متى سيقتتلُ أعداؤنا؟!

بقلم: أوس أبوعطا

من أفضل محاسن القضيّة الفلسطينيّة هو تماثل جميع المواقف تجاه العدوّ الصّهيونيّ المحتلّ, والموقف الشّعبي العربيّ الواحد الموحّد المتضامن مع القضيّة التّاريخيّة ,فعلى سبيل المثال لا الحصر , الشّعب الجزائريّ  حين هرع لحضور مباراة كرة القدم بين منتخب بلاده و المنتخب الفلسطيني  ألهب المدرّجات  بتشجيعه للمنتخب الفلسطينيّ وهذا ليس إلّا وطنيّة واعية ورائعة من شعب شقيق ,والمهندس الزّواري الّذي تمّ اغتياله في تونس  لتصنيعه طائرات بلا طيّار لكتائب القسّامٍ و وضع جميع إمكانياته وخبراته في خدمة مقاومة الاحتلال فدفع حياته ثمناً لذلك .والشّعب الخليجي صاحب اليد النّديّة والمصريّ صاحب القوميّة الأبيّة والسودانيّ والصوماليّ والجيبوتيّ والأريتريّ والليبيّ والمغربيّ والموريتانيّ ,وأهلنا في الشّام الكبرى , أحفادُ عزّ الدّين القسام , فالذّاكرة العربيّة تزخرُ بالمواقف الباسلة من الشّعوب العربيّة جمعاء في خدمة قضّيتنا الفلسطينيّة  فضلاً عن الدّعم السّياسيّ والماديّ والثّقافيّ و المعنويّ من حكوماتهم , لكن  بعد مرور ما يقارب عقد من الزمن ما يزال الانقسام الدّاخلي قائماً في فلسطين الحبيبة بين حركتين لهما تقريباً نفس العدد من الأنصار و المتعاطفين على صعيد العالم أجمع, ولعل ما يحزُّ في النّفس هو الرّصاص الذي ضلّ طريقه واستدار ليستهدف صدر الأخ المعاتب لا العدوّ الغاصب ,وما يحزُّ أكثر هو تدخّل القاصي والدّاني في شؤون البيت الفلسطيني الصّغير بمحاولات لصبّ الزّيت على النّار والعمل على استمرار الوضع الحالي من الوهن والفرقةِ واتّحاد اليد الحمساويّة مع الفتحاوية لتدمير الذّات الفلسطينية لا لضرب العدوّ القريب  واستمرار التّراشق الإعلامي الذي كان قمة جبل الجليد مذ بداية هذا العهد الأسود  .
من أكثر ما يجعل العدوّ يستشيط غضباً وحنقاً هو المحاولات الجادّة  من  البعض على انهاء الانقسام , ويبدو ذلك جلياً في السّعار الذي يصيب صُحفييه بمقالاتهم التي تنضح بالحقد تارةً وبالوجل تارةً أخرى من المصالحة , فتراه يسعى كل السّعي لاستمرار الحال على ما هو عليه ,كممارسة الضّغوط على الدّولة الفلسطينيّة لعدم إتمام المصالحة , أو الطّلب المباشر من أمريكا القيام بدورٍ مماثلٍ لبقاء الشّعب أطول فترةٍ ممكنةٍ عالقاً في حفرة الجوع والاقتتال وعدم النّهوض ثانية في وجه الاحتلال الغاصب الغاضب من أي دور يقرب وجهات النّظر بين الفلسطينين ,الذين باتوا مشغولين بتخوين وتكفير بعضهم البعض وهو خير حال وخير حاضر للاحتلال وخير يوم تشرق فيه الشمس على الكيان الصهيوني الذّي كان وسيبقى عابراً للزّمان والمكان .
اقتتلت الفصائل الفلسطينية بين بعضها البعض عدة مرات من قبل , وهذا هو الشذوذ بعينه وهو الخروج عن الفطرة السليمة القويمة , لكن اذا نظرنا في أصل المشكلة لوجدنا أن التربة في دول العالم الثالث أجمع هي صالحة بل وناجحة لحصول الاقتتال الداخلي فالمشكلة تكمن في الجهل المبرّر و انعدام الوعي والشخصية  الإقصائية التي تئن من التضخم القياسي و إعلاء الذّات على الكل , وتقديم المنفعة الشخصية على الجماعية ,والتفنن في الزهو , وتصعير الخد للنّاس  وعدم قبول أدنى درجة من النّقد وهنا يجدر الإشارة أن  بعض المبررات التي توضع كالدّينية والمذهبية هي مبررات واهية و حجج ساقطة , لأن كل حزب وحركة تمر بمرحلتين متناقضتين في بلدان العالم الثالث , المرحلة الأولى هي وضع الحركة في خدمة الوطن والتضحية في سبيله والمرحلة الثانية التي تكون بعد تولي السلطة أو الاستيلاء عليها   هي وضع الوطن في خدمة الحركة والتضحية بالوطن في سبيل الحركة .
 في ليبيا الحبيبة هناك اقتتال دامي مستمر منذ أعوام دمر البشر والشجر والحجر مع أن الأخيرة هي دولة ثرية بنفطها و ثرواتها والشعب الليبي هو مسلم سني مالكي , وهناك اقتتال داخلي  في دولة جنوب السودان حديثة العهد وآخر في اليمن وأفغانستان  وكل ما تقدم يقع في دول تعاني من الفقر المدقع وانعدام للخدمات وانتشار للأوبئة والأمراض والفساد والرشوة والمحسوبية .
لعل أكثر ما يصدم النفس هو الاقتتال بين الفصائل ذات الأسماء الإسلامية الرّنانة , والتي تدّعي السير على خطى الحبيب المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتم السّلام , ونرى مفتيهم يضعون المبررات لقتل رفاق الخنادق وإشهار السّلاح في وجه الأخ المسلم و ترويعه واستباحة دمه وماله وعِرضه , ويكأنهم لم يحفظوا من التاريخ سوى معركتي الجمل وصفين ومرت معارك اليرموك والقادسية وحطين عليهم مرور الكرام , ولهذا نراهم يسارعون في استنساخ مبررات الجمل والصفين بعد إعادة إنتاجهما لفترة هم حريصون على بقائها لأطول عهدٍ ممكن (هنا ننوه أن الساعة تشتعل معارك طاحنة  بين هيئة تحرير الشام جبهة النصرة سابقاً وجيش خالد بن الوليد المتهم بمبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية المدرجتان تحت لائحة الإرهاب العالمي على بعد رمية حجر من الجولان المحتل)  , لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح , أن هؤلاء المتشدقين بأنهم من حفظة كتاب الله و من حفظة ألاف الأحاديث للرسول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام مع السند والمتن,  لم يمر عليهم الحديث النبوي الشريف الذي يحفظه الصغير قبل الكبير (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) الذي يشدد فيه نبينا الكريم أن كل ( المسلم ) أي من نطق الشهادتين ( دمه وماله وعرضه حرام ) فما بالك في المؤمن الذي يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ؟ّ!
من الواضح أن هذه الفترة هي العهد الذهبي لأعداء العرب والمسلمين وهي فترة إيجاد عدو بديل عن مايسمى  اسرائيل , و تفتيت الصلب و تغيير الأولويات والمعتقدات والجريمة السهلة المشروعة , لكن هنا يطلُّ علينا برأسه سؤالٌ مهم , لم لا نعمل على تضخيم الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا , ولم لا نسلط الضوء أكثر على القتل العنصري الذي يقوم فيه الشرطة البيض ضد السود هناك , والغريب في الأمر ان إعلامنا العربي يذكر هذه العنصرية المقيتة وتحيّز المحاكم الأمريكية لذوي البشرة البيضاء بخجلٍ كبير, ويتعاطى كذلك الأمر مع جرائم الكراهية في أوروبا التي تستهدف اللاجئين اللذين لاحول لم ولا قوة , متى سنقارع أعدائنا بنفس أسلحتهم ..أليس الصبح بقريب

أوس أبوعطا
كاتب وشاعر فلسطيني