· اليوم الثامن والثلاثون للإضراب ...
ما إن حطت قدما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرض فلسطين حتى رأى صور الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية مرفوعة في أكثر من مكان، فقد تعمدت سلطات الاحتلال نشر صورهم، وتعميم أسمائهم، واستحضار عائلاتهم، وإبراز صور أسرهم، وإظهار الجوانب الإنسانية في حياتهم، وخصصت جزءاً من الحوار مع الضيف الأمريكي عنهم، محاولةً لفت نظره واستدرار عطفه، وحثه على المطالبة بهم، والضغط على مختلف الأطراف للإفراج عنهم إن كانوا أحياءً، أو إعادة جثتهم إن كانوا قتلى.
وقد أصغى الرئيس الأمريكي لمحدثيه جيداً، وأبدى اهتماماً لحاجتهم، فقد تحدث إليه صراحةً وبصوتٍ عالي كلٌ من رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين رفلين ورئيس حكومته بنيامين نتنياهو، الذي يعاني من ضغط عائلاتهم، ويتعرض لتوبيخاتهم، ويعجز عن الإجابة على تساؤلاتهم، لكن الأول ألح على ضيفه، وأصر عليه أن يضع نهايةً لمعاناةِ عائلاتهم، وعذاب أسرهم، الذين لا يعلمون مصيرهم ولا يصلهم شئ عن حالتهم، وبدت قضيتهم عنده هي الأولى والأهم، فلا شئ عنده يسبقها ولا غيرها يطغى عليها.
الجنود الإسرائيليون الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية وجدوا من يسأل عنهم، ويتبنى قضيتهم، ويدفع للإفراج عنهم أو كشف مصيرهم، ولا شك أن الرئيس الأمريكي قد كلف أحد مساعديه للاهتمام بهذه القضية، والضغط على مختلف الأطراف التي تملك مفاتيحها، أو عندها معلومات عنها، ولم يخفِ الرئيس الأمريكي تعاطفه مع عائلاتهم، وتفهمه لقلقهم ومعاناتهم، فكان وعده القاطع لهم بالعمل على تحريرهم وإعادتهم إلى بيوتهم وأسرهم، ولعله كان صادقاً فيما وعد، وجاداً فيما قطع على نفسه، فهو مؤمنٌ بقضيتهم، وحريصٌ على مصلحتهم، ويهمه كثيراً أن يقدم خدمةً لشعب "إسرائيل" وحكومته، ولا يعنيه أنهم أسروا أثناء اعتدائهم على قطاع غزة، بينما كانوا في دباباتهم أو يطلقون النيران على الفلسطينيين من بنادقهم.
أما الأسرى الفلسطينيون فلا نعتقد أن زعيماً عربياً أو إسلامياً من القادة والزعماء الخمسة والخمسين الذين اجتمعوا في الرياض قد ذكر الضيف الأمريكي بقضيتهم، أو حضه للتخفيف من معاناتهم، ودفع الحكومة الإسرائيلية للاستجابة إلى مطالبهم، وتحسين شروط اعتقالهم، والعمل على إنهاء إضرابهم بتقديم بعض التنازلات لهم، رغم أنهم جميعاً يعلمون أن يخوضون إضراب الكرامة عن الطعام منذ أربعةٍ وثلاثين يوماً، وأن عددهم قد ناهز الألف وثمانمائة أسيراً، وأنهم جزء من أكثر من سبعة ألاف أسيرٍ فلسطيني وعربي يقبعون في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وأن بعضهم محكومٌ بمئات السنوات وعشرات المؤبدات، والكثير منهم لا يرى أهله ولا يزوره أولاده، ولا يصافح أحداً من أفراد أسرته.
لا أحد قد نبه الضيف الأمريكي بمعاناة الأسرى الفلسطينيين، كما لم يتجرأ أحدٌ أن يرفع صورهم، أو يذكر بقضيتهم، أو يسر همساً بمعاناتهم، فلعلهم كانوا لا يريدون أن يفسدوا زيارة الضيف الكبير، أو أنهم كانوا يخشون من تعكير مزاجه أو غضبه، فالمقام ليس للفلسطينيين وقضيتهم، والأسرى الفلسطينيون وإن كانوا مضربين عن الطعام فهم في عرفه مجرمون ومخربون، مدانون ومخطئون، ويستحقون السجن والاعتقال، والعقاب الذي نزل بهم والحال التي وصلوا إليها، وهو غير مستعدٍ للوساطة لهم أو الحديث مع الحكومة الإسرائيلية بشأنهم، إذ لا يعنيه أمرهم ولا تهمه معاناتهم، ولا تقلقه حالتهم الصحية وتدهور أوضاعهم العامة، ولا يشغل باله بالموت البطيء الذي يحدق بهم ويقترب منهم، وإسرائيل في نظره دولةٌ ديمقراطية مظلومة، تتعرض للإرهاب وتعاني من الاعتداءات على مواطنيها وجنودها، ومن حقها أن تتخذ كل الإجراءات لضمان أمنها وسلامة مواطنيها.
يدرك الشعب الفلسطيني كله قبل زيارة دونالد ترامب وبعد مغادرته الأرض الفلسطينية، أن أحداً غير أنفسهم وأبنائهم وشعوب أمتهم الحرة الأبية يهتم بقضية أسراهم، ويحزن على أبنائهم، ويخاف على مستقبلهم، ويسعى لضمان حقوقهم وتحسين أحوالهم، أو يدعو المجتمع الدولي للضغط على حكومة الكيان لقبول طلباتهم والاستجابة إلى شروطهم، كونها شروطٌ إنسانية وحاجاتٌ مشروعة، لا تتناقض مع القانون ولا تخالف الأعراف والشرائع، ولعل الشعب الفلسطيني ما كان يراهن على الضيف القادم، ولا كان يتوقع منه خيراً أو ينتظر منه نصراً أو يلتمس على يديه فرجاً، فهم يعلمون أنه جزءٌ من الكيان الصهيوني وأحد أعمدته التي يقوم عليها، وهو الذي تعهد بحمايتها والدفاع عنها ما بقي رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.
لكم الله أيها الأسرى الأبطال، وحسبكم المولى عز وجل، فهو جلَّ شأنه الذي يرعاكم ويكلأكم، وهو الذي يدافع عنكم ويحرسكم، وهو الذي يتولى أمركم ويتعهد بالإفراج عنكم، وهو ناصركم ومؤيدكم، وهو الذي يحفظكم بعينه ويتولاكم برحمته، فلن يخذلكم أبداً، ولن يتركم أعمالكم، ولن يتخلى عن نضالكم، ولن يحبط جهودكم، ولن يُذهب تضحياتكم، فاستعينوا به سبحانه وتوكلوا عليه وحده.
وهو جلَّ شأنه يعلم أنكم خيرة هذه الأمة، وصفوة هذا الشعب، وأنكم سوطه على عدوه، وخيله التي ركبت في سبيله، وأنكم قد انبريتم للدفاع عن أمته، والذود عن حياض شريعته، والحفاظ على قدسية أرضه، لاستعاده القدس وتحرير الأقصى وإعادة المسرى، فمن كانت هذه أهدافه فإن الله معه وهو مولاه، إنه نعم المولى ونعم النصير، ومن كان الله معه فلن يضيره أو يخيفه أحد، وكفى بالله سبحانه وتعالى حافظاً وولياً ونصيراً.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 24/5/2017
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi