ترامب والصفقة.. يتكلم ولا يقول شيئاً

بقلم: فايز رشيد

انطلقت زيارة الرئيس الأمريكي الغرائبي دونالد ترامب إلى المنطقة من حسابات خطاباته ووعوده إبّان حملته الانتخابية. يذكر القارئ تماما مطالبته للمملكة العربية السعودية بدفع ثمن حمايتها من قبل الولايات المتحدة. كما تنطلق من حسابات واقعه الحالي المتمثل في هجمات متتالية عليه، ليس من أساطين الإعلام الأمريكي فحسب، بل من جهات ومؤسسات أمريكية محلية متعددة أيضا.
المسألة الثالثة التي انطلقت منها زيارته هي حساباته الإسرائيلية، وتأكيدات ترامب المتعددة على تأييده المطلق للكيان الصهيوني. القضية الرابعة هي العمل على ربط إيران بالإرهاب ورعايتها له، والدعوة للمزيد من محاصرتها بأكبر تجمع عربي- إسلامي، خاصة بعد «تمرد" كوريا الشمالية على التهديدات الأمريكية لها، وإعادة واشنطن النظر في خياراتها الكورية، واضطرار ترامب إلى إجراء نقلة نوعية في تصريحاته، من منطلق عنجهية القوة بداية، إلى التشرف بمقابلة الرئيس الكوري الشمالي.
جاءت الزيارة أيضا عشية ذكرى اندحار الكيان الصهيوني في 25 أيار عام 2000 من الجنوب اللبناني. ومثلما لم يكن صدفة اختيار صباح اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك لإعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003، فلم يكن صدفة أيضا اختيار موعد القمة قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان المبارك.
إن أهم الرابحين من قمة الرياض هي الولايات المتحدة، فتوقيع صفقات بـ450 مليار دولار مع السعودية (صفقات سلاح إضافة إلى صفقات أرامكو) على مدى عقد زمني، إضافة إلى صفقات تسليح دول عربية خليجية أخرى بمئات المليارات، كفيل بالمساهمة في حل أزمة الاقتصاد الأمريكي من جهة، وفي الحفاظ على مصالح المجمع الصناعي العسكري المالي في الولايات المتحدة، الذي هو الحاكم الفعلي في أمريكا، والذي سبق أن حذّر من سيطرته على السياسة الخارجية الأمريكية، الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور، في خطابه الوداعي للأمة الأمريكية في 17 يناير 1961. ومن يريد معرفة حقيقة سيطرة المجمع على القرار الأمريكي عليه قراءة كتاب الصحافي الأمريكي جيمس ليدبيتر «نفوذ لا مبرر له: دوايت إيزنهاور والمجمع الصناعي العسكري". يُبين فيه المؤلف حقيقة التحالف وبالأرقام، بين المقاولين العسكريين ومؤسسات اقتصادية عديدة، منها مثلاً: أقطاب البترول والصناعات الكيماوية، وتصنيع السيارات والأدوات الثقيلة، وصولا إلى شركات تصنيع الهواتف المحمولة. علما بأن توريد الأسلحة الأمريكية الثقيلة إلى الدول العربية، طائرات وصواريخ، محكوم بإشراف أمريكي دقيق على استعمالها وقيادتها ولا يجوز استعمالها دون إذن أمريكي.
وبالنسبة لتشديد السياسات الأمريكية في التعامل مع إيران، فقد حاول الرئيس ترامب إقامة تحالف عريض (غير مكتوب) بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وهو ما نادت به «مؤتمرات الأمن القومي الإسرائيلي" خلال الست سنوات الأخيرة، التي أكدت على أن إسرائيل لم تعش هدوءًا تاماً كالذي تعيشه مؤخرا، كما حددت الخطر المحدق بها في قوتين: إيران وحزب الله. مثلما نادت بتحالف اسرائيل مع الدول العربية، التي أسمتها معتدلة لمحاربة «الإرهاب"! مع العلم أن دولة إسرائيل هي دولة الإرهاب الأولى عالميا. ندرك أن لإيران مشروعها في المنطقة، كما للولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل مشاريعها، ولكن من الخطأ إحالة أمريكا مواجهة ما تسميه بـ"الخطرالإيراني" على العرب، في الوقت الذي وقعت فيه الولايات المتحدة اتفاقا مع إيران، وهي أيضا منعت إسرائيل من ضرب المشروع النووي الإيراني عسكريا!
في السياق يأتي السؤال لماذا لا تتفق الدول العربية (بما فيها دول الخليج العربي) على مشروع عربي لمواجهة إيران؟
على صعيد زيارة ترامب للكيان وللمناطق الفلسطينية يمكن القول: لقد استبق نتنياهو زيارة ترامب بالتأكيد على «إن القدس ستظل العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل". لقد أعلن نبيل أبو ردينة الناطق الرسمي باسم السلطة الفلسطينية، مباشرة بعد زيارة ترامب للمناطق الفلسطينية ولقائه بالرئيس محمود عباس وعقدهما معا مؤتمرا صحافيا مشتركا، أن إسرائيل رفضت كل المقترحات التي تقدمت بها السلطة الفلسطينية، لتحسين الاقتصاد الفلسطيني وإعادة النظر في اتفاقية باريس الاقتصادية. لقد زار ترامب حائط المبكى ووضع على رأسه الطاقية السوداء ( والحائط جزء من القدس الشرقية والمسجد الأقصى) وبذلك يكون أول رئيس أمريكي يزور الحائط أثناء توليه منصبه. وفي زيارته هذه دلالة على طبيعة خطواته السياسية المقبلة، التي لم يعلن عنها لا لعدم قناعته بها، ولكن بانتظار الظروف المواتية لإعلانها. أين كل الذي تحدث ووعد به مراراً وتكراراً من أن هناك فرصة نادرة لتحقيق السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني؟ وما هي حلوله الملموسة؟ لم يتحدث عن حل الدولتين ولم يدن الاستيطان، فكل ما فعله هو تقديم نصيحة لإسرائيل بعدم إقامة مستوطنات جديدة، ولا مانع لديه من توسيع المستوطنات القائمة. لم يتحدث ترامب عن الأسرى الفلسطينيين المضربين، كل ما أضافه أن حركة حماس هي «حركة إرهابية"، والتأكيد على تأييده الأعمى لإسرائيل.
هذا الأمر يجعل من كل تصريحاته حول «الفرصة النادرة لصنع السلام" تصريحات علاقات عامة، لا تسمن ولا تغني من جوع. وهي مجرد كلام دون أي مضامين حقيقية.
منذ عهد الرئيس بوش الابن مرورا بكلينتون وأوباما، توالت الوعود الأمريكية بإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة، إلى الحد الذي حُدّد فيه عام 2005 لإقامتها، ولم تقم. فعلى من يتلو ترامب مزاميره؟ إذا كان الرؤساء الأمريكيون السابقون قد حددوا حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، ولم ترضخ إسرائيل لأقوالهم ومطالباتهم، فهل سترضخ لتصريحات ووعود ترامبية مبهمة؟ لقد أعلن شامير في مفاوضات مدريد أن حكومته ستطيل المفاوضات مع العرب والفلسطينيين 20 عاما، وهذا ما حصل، والمواعيد بالنسبة لرابين «لم تكن مقدسة". أما شارون فوصف ما سمي بـ"مبادرة السلام العربية" التي أطلقتها قمة بيروت عام 2002 بأنها «لا تستأهل الحبر الذي كتبت به، ومصيرها إلى سلة المهملات". وهو رغم اتفاقيات أوسلو، منع الرئيس الراحل عرفات من حضور القمة العربية، آنذاك، وسجنه ثلاث سنوات في المقاطعة، ودس السم له، فهل سيرضخ نتنياهو الذي يرأس ائتلافا حكوميا هو الأكثر تطرفا منذ إقامة دولة الكيان إلى التوجهات العامة لترامب؟
للعلم هناك ورقة ضمانات استراتيجية قدمتها الولايات المتحدة للكيان عام 2004، أعلنها شارون على منصة مؤتمر هرتزيليا الخامس ومن بنودها: التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل الدائم والتام. تعهد الولايات المتحدة بعدم إجبار اسرائيل على حلّ لا ترتضيه. هذا مع العلم أن إسرائيل خاضت مفاوضات لسنوات طويلة على تفسير بند واحد من اتفاقيات أوسلو، فهل ستضرب «تعظيم سلام" للرئيس ترامب فيما لو اقترح حلا لا توافق عليه؟ اما للمتفائلون بزيارة الرئيس الأمريكي وما سينجم عنها من توقعات يعتقدونها في منتهى الإيجابية، فأردّ عليهم بما كتبه الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي (هآرتس الأحد 21 مايو الحالي) بعنوان «شكرا لك يا أمريكا" وجاء فيه: «شكرا لك يا أمريكا على جميلك هذا. وشكرا على الأموال والسلاح والدعم. وشكرا على الإفساد والعفن والإنكار. غدا سيأتي إلى هنا رئيس امريكي يختلف عن أسلافه. ترامب سيستمر في اعطاء كل هذه الامور الجيدة لنا. وأمريكا ستستمر شريكة رئيسية في أحد المشاريع الاكثر انحطاطا في العالم الآن، وهو الاحتلال الإسرائيلي. وهو سيقوم بالتمويل والتسليح والدفاع. شكرا لك مسبقا أيها الرئيس على كل ذلك".

 د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني