ككاتب وأكاديمي فلسطيني، وقارئ ومتابع للتاريخ السياسي الإسلامي، لا أعلم ذريعة أو فتوى دينية تبيح لأي شخص قتل مصريين مسلمين أو مسيحيين آمنين في مساجدهم وبيوت عبادتهم و كنائسهم أو أي مكان في مصر، ولا اعلم بأي حق يتم قتل عشرات المسيحيين الأقباط في المنيا أثناء تنقلهم بالأمس-الجمعة- في الحافلات بهذا الشكل المأساوي المؤسف، فقد نهانا ديننا الإسلامي الحنيف عن الغدر بأهل الذمة، بل أوصانا خيرا بهم، "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فان لهم ذمة ورحما"( حديث شريف) فالإسلام يكلفنا بضرورة الحفاظ على امن المسيحيين واحترام حرمة وقداسة دور عبادتهم. كما أن أحداث قتل وتفجير الكنائس أيضا تضر بالمصلحة العليا للمسلمين وتشوه صورتهم وتقلل من احترام الآخرين لهم، وهذه الهجمات الغادرة والجبانة، للأسف تقوض وحدة الشعب، وتشكل بذور فتنة، وتأتي تساوقاً لمخططات خبيثة تهدف لتفكيك الوحدة المصرية والوقوع في فخ الحروب الطائفية، علماً بان هذه الوحدة المصرية هي التي تبقت بعد أن زالت العراق كقوى عربية إقليمية فاعلة بعيد 2003، وضعفت الدولة السورية واستنزفت جل قدراتها بعيد 2011، وانشغلت ليبيا بحروب وقتال داخلي واستغلال غربي لخيراتها أهلك الحرث والنسل وبدد خيرات وأموال البلاد.
كما أيضا لا اعرف تبريرا واحدا يستندون عليه هؤلاء القتلة لسفك دماء الجنود المصريين المسلمين الأبرياء، فمهما كانت الاختلافات بين هذه الجماعات وبين النظام المصري، فإن الاختلافات السياسية وتباين وجهات النظر لا يجب أن تذهب لهذا المنحنى الخطير، أو تتم ترجمتها عبر قتل الجنود المصريين بهذه البشاعة. ولا اعرف كيف يجرؤ احد على قتل هؤلاء المسلمين الصائمين في رمضان؟
وبالعودة للحديث عن الأقباط، فهؤلاء أهل ذمة وجزء من النسيج الوطني المصري والعربي أيضا، نحترمهم جدا في فلسطين – بيت لحم والناصرة- مهد سيدنا المسيح عليه السلام، وأجواء التضامن الوطني المجتمعي تسطر شكل الوحدة الفلسطينية، وتعتبر سندا وقوة لكي يواجه الفلسطينيون أي مؤامرات داخلية وخارجية وهذه الوحدة تمنع تسرب الأفكار الدخيلة الشيطانية التي تدعو لثقافة القتل والعنف والدمار والفرقة والخلاف، بل لهم مواقف متقدمة في معركة النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقدموا أروع آيات التضامن والتلاحم الوطني، ففي أثناء الحروب الإسرائيلية على غزة واستهداف الجيش الإسرائيلي للمباني والمدارس والجامعات والمساجد، فقد فتح المسيحيون بيوتهم وكنائسهم للمسلمين كملاذات آمنة، وعندما منع الاحتلال الآذان في القدس، رفع الآذان من الكنائس. ولا أظن البتة بان مسيحيي مصر أقل وطنية وإنسانية وكرم من مسيحيينا في فلسطين. فالواجب رعايتهم ومعاملتهم بموازين العدل والقسطاس، فقد قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة". وأيضا قال "دعوة المظلوم وإن كان كافرا ليس دونها حجاب".
وأتساءل، ونحن كمسلمين يعيش جزء كبير منا في الغرب الذي تحكمه قوانين مسيحية، ونتمتع فيها بكافة الحقوق والمزايا والحريات، فهل نرضى بان يتم استهداف الأقليات المسلمة الآمنة في بريطانيا أو كندا أو الولايات المتحدة أو بلجيكا أو فرنسا؟ لماذا نرضى على الآخرين ما لا نرضاه لأنفسنا؟ أي تناقض صارخ هذا الذي ارتضته هذه الفئة التي تبنت فكر الظلام والقتل والعنف بهذا الشكل الدراماتيكي؟
إن تكرار هذه المأساة وقتل الآمنين وإثارة الفتن يضعف مصر ودورها، و التي ما زالت سندا للكثير من الدول العربية وما زال يحسب لها ألف حساب، ونحن كفلسطينيين ندين لمصر بالكثير من الفضل والعرفان، فهي الدولة الوحيدة التي انتصرت على إسرائيل وحدها في زمن الراحل الرئيس السادات، وبرفعة مصر يرتفع شأن الفلسطينيون، ولا شك أن كثيرا من الدول المعادية للوحدة العربية تعتبر زوال مصر من خارطة التأثير العربي هدفا لها. فأي خير يرجى من هذه السياسة التفجيرية والفتنوية والتدميرية التي تستهدف جزء أصيل من الشعب المصري؟
وأخيرا، ونحن نحاول الرد على الشبهات التي يلقيها علينا بعض مسئولي ومفكري الغرب، بان الإسلام دين قتل وإرهاب وتطرف، فهل مثل هذه الأحداث التي سفكت الدماء البريئة تساعدنا في الرد؟ أم أنها تزيد قوة ذرائعهم بأننا إرهابيون يقتل بعضنا البعض؟ وتسفك ما تبقى من مياه وجهنا وتؤكد أننا قوما لا نستحق الحياة؟
أدين وبشدة هذه العمليات الإرهابية، واترك إجابة أسئلتي لبعض الضمائر الحية، لعلهم يتذكروا بعض ما قرؤوه بان مصر لطالما كانت للإسلام عزاً ومصدر نصر.
كما أتمنى أن لا تؤثر هذه العمليات على إجراءات فتح معبر رفح للفلسطينيين، حيث إن الفلسطينيين يدينون ويشجبون بشدة هذه العمليات، ويقفون مع مصر لمحاربة التطرف، ويتشوقون أيضا للسفر للخارج والتنقل عبر المعبر الوحيد أمامهم. فالإغلاق المستمر للمعبر والعزلة الدائمة في ظل حصار خانق في غزة تعتبر من أركان وأسباب توليد التطرف والتشدد والجهل.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ مصر من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلها أمنًا أماناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
بقلم/ فهمي شراب