باديء ذي بدء اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أتقدم إليكم بأسمى آيات الاحترام والتقدير متمنياً أن تصلكم رسالتي وأنتم في أطيب حال وأهنأ بال... ثم أما بعد،،،
يرى الكثيرون أن أروع صور الديمقراطية تتجسد في أن تنعدم المسافة بين المسئول والمواطن، وأن يكون التواصل بين القيادة والشعب تواصلاً مباشراً وعميقاً وشفافاً، ومن هذا المنطلق أجد نفسي متحمساً لكتابة هذه الرسالة لسيادتكم، علها تتضمن أي شيء جاد وجديد قد يسهم ولو قيد أنملة في توصيل صوت الشارع والمواطن العادي بصورة أكثر عمقاً وشفافيةً لسيادتكم... راجياً أن تلتمس لي العذر إن لم أوفق في اختيار بعض الكلمات في هذه الرسالة بسبب رغبتي العارمة في توصيل الفكرة كاملة.
يا سيادة الرئيس/ اسمح لي بأن أبدأ بالتأكيد الذي لا يخفى عليكم بأن كل مناكفة بين السلطة الفلسطينية وحماس بغض النظر عن أسبابها ومسبباتها تلقي بظلالها القاتمة شديدة السواد على أكثر من مليوني فلسطيني من أبناء شعبك.. سكان قطاع غزة.. أنت المسئول الأول والمباشر أمام الله وأمام الرأي العام عن كل ما يتعلق بهم وبحياتهم وبهمومهم وبمشاكلهم وبمعاناتهم، ومن هذا المنطلق أود أن أخبرك بأن سكان القطاع يعانون منذ عشر سنوات من تبعات وتداعيات الانقسام السلبية المتواصلة، ويتجرعون المر والعلقم من نتائجه وتبعاته، هذا الانقسام المقيت الذي كانت له بداية ولا تبدو له نهاية وكأنه قدر كتب عليهم أن يتكبدوه صاغرين دون أن تكون أمامهم بارقة أمل واحدة في التخلص منه وتجاوزه، هذا الانقسام الذي تحول إلى كابوس مؤرق يقض مضاجعنا جميعاً، ويفتت شملنا، ويبدد أحلامنا ويهدد مصيرنا بالحصول ولو على الحد الأدنى من حقوقنا أمام عدو ماكر غاشم ينظر إلينا جميعاً دون استثناء أو تمييز أو تصنيف نظرة واحدة ، نعم كلنا أمامه سواء وبندقيته الموجهة لصدورنا لا تفرق بيننا على الإطلاق!!
يا سيادة الرئيس/ لا أريد أن أشرح الوضع المأساوي الذي تحياه غزة حالياً فهو ليس بخاف عليك، وليس ببعيد عن ناظريك، لكني أود أن أبلغكم أن استمرار الصراع المحموم بين السلطة وحماس أو إن شئت قل بين فتح وحماس لمدة عشر سنوات، هي تقريباً سنوات رئاستك للسلطة الوطنية!! يضع علامات تعجب كبيرة وهالات غموض كثيرة حول ماهية هذا الانقسام المقيت الذي يستمر ويتواصل ويتدحرج ويكبر يوماً بعد يوم، وليس له في الآفاق أي بوادر لأي حل، بل على العكس تماماً يزداد سوءً وتعقيداً، ولا يبدو له أي مخرج قريب.. الأمر الذي ألقى ولا زال بآثاره السلبية ونتائجه الوخيمة على أبناء القطاع الذين يرزحون تحت هموم: البطالة المستشرية كالسرطان في الجسد المنهك، وانقطاع الكهرباء 20 ساعة في اليوم، والحصار المتواصل، وإغلاق معبر رفح، وارتفاع معدلات الفقر والعوز، والتفكك المجتمعي، وغيرها من المشاكل المعقدة التي لا يطول الحديث بشأنها.. هذا الانقسام الذي سيسجله التاريخ شئنا أم أبينا أنه وقع خلال فترة رئاستك للسلطة الوطنية أو لنقل للشعب
الفلسطيني برمته، ولن يتيح لسيادتكم(التاريخ) أن تسوقوا الكثير من المبررات والتعليلات والأسباب لما حدث ومن الجاني ومن المجني عليه؟! ومن السبب ومن المتسبب؟! ومن الضحية ومن الجلاد؟! فالتاريخ سيذكر فقط أنه في عهد الرئيس محمود عباس وقع انقساماً كارثياً بين قطبي الشعب الفلسطيني أدى إلى تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ وضياع ما تبقى من أحلام باستعادة ولو جزء محدود من حقوقنا ومقدراتنا المنهوبة.. سيذكر التاريخ أن هذا الانقسام حدث في عهد الرئيس محمود عباس ولن يطيل الشرح في الأسباب كثيراً بل سيسهب في شرح النتائج الخطيرة التي لحقت بالشعب الفلسطيني وبقضيته وسيتهم كل من كان في قيادة الشعب الفلسطيني بالتسبب في هذه النتائج الوخيمة.
يا سيادة الرئيس/ ليس خافياً على أحد أن لديكم مبررات تسوقونها دائماً لإدانة الطرف الآخر وأقصد هنا حركة حماس وتتهمونها بالتسبب بالانقسام وبإفشال كل محاولات المصالحة، ولقد استمع الشعب منكم مراراً وتكراراً للكثير والكثير من هذه المبررات والأسباب، ولكن يا سيادة الرئيس الجميع يعلم أن أسباب الانقسام وفشل محاولات المصالحة عديدة وكثيرة ومتنوعة بعضها تتحمله حماس، ولكن دون شك تتحمل السلطة وفتح البعض الآخر منه، ورسالتي هنا ليست لإصدار الأحكام وليست لتوجيه الاتهامات وليست لتحديد من الجاني ومن المجني عليه بل للإشارة الواضحة والتأكيد على أنكم شخصياً المطالب الأول بإنهاء هذا الانقسام والمطالب الأول بإتمام المصالحة، والمطالب الأول لحل مشاكل شعبك لأنكم تقفون على سلم الهرم القيادي للشعب الفلسطيني .. رئيساً للسلطة ورئيساً لفتح ورئيساً للمنظمة.. فليس من المنطقي أن يتطلع شعبكم أو يعلق آماله على أي جهة أو قيادة لإنهاء هذا الوضع المتأزم الذي جعل الشعب شعبين والوطن وطنين والكلمة كلمتين وبات يهدد فعلاً النسيج الوطني لفلسطين وشعبها بصورة حقيقية وملموسة.
يا سيادة الرئيس/ يقول المثل الشعبي الفلسطيني : (إذا صاحبك طماع اعمل نفسك قليل حساب) تقول إنك صبرت وصبرت على حماس صبر أيوب لأكثر من عشر سنوات .. والشعب المعلق خطيئته في رقبتك يقول لكم: نفاذ صبركم يعني ضياع ودمار مكون رئيسي من مكونات الشعب الفلسطيني هم سكان وأبناء القطاع برمتهم، فمن صبر عشر سنين يصبر ويتحمل المزيد لأجل شعبه، خصوصاً أنكم تعلمون علم اليقين أن أجراءتكم غير المسبوقة التي هددتم باتخاذها ضد حماس في القطاع لن تطال حماس لوحدها فغزة ليس حماس وليست فتح وليست تنظيم بعينه، غزة يا سيادة الرئيس حماس وفتح وكل التنظيمات والمستقلين والبسطاء والفقراء والغلابة الذين لا هم لهم سوى توفير لقمة العيش. أؤكد لكم أن إجراءاتكم سواء التي اتخذتموها أو تلك التي لم تتخذوها بعد ستؤدي إلى إلحاق الأذى والضرر بشعبكم في قطاع فزة وستفاقم مشاكله، وستزيد البؤس والشقاء والمعاناة لأكثر من مليوني فلسطيني وسيودي بهم إلى الهاوية وهو بكل تأكيد لا يرضيك مطلقاً.
يا سيادة الرئيس/ أتوجه إليكم برأيي المتواضع للخروج من هذه المحنة .. من هذه الفتنة .. من هذه المصيبة .. التي تعصف بكل فلسطيني وبكل فلسطين وأقول لكم: حماس لديها حكماء ولديها عقلاء ولديها مفكرين ولديها مثقفين ولديها منطقيون ولديها معارضون ولديها حريصون على المصلحة الوطنية .. حماس لديها قيادة جديدة.. اجلس معهم .. ادعهم للاجتماع معك ليس بعد شهور أو أسابيع بل فوراً دون تأخير، ليس خلف الأبواب المغلقة بل أمام الرأي العام وبمشاركة نخبة متميزة من مفكري ومثقفي الشعب الفلسطيني، واجعل
كل شعبك شهوداً عليكم، حتى لا تبقى حجة لأحد، وحتى لا يبقى مكاناً للكذب والتدليس على الشعب الذي يسمع كل يوم أكثر من عشرين رواية متضاربة متناقضة من كلا الطرفين حول أسباب تعطل المصالحة.. اجعل كل الأمور في العلن وعلى الملأ وأمام الرأي العام حتى يعلم الجميع من السبب الحقيقي في تعطيل المصالحة، ومن السبب الرئيسي والمباشر في معاناة الشعب، اجلس يا سيادة الرئيس شخصياً مع قيادة حماس الجديدة بقلب مفتوح وأبواب مفتوحة واجعل الشعب شاهداً على الطرفين وحكماً على الطرفين.
يا سيادة الرئيس/ هناك قضايا أصبحت من المسلمات عليك أن تضعها موضع الاعتبار خلال تعاملكم مع حركة حماس، وعدم الاستخفاف بها ... وعدم إنكارها، في مقدمتها أن حماس لم تعد مطلقاً الرقم الثانوي أو الهامشي في المعادلة الفلسطينية حتى تواصل المنظمة ومؤسسات السلطة استثنائها، فعلينا أن نقر جميعاً أن حماس باتت اللاعب الرئيسي إلى جانب فتح في الملعب الفلسطيني، وباتت المكون العسكري الأول فلسطينياً حيث تمتلك جيشاً حقيقياً(كتائب عز الدين القسام) الذراع العسكري للحركة يضم عشرات الآلاف من المقاتلين الأكفاء المدربين مزودين بكافة الوسائل القتالية، خاضت حروباً ضروس مع جيش الاحتلال الذي لم يتمكن من القضاء على الحركة أو القضاء على القسام.. ومن هذا المنطلق أدعوكم لمراجعة إستراتيجية تعامل السلطة وفتح مع حماس بصورة جذرية، لأن السعي لاستثناء حماس، وعدم الاعتراف بحجمها وبقدراتها وشعبيتها أحد أسباب التباين الشديد الحاصل على الساحة السياسية الفلسطينية، وهو أحد الأسباب الرئيسية لاتساع رقعة الانقسام وإطالة أمده... عليكم ضم حماس إلى منظومة الحياة السياسية الفلسطينية لأن تغريدها بمنظومتها الخاصة خرج السرب يعني أنها ضعيفة والسرب أيضاً ضعيف.
يا سيادة الرئيس/ في رسالة مماثلة وجهتها للرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية طالبته فيها بوقف كافة أشكال وصور التأجيج بين(حماس وفتح) وهو ما أوصل الناس لدرجة الإحباط واليأس، وجعل ثقتهم تتزعزع بمكونات الحياة السياسية الفلسطينية برمتها فتح وحماس على حد سواء، وأطال من عمر الانقسام، وكانت سبباً في تدهور الوضع ودخولنا في هذا النفق المظلم الذي لا تبدو في الأفق أي علامات أو مؤشرات للخروج منه بأمن وسلام، ومن هذا المنطلق أطالبكم أيضاً بصفتكم رئيس كل الشعب الفلسطيني في كل مكان وليس رئيس قطاع واحد من قطاعاته بوقف كل ما من شأنه أن يسهم في تغذية هذا الانقسام ويوسع الهوة والشقة بين مكونات الشعب الفلسطيني، وأودى بنا إلى هذا الوضع المزري.
ختاماً يا سيادة الرئيس خاطبتك ولست بأعلم منك، ولست بأدرى منك، ولست بأحرص منك، فأنت الراعي وأنا فرد من الرعية، ولكني أحترم واقعيتك وأحترم مرونتك وأقدر حجم الأعباء والتحديات الملقاة على كاهلك .. كلي أمل بأن تسمح ظروفك بقراءة هذه الرسالة وأن تنظر بايجابية مع ما جاء فيها لأنه من واقع الشارع ومن واقع معاناة الناس وتطلعاتهم... دمتم بعز وعافية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بقلم/ د.ناصر الصوير