عندما ينشر هذا المقال يكون قد مر خمسة وثلاثون يوما على الإضراب البطولي للأسرى الفلسطينيين، وأمهات الأسرى هن خير من عبر عن القلق الحقيقي والصادق على حياة أبنائهن، فكثيرون من الأسرى تجاوزت أعمارهم سن الشباب، وكثيرون يعانون أمراضا كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكري، هذا عدا عن الأمراض التي أضافتها معاناة السجون وتنكيل المحتلين، أو الجروح التي خلفها رصاص الجنود الإسرائيليين في أجساد العديد منهم.
خمسة وثلاثون يوما تعني أن معظم الأسرى المضربين دخلوا مرحلة الخطر على حياتهم، وبعضهم قد يستشهد في أي لحظة.
ورغم التقدير لما أبداه أبناء وبنات شعبنا من إسناد لقضية الأسرى، بما في ذلك تصعيد المظاهرات والمقاومة الشعبية، وتصاعد حركة المقاطعة، وقطع طرق المستوطنات بل استشهاد عدد من الشباب في المواجهات مع الاحتلال، لا بد من القول إن حجم الإسناد المطلوب أكبر مما تم حتى الآن بكثير.
فحياة كل أسير مضرب بعد هذه اللحظة أصبحت أمانة في عنق كل فلسطيني، وخصوصاً المسؤولين منهم، وفي مواجهة العناد العنصري الإجرامي لحكومة نتنياهو والتطرف المتشدد لأردان وأمثاله، لا بد أن ينهض غضب شعبي ورسمي فلسطيني شامل.
ولا بد أن يشعر السجانون بالألم والتكلفة والمسؤولية إن أردنا أن يفكوا قبضتهم عن أعناق أسرانا، ولا يجوز بعد اليوم أن تبقى بضاعة إسرائيلية واحدة على رفوف محالنا ومتاجرنا أو في مطابخ بيوتنا، لا يجوز التسامح مع من يحققون أرباحهم على حساب آلام واقتصاد شعبهم، ولم يبق بعد هذه اللحظة مبرر لأي شكل من التنسيق الأمني الذي تكررت القرارات غير المنفذة بإنهائه، ولا يجوز أن تتقاعس اي سفارة أو ممثلية لفلسطين عن تكريس كل طاقتها الآن لفضح ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون من قمع واضطهاد، ولحشد ضغط دولي فعال على حكومة إسرائيل للاستجابة للمطالب الإنسانية العادلة للأسرى.
ويجب ألا تتأخر أكثر إحالة إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية، وهي إحالة من شأنها أن تشعر إسرائيل وحكامها بخطورة السياسة التي يعتمدونها، ومن واجب الجاليات الفلسطينية في كل بلدان العالم أن تستنهض طاقاتها لحشد التضامن والمقاطعة نصرة لقضية الأسرى.
لم يبق مكان ولا زمان للصمت أو التجاهل أو الهروب من المسؤولية، فالذي على المحك ليس فقط قضية الأسرى ومطالبهم الإنسانية البسيطة، على المحك كرامة الشعب الفلسطيني بأسره، وعلى المحك اختبار لإرادتنا كفلسطينيين في مواجهة مخططات التصفية الإسرائيلية التي تجاوزت إعلان رفض حق العودة للاجئين، وحقنا في القدس كعاصمة لفلسطين، ووصلت الآن إلى طرح واستبدال فكرة الدولة الفلسطينية رسميا بمعازل وكانتونات يديرها متعاونون مع الاحتلال.
المخطط وصل إلى محاولة ترسيخ الفصل الكامل والأبدي لقطاع غزة عن الضفة الغربية، وللقدس عن باقي أرجاء الضفة، والآن إلى فصل الضفة إلى أجزاء، بعد الاستيلاء الكامل عن 62% منها، الأسرى لا يخوضون معركتهم من أجل حقوقهم الإنسانية البسيطة فقط، بل أيضا من أجل إبقاء راية الوطنية الفلسطينية والحقوق الأساسية مرفوعة وعالية.
وهم يستخدمون السلاح النضالي الوحيد المتبقي لهم في زنازين العزل وأقبية التحقيق، والإضراب عن الطعام، فلماذا لا يستخدم من هم خارج السجون والذين يملكون الإمكانات والموارد والصلات وحرية الحركة كل هذه الإمكانات لنصرة الأسرى الذين يخاطرون بما تبقى من حياتهم؟ الكل سمع، كما سمعنا، صرخات أمهات الأسرى الموجعة والمؤلمة، وهي صرخات تقطع أنياط القلوب، فهل من مجيب بعد أن بلغ السيل الزبى؟!
بقلم/ د. مصطفى البرغوثي