أو نفسياً أو اجتماعياً، والنساء خاصة الأرامل، والمعنفات ذوات المشاكل مع القانون، والبغاء، والعجزة والمعاقين. وبشكل أوسع تسعى كذلك لتمكين وتقوية المجتمع اللبناني عامة وتشجيع الإنماء والازدهار في البلاد".
وتضع جمعية "التضامن الخيري الدرزي في بيروت"، التي تأسست عام 1930، على رأس أهدافها المحافظة على وقف الطائفة الدرزية وتطويره بهدف زيادة إيراده من أجل القيام بأعمال ومشاريع خيرية وإنسانية واجتماعية تعود بالخير على أفراد الطائفة الدرزية في بيروت.
وقد قامت الجمعية منذ بداية تأسيسها بإنشاء عدة مشاريع، أخذت على عاتقها خدمة جمهورها، وتحسين أوضاع أبناء الطائفة المعيشية، ودعم الفئات المحتاجة كالأيتام والمرضى والأرامل والمسنين وطلبة العلم، والأسر الفقيرة، وغيرها.
مرونة قانونية
ومع تكريس الدستور اللبناني حرية إنشاء الجمعيات بحسب المادة 13 منه، والذي أتاح حرية إنشاء الجمعيات اللبنانية بمجرد التقاء مشيئة مؤسسيها وتوقيعهم على أنظمتها، فإن هذه السيرورة والرحابة في التعاطي بشكل حضاري مع قطاع العمل الخيري قد فتحت المجال أمام تأسيس مؤسسات خيرية أجنبية، وإن كانت خاضعة لبعض الإجراءات التي لا يتطلبها تأسيس الجمعيات المحلية.
واستفادت عدد من المؤسسات التي تستهدف دعم اللاجئين الفلسطينيين في الدرجة الأولى من آلية التأسيس تلك، حيث انطلقت هذه المؤسسات في ميدان العمل الخيري لتقديم يد العون لأبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء، دون تمييز تجاه أشقائهم من أبناء الشعب اللبناني.
وقد تمحور عمل هذه المؤسسات، بحسب فئاتها والشرائح التي تستهدفها، حول العديد من المهام من أبرزها: توفير الرعاية والخدمات الصحية والاجتماعية للاجئ الفلسطيني، وتغطية ما لا توفره (الاونروا) من خدمات في هذا المجال، وتوعية المجتمع المحلي بحقوق الطفل وحماية الأطفال ودعمهم وتنشئتهم على أساس وطني من أجل العودة وتقرير المصير، وتنمية القدرات التعليمية والثقافية والإبداعية للشباب، والمساهمة في توفير حياة كريمة لأسر وأبناء الشهداء والجرحى، إضافة لتقديم خدمات تستهدف شرائح أخرى كالمرأة والمسنين والأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي سبيل ذلك، نجحت العديد من المؤسسات الداعمة للاجئين الفلسطينيين، إضافة لأشقائهم المحتاجين سواء من اللبنانيين والسوريين والعراقيين، وغيرهم، في تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مؤسسة "الغوث الإنساني للتنمية" التي تحدد أهدافها في المساهمة في رفع المستوى المعيشي للأيتام والأسر المحتاجة الفلسطينية، والمساهمة في بناء جيل مثقف متعلم من أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان، وتنمية العائلات الفلسطينية المحتاجة وتحويلها إلى أسر منتجة، ودعم وتطوير مشاريع البنى التحتية للمخيمات الفلسطينية، فضلاً عن نشر الثقافة الصحية والبيئية.
وقد تمكنت المؤسسة منذ تأسيسها عام 2003 في تنفيذ العديد من المشاريع، كتقديم العون المادي والمعنوي للمحتاجين والفقراء والأرامل والأيتام وأصحاب الحاجات الخاصة في المخيمات الفلسطينية والأسر الفقيرة في لبنان، كما تقوم المؤسسة بتنفيذ العديد من المشاريع الموسمية كتوزيع معونة الشتاء وزكاة الفطر والحقيبة المدرسية وكسوة العيدين، وإفطار الصائم والطرود الغذائية، ومشروع الأضاحي، إضافة لمشاريع أخرى تتسم بالديمومة ككفالة الأيتام ودعم المراكز الصحية والتعليمية بشكل خاص.
ولمؤسسة "وقف الرأفة الاجتماعية" بصمتها الواضحة في توفير الدعم والإسناد للأسر المحتاجة، حيث نفذت العديد من المشاريع المهمة وذلك من خلال التنسيق والتشبيك مع مؤسسات العمل الخيري في الدول العربية، من بين هذه المشاريع مشروع صيانة وترميم منازل الفقراء، وكفالة الأيتام، ومعونة الشتاء.
كما تنفذ المؤسسة مشاريع محطات تنقية المياه، وإنارة منازل الفقراء، وحفر آبار المياه، وإنشاء مشاغل الخياطة، وصيانة وبناء المساجد، وبناء ودعم رياض الأطفال، وبناء ودعم المعاهد الشرعية، وتقديم المنح الطلابية ودعم المدارس، وكفالة الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والأسر الفقيرة، كما لم توفر المؤسسة الجهد في تقديم الدعم والمساعدات الإغاثية للنازحين من أبناء الشعب السوري الشقيق.
ومن بين المؤسسات الخيرية المتخصصة يبرز دور مؤسسة "تكافل لرعاية الطفولة" التي توجه غاياتها صوب تحسين مستوى الحياة، وتقديم خدمات أفضل للأطفال، مرتكزة على برامج متخصصة ومشاريع متميزة، مستفيدةً من التعاون مع شركائها حول العالم لتحقيق رفاه الأطفال وحمايتهم وفق الدين الإسلامي الحنيف والمعايير الدولية.
وقد أطلقت خلال مسيرتها العديد من البرامج كبرنامج الرعاية الاجتماعية الموجه للأيتام والأطفال المحتاجين، وبرنامج الرعاية الصحية والنفسية الذي تهدف من خلاله إلى توسيع وتحسين نطاق الرعاية والخدمات الصحية والنفسية للأطفال المستهدفين بخدماتها، وبرنامج الرعاية التعليمية الذي يعمل من أجل تهيئة جيل متعلم مثقف واعٍ ذو مبادئ سليمة وأخلاق حميدة، وكذا لتأمين حاجة الأطفال في اللعب والترفيه، وبرنامج رعاية الإبداع الذي يعنى بالبحث عن القدرات الإبداعية الكامنة عند الأطفال وتقديم ما في الوسع لدعمها وإطلاقها والاستفادة منها، وبرنامج التدريب والتطوير الذي يستهدف الأطفال وأسرهم والمجتمع المحلي وكادر المؤسسة عبر تدريب الآباء والأمهات أساليب التربية الناجحة، وبرنامج الرعاية الذي يهدف لاستكمال دورة الخدمات التي تقدمها، وتأمين الاحتياجات التي تكفل حسن تنفيذ البرامج السابقة.
ونفذت المؤسسة في إطار ذلك مشاريع ذات قيمة إنسانية عالية، وتأثير تنموي واضح للشريحة المستفيدة، من أهمها: مشروع إعداد المستشارين الاجتماعيين، مشروع زكاة الفطر، مشروع سلة رمضان الغذائية، مشروع إفطار الصائم، ومشروع مركز علاج صعوبات التعلم، ومشروع مركز جود للتربية الخاصة، ومشروع مختبر الكمبيوتر، ومشروع دعم العمليات الجراحية للأطفال، ومشروع التفريغ النفسي للأطفال النازحين، ومشروع صندوق الطالب، ومشروع إغاثة النازحين، ومشروع معرض منتجات الأمهات، ومشروع الطفل المحتاج، وغيرها من المشاريع المتنوعة.
وتبذل جمعية "الهلال الأحمر الفلسطيني" من خلال فرعها في لبنان جهوداً كبيرة من أجل توفير الرعاية الصحية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان جنباً إلى جنب مع إخوانهم اللبنانيين من أبناء الأسر الفقيرة، من خلال مؤسسات الجمعية المنتشرة داخل أو بالقرب من مخيمات اللجوء.
وتشتمل هذه المؤسسات على عدد من المستشفيات التي تقدم خدماتها الطبية للاجئين، كمستشفى الهمشري في صيدا، والناصرة في البقاع، والبلسم في مخيم الرشيدية في صور، وحيفا في مخيم برج البراجنة في بيروت، وصفد في مخيم البداوي في طرابلس.
كما تدير الجمعية العديد من العيادات الطبية في مخيم نهر البارد، وبئر حسن، ومخيم شاتيلا، ومخيم مار إلياس، ومخيم عين الحلوة في صيدا، ومخيم برج الشمالي، ومخيم البوص، ومخيم القاسمية، ومخيم ويفيل في بعلبك، كما تدير الجمعية برامج التثقيف الصحي وبرنامج الشباب والمتطوعين، وخدمات العلاج الطبيعي، وتقوم الجمعية بالإشراف على مدرسة تمريض في صيدا.
صناعة متقنة
ويبقى العمل الخيري والإنساني مترسخاً في نفوس اللبنانيين حتى في بلاد الاغتراب، حيث يسعى أبناء الجالية اللبنانية المهاجرة لإبقاء الصلة حيّة مع وطنهم الأم، ويظهر ذلك من خلال أنشطتهم في تقديم المساعدة من خلال جمعيّات خيرية تنشط في عدد من دول المهجر.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك جمعية "صندوق كندا لبنان" التي تعمل بصورة أساسيّة على مساعدة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان، حيث تنشط في جمع التبرعات وإرسالها إلى الوطن الأم منذ ما يزيد عن 15 عام "قناعة منها بأهميّة دعم المعاق وتعزيز ثقته بنفسه وتسهيل اندماجه في المجتمع".
وتتركز جهود جمعية "المبرات الخيرية" على توفير المدارس والمراكز الرعائية للأيتام، حيث تؤكد الجمعية في أهدافها على أن هذه المراكز "انطلقت في جمعية المبرات الخيرية كمشروع إنساني حضاري، بهدف رعاية الأيتام والحالات الاجتماعية الصعبة وذوي الاحتياجات الخاصة على مستوى الوطن، من أجل بناء جيل مؤمن ومتعلم ومنتج بناءً شاملاً متكاملاً".
ويتوفر في هذه المراكز الرعائية المرافق الأساسية المساندة كالمستوصفات لتأمين الظروف الصحية السليمة من خلال الكشف الدوري العام على الأيتام وتأمين العلاج وبرامج التلقيح. ويضم كل مستوصف عيادة للطب العام وأخرى لطب الأسنان، وعيادة لطب العيون وعيادة الطب النفسي، وغرفة العزل، ومختبر للتحاليل الطبية، والصيدلية.
كما تنتشر في لبنان العديد من الجمعيات المتخصصة، ومنها ما يختص بفئة معينة من فئات المجتمع كالجمعيات النسائية التي تزيد عن الـ 800 جمعية، ويتخذ العمل فيها نوعان: تطوعي فردي، وتطوعي مؤسساتي، كما تميزت المرأة اللبنانية في العمل الخيري من حيث تنفيذ وإدارة برامج رعاية المحتاجين والأيتام، وجمع التبرُّعات، وإقامة الأسواق الخيرية، ومهرجانات الطفولة والأمومة، وغيرها.
ولا يمكن حصر المؤسسات الخيرية اللبنانية ودورها في هذه السطور، إذا ما علمنا أن كثرة المؤسسات الخيرية في لبنان، وإن كان يرى فيه البعض جوانب سلبية، إلا أن الجوانب الإيجابية هي الطاغية على المشهد الخيري والإنساني في البلاد، والتي تؤكد بأن العمل الخيري صنعة يتقنها اللبنانيون، كإتقان صاحب الحرفة المتمرس لصنعته.
وقد لا نبالغ إذا ما قلنا بأن لبنان هو أحد المدارس وبيوت الخبرة التي تمكن من يريد اكتساب مهارات وخبرات العمل الخيري، أو يود الاستفادة من تقنيات وأساليب متأصلة ومبتكرة في العمل الخيري، من أن ينهل من علومها، فقد صقلت الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية القاسية التي مرت وتمر بها البلاد تجربة اللبنانيين في العمل الخيري والإنساني، وبات للمجتمع المدني دور كبير يلعبه بالتكامل والتعاون مع القطاعين الخاص والعام، على الرغم من بعض التحديات هنا وهناك، والتي تعود أسبابها في الغالب إلى الحاجة لـ"تأطير" الدور الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني وتوجيهها ضمن إستراتيجية تنموية، تعمل على التواصل والتنسيق بين المشاريع لتحقيق غايات خدمة المجتمع ككل بشكلها التكاملي.
بقلم/ د. عصام يوسف