"تحتفل" بريطانيا هذه السنة بالذكرى المئوية الأولى لوعد بلفور، وكان يجب أن تخجل وتكتم الذكرى، فالبلد المستعمِر وعد إرهابيين بإعطائهم بلداً مسكوناً هو فلسطين عندما كان سكانها سبعمئة ألف مقابل أربعة في المئة من اليهود.
وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور أرسل إلى صديقه اللورد روتشايلد، من زعماء الحركة الصهيونية، رسالة حملت تاريخ 2/11/1917 قال فيها:
عزيزي اللورد روتشايلد،
يسرني كثيراً أن أنقل إليك بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة الإعلان التالي عن التعاطف مع طموحات اليهود الصهيونيين التي أرسلت إلى الحكومة ووافقت عليها الحكومة.
حكومة صاحب الجلالة تنظر بعطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستحاول جهدها تسهيل تحقيق هذا الهدف شرط أن يفهم عدم القيام بشيء للإضرار بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسي لليهود في أي بلد آخر.
أكون شاكراً لو أنكم أبلغتم هذا الإعلان إلى الاتحاد الصهيوني (التوقيع - آرثر بلفور).
وهكذا، فالدولة المستعمِرة أعطت وطناً يسكنه شعب منذ ألوف السنين لمشردين اعتنقوا اليهودية في القوقاز هرباً من الدولتين العثمانية والبيزنطية.
الاحتفالات بالذكرى المئوية تجرى مع أن الورقة البيضاء في شباط (فبراير) 1939 ألغت وعد بلفور. الورقة طويلة وأختار منها السطور التالية:
"حكومة صاحب الجلالة تعتقد أن صائغي وعد بلفور لم يكونوا يستهدفون تحويل فلسطين إلى وطن يهودي ضد إرادة السكان العرب في البلاد... لذلك، فحكومة صاحب الجلالة تعلن إعلاناً قاطعاً أن ليس من سياستها أن تصبح فلسطين وطناً لليهود، لأن ذلك يناقض التزاماتها للعرب بموجب الانتداب والضمانات التي أعطيت للشعب العربي في السابق بأن لا تصبح فلسطين وطناً لليهود وهم (العرب) يعارضون ذلك.
إن هدف حكومة صاحب الجلالة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنوات ولها علاقات معاهدة مع المملكة المتحدة... الدولة المستقلة يجب أن يشارك فيها العرب واليهود في الحكومة بشكل يضمن حماية الحقوق الأساسية لكل طرف...".
وهكذا، فوعد بلفور جاء وسط الحرب العظمى (الحرب العالمية الأولى) واليهود الأشكناز في أوروبا يساعدون مالياً بريطانيا وحلفاءها ضد ألمانيا. والورقة البيضاء جاءت قُبيل الحرب العالمية الثانية، وبريطانيا تستعد لمواجهة أطماع النازية في السيطرة على أوروبا.
وعد بلفور نُفّذ وزاد عدد اليهود إلى 400 ألف في فلسطين، أما الورقة البيضاء فلم تنفذ وإنما تدفق اللاجئون اليهود على فلسطين هرباً من النازية، والمعسكران الغربي والشرقي ساعدا في تسليحهم لارتكاب أعمال إرهابية، فقد كانوا أول إرهابيين في بلادنا، ومنهم تعلم كل إرهابي لاحق، أسامة بن لادن والظواهري والبغدادي هم ديفيد بن غوريون وإسحق شامير وآريئيل شارون باسم آخر، والقاعدة أو داعش أيضاً اسم آخر لعصابة آرغون.
المشردون المنبوذون في كل بلد أصبحوا في فلسطين، وأهل البلد الوحيدون أصبحوا مشردين. الكونغرس الأميركي يؤيد المحتلين في فلسطين، والغرب والشرق ساكتان أمام الجريمة إلى حد التواطؤ، والأمة في النزع الأخير إن لم تكن ماتت، ونحن بانتظار مراسم الجنازة. أسجل هذا ثم أقول إن الأمل بعودة فلسطين إلى أهلها لا يزال حيّاً.