أولا النص
لا أحب الذهاب إلى الموت يوم الأحد
لا أحب الذهاب
لو أتيت معي
لمضينا إلى النهر
ثم انتظرنا هنالك
حيث يسيل الأبد
وحيث النسا يجررن خيباتهن الطويلة كالظل
وحيث الضباب يجي من الغرب
حيث السديم
وحيث من الغابة الجبلية يأتي العواء العظيم
لو أتيت معي
لرأيت المدينة تجري إلى مستقر لها
والجبال تعود إلى أمها
والمدى يضمحل
والفراغ يطأطئ فوق التلال
ويطرق كالصل
لو أتيت معي
لو أتيت
ابراهيم هشهش فرايبورغ 1987
مطرق ينفث سما مثلما أطرق أفعى ينفث السم صل الشنفرى
ثانيا القراءة
في لحظة تجل شعري نادرة لا يدركها إلا الشعراء يقبض الشاعر الدكتور إبراهيم أبو هشهش على لحظات انكشاف لما قبل التكوين ومن العسير المضي في هذا النص الشعري دون تلمس الإبداع الرؤيوي وفهم الإشارات والدلائل التي بني عليها النص الذي يعبر عن حالة رؤيوية خاصة
بني هذا النص الشعري على اتجاهين متناقضين الحياة والموت ولئن كان النص حالة رؤيوية امتزج الموت بالحياة في مكان ما من النص ثم تفرقا أو فرقهما الشاعر عمدا لتتجلى الرؤيا كاملة لا أحب الذهاب إلى الموت يوم الأحد
اختلطت قدسية يوم الأحد بالموت الأحد يوم الرب القيامة مزجه الشاعر بالموت إذا ما ارتبط بعدم حضور الخر لا أحب الذهاب لو أتيت معي فالأحد وعلى الرغم مما يمثل من قدسية الحياة الجديدة إلا أنه يعتمد بحسب الشاعر على حضور يبعث الحياة الأولى الكائنة ما قبل الوجود أو الحاضرة في إشارات ما قبل التكوين تكمن قدسية الأحد في المقلب الخر في دائرة الانتظار ليرتسم الشوق إلى لحظة الأبد
لا يمسك الشاعر بالرؤيا تماما أم إنها ليست قائمة بالفعل لأنه بامتناع الحضور تبقى الرؤيا قائمة بالقوة حتى يجاز الحضور فتمسي رؤيا بالفعل لكن الامتناع عن الحضور متعلق كذلك بالموت أو بالحالة الانتظارية للنهوض من الموت والانطلاق منه بطريقة عكسية
لو أتيت معي
لمضينا إلى النهر
ثم انتظرنا هنالك
ستكون الحالة الانتظارية ملامح الرؤيا لتتيح للقارئ التأمل في العودة مع الشاعر تدريجيا من الوجود إلى الحياة الحقيقية العالم السماوي أو العدم المحرر كما يسميه أنسي الحاج مكان تسمع فيه الروح أكثر وبالتالي فالشاعر يمضي عكس النظام الكوني ساعيا للدخول في قلب الرؤيا حتى يتحرر فينتفي الموت لا أحب وتمسي إمكانية الحضور لو أتيت استحالة غياب ثم انتظرنا هنالك
تتشكل الحالة الانتظارية عكسيا وتفتح فاقا على الأبد الذي يسيل أي الذي لا يحجزه ولا يردعه شي وبطبيعة الحال تكمن الحياة في الأبد لأنه ليس جمادا وإنما حركة ديناميكية فاعلة حيث يسيل الأبد وما السيلان إلا دلالة على هذه الحركية التي لا تتوقف ولا يعقبها الموت وإنما هي حركة مستديمة أبدية دل عليها النهر كرمز للخصب وتدفق الحياة
تتحدد النزعة الرؤيوية أكثر حينما يدخل الشاعر عنصر الضباب التي من الغرب البحر ليعلن عن غموض الرؤيا أو سرها بالمعنى القدسي لكلمة سر الداعي للاكتشاف والتأمل وحيث الضباب يجي من الغرب أو بمعنى خر ممكن اجتذاب الأبد للكون ليعيده إلى مكانته الأولى ما قبل اللحظة التكوينية قد يشير السديم إلى هذا الأمر إلا أنه مما لا ريب فيه أن الشاعر حرص على إبراز العناصر الكونية النهر الضباب السديم لتعزيز الفكرة الأساسية المتجلية بالرؤية الماضية من الموت إلى الحياة وإذا أشارت عبارة الغابة الجبلية إلى حضور القوة الخالقة فسيتداخل هذا العنصر مع النهر كدلالة على تدفق الحياة والضباب كدلالة على السر ليشير إلى حضور القوة الخالقة التي تعلن بداية النهاية العوا العظيم
ينتقل الشاعر من الرؤيا بالقوة إلى الرؤيا بالفعل ويعتمد تناصا مع النص القرني سورة ياسين 36 والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم فتنكشف الرؤيا أكثر ويدخل الشاعر في تفاصيلها ويتدرج بالانفصال عن الزمان والمكان ويحدد الفعل رأيت معاينة لحظات العودة إلى خواتم الوجود بل ولادتها الجديدة لرأيت المدينة تجري إلى مستقر لها هي نقطة اللاعودة إلى ما قبل ليكن فكان إلى العدم المحرر ويمسك الشاعر باللحظة الفاصلة بين الخلق والعدم والفراغ يطأطئ فوق التلال وستعبر الملاحظة الختماية مطرق ينفث سما مثلما أطرق أفعى ينفث السم صل الشنفرى عن شركة مع السطر الأول من القصيدة لا أحب الذهاب إلى الموت يوم الأحد لتعبر عن عدم الذهاب إلى الموت بدل عدم الرغبة في الذهاب فالشاعر الذي يرجو حضور الخر الذي يخاطبه في القصيدة والذي سيحضر لأن هذا الخر هو الشاعر نفسه الذي يطرق مستعدا لمجد القيامة
بهذا النص يدخل الشاعر عالما حافلا بالإشارات السيميائية التي تجعل النص نصا مكثفا مكتنزا بالمعنى يدفع شاعره نحو المزيد وليس التوقف عن الفعل الشعري المختلف والحقيقي فكيف لمثل هذا الجمال أن يصمت
مادونا عسكر لبنان